وأما تسويف التوبة فيعالجه بالفكر في أن أكثر صياح أهل النار من التسويف؛ لأن المسوف يبني الأمر على ما ليس إليه: وهو البقاء، فلعله لا يبقى وإن بقي فلا يقدر على الترك غدا، كما لا يقدر عليه اليوم..
فليت شعري هل عجز في الحال إلا لغلبة الشهوة؟ والشهوة ليست تفارقه غدًا بل تتضاعف، إذ تتأكد بالاعتياد!
فليست الشهوة التي أكدها الإنسان بالعادة كالتي لم يؤكدها، وعن هذا هلك المسوفون لأنهم يظنون الفرق بين المتماثلين، ولا يظنون أن الأيام متشابهة في أن ترك الشهوات فيها أبدًا شاق!
وما مثال المسوف إلا مثاله من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة، فقال أؤخرها سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها، وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه، فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته؛ إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو في نفسه وقوي الضعيف
المصدر:
أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين