الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي

الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي | مرابط

الكاتب: هشام عزمي

559 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

من يعترضون على انتقاد الداروينية أو نظرية التطور لانه لا يجوز مخالفة الإجماع العلمي، ويقارنون بينه وبين الإجماع الشرعي الذي لا تجوز مخالفته، يقعون في العديد من المغالطات، وباختصار يمكن الجواب عليهم من وجوه:

العبرة بالدليل

الأول: أن العبرة في العلم التجريبي بالدليل وليس بإجماع العلماء، على فرض ثبوته، فالدليل الحقيقي المستمد من المشاهدة والحس والتجربة على التطور الكبير Macroevolution منعدم تمامًا، بخلاف التطور الصغير Microevolution الثابت علميًا وحسيًا ولا يماري فيه عاقل، وكل ما ينسب للبيولوجيا التطورية في مجال تحسين المحاصيل الزراعية وسلالات حيوانات المزرعة وإنتاج الأمصال واللقاحات وتطوير الدواء والصناعات البيوتكنولوجية إنما يعتمد على معطيات التطور الصغير لا الكبير. يقول د. أحمد شوقي أستاذ علم الوراثة: ((إن المستويات الدقيقة الأصغر microevolution يمكن مشاهدتها وإحداثها، أما المستويات الأكبر ففرضياتها أكثر من حقائقها)). ومعلومٌ أن ثبوت الأصل المشترك وثبوت ارتقاء الأنواع يدور حول إثبات حدوث التطور الكبير من نوع إلى نوع، وهو ما يفتقر إلى الدليل.

الإجماع الشرعي أمر ثابت

الثاني: أننا نحتج عليهم –كمسلمين– بالإجماع الشرعي على الخلق المستقل لآدم وحواء دون أب وأم من نوع سابق أو سلف قديم. وهذا الإجماع الشرعي أقوى بمراحل في دلالته عن الإجماع العلمي، لماذا؟ لأن الإجماع الشرعي مبني على أمر ثابت وهو الدين ومصادره المعتبرة، وهذه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وبالتالي فإن الإجماع الشرعي أمرٌ ثابتٌ لا يتغير ولا يتبدل ويمكن الاعتماد عليه والاطمئنان إليه، بخلاف الأمر مع الإجماع العلمي الذي هو مبني على العلم التجريبي المتغير دومًا والذي ليس فيه ثقةٌ مطلقةٌ ولا يقينٌ ثابتٌ.

يقول الشيخ حسين الجسر: ((وإن قيل إن بعض تلك المسائل التي يقلد بها المقلدون فلاسفة هذا الزمان تكون مجمعًا عليها عندهم، قلنا إنا معشر المسلمين لسنا مأمورين في شريعتنا بتقليد إجماع إلا إجماع هذه الأمة المحمدية، أي إجماع علمائها الذين هم أهل الاجتهاد وفهم نصوص الشريعة حيث شهد لهم الرسول عليه السلام بأنهم لا يجتمعون على ضلالة. على أن إجماع هؤلاء الفلاسفة على بعض تلك المسائل قد يكون مبنيًا على دليل ظني فلا يفيد عصمة إجماعهم من الخطأ لاسيما في المسائل التي تكون بعيدة الموضوعات عنهم كما في المسائل الفلكية والجوية؛ فإن معظم أدلتهم فيها الحدس والتخمين وقياس الشاهد على الغائب كما يعلم من الاطلاع على كتبهم التي تقرر فيها هذه المسائل)).

أضف إلى هذا أن الإجماع الشرعي في حالتنا هذه يستند إلى أدلة قوية من نصوص الوحي، وليس إجماعًا بلا بينة أو برهان، بينما الإجماع العلمي المعارض له لا يستند على أدلة معتبرة مشهودة ومحسوسة أو خاضعة للتجربة، فلا تصح مثلاً مقارنة نظرية داروين بنظرية الجاذبية، لأن الجاذبية أمرٌ مشاهدٌ وملموس ويخضع للتجربة ويمكن صياغته في قوانين وقابل للتنبؤ، بينما التطور الكبير –الذي عليه مدار النزاع كله– ليس مشاهدًا ولا ملموسًا ولا يخضع للتجربة ولا يمكن صياغته في قوانين ولا يتنبأ بأي شيء، فالمقارنة بين الداروينية والجاذبية لجعلهما بنفس الاعتبار مغالطة جسيمة للغاية.

مسؤولية الانتخاب الطبيعي

الثالث: أن الإجماع العلمي على صحة الداروينية لا ينفع المسلمين المعتقدين في صحة التطور، لأنه يقرر مسئولية الانتخاب الطبيعي غير الموجه والطفرات العشوائية عن حدوث التطور. وهذا يوقع القوم في لوازم عقلية خطيرة أبرزها التصور المشوه للحكمة الإلهية والوقوع في التناقضات الفادحة.

ولهذا صار القوم محل سخرية وتهكم الداروينيين الملاحدة حتى شبههم العالم التطوري جيري كوين بمن لا يرى تعارضًا بين الزواج والزنا لأن بعض المتزوجين يرتكبون الزنا !! وأعجب من هذا صنيع د. عمرو شريف في استدلاله على صحة الأصل المشترك للكائنات بالإجماع العلمي على الداروينية بينما يرفض مسئولية الانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية عن التطور لأنها مخالفة للدليل، فصار كمن يؤمن ببعض الإجماع العلمي ويكفر ببعض ويريد أن يتخذ بين ذلك سبيلاً! وهذا تناقضٌ معرفيٌ جسيمٌ كان ينبغي أن يتنزه عنه الدكتور عمرو، لكن للأسف كل من يعتقد في صحة التطور يصير ضحيةً لهذه التناقضات والإشكالات العقلية، فضلاً عن الأخطاء العلمية والشرعية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الداروينية
اقرأ أيضا
المؤامرة على المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج2


وعندما قامت الثورة الفرنسية مطالبة بما أسموه حقوق الإنسان وحرية الإنسان حصلت المرأة على شيء مما يمكن أن نعتبره اعتراف بأنها إنسان وبأن لها روح وبأنها بشر وأخذ المفكرون والأدباء يدعون إلى ذلك وإن كانت دعوتهم تتلبس بالرذيلة والكلام عن البغايا والرأفة بهن والشفقة عليهن وتتحدث عن الراهبات وأنهن منافقات ويزنين في السر وما أشبه ذلك لكن بدأ هناك شعور في أوروبا أن للمرأة روحا وأنها إنسان وليست بشيطان

بقلم: سفر الحوالي
696
العلمانية الجزء الأول | مرابط
العالمانية

العلمانية الجزء الأول


مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر

بقلم: الندوة العالمية للشباب الإسلامي
2045
موانع قبول الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

موانع قبول الحق


مقتطف رائع لابن قيم الجوزية من كتاب هداية الحيارى يشير فيه إلى موانع قبول الحق التي تحول بين الشخص وبين الانقياد للحق حتى لو أنه ليس جاهلا به فهناك الكثير من المحاور الأخرى أو الأسباب الأخرى التي تمنع ذلك وهنا يستعرضها لنا بشكل دقيق

بقلم: ابن القيم
2243
الغلو نبتة سلفية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الغلو نبتة سلفية


يقولون: أن الغلو هو نبتة سلفية أو ظاهرة سلفية أو منتج سلفي أو غيرها من عبارات تصاغ للتعبير عن فكرة واحدة وهي: أن السلفية سبب لظهور الغلو وهي التي تتحمل تبعاته وآثاره وذلك أن الغلاة ينتسبون إلى السلفية ويستدلون بأصول السلفية ويستندون إلى رموزها ومقولاتها وهذا يعني أن المشكلة في السلفية نفسها وبين يديكم مقال هام للرد على هذه الفرية

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
781
الصحابة هم الواسطة بين الرسول وبين الناس | مرابط
تفريغات

الصحابة هم الواسطة بين الرسول وبين الناس


الصحابة هم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من جاء بعدهم ومن يقدح فيهم إنما يقدح في الواسطة التي تربط المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدح في الصلة الوثيقة التي تربط الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم

بقلم: عبد المحسن عباد
566
عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

عظمة الإرث في الإسلام والرد على المشككين ج1


فقبل أن نتكلم عن هجمة الغرب على أحكام الإرث في الإسلام لا بد أن نعرف تاريخ المرأة مع الإرث في المجتمعات والأديان الأخرى فقد كانت حالتها حالة مؤلمة كانت المرأة لا ترث في اليهودية عند وجود إخوة لها من الذكور وعند الصينيين واليابانيين لا ترث شيئا فيما مضى وعند النصارى لا يحق لها أن تملك المال بصفة مستقلة وكانت بعض القوانين الأوروبية إلى وقت قريب لا تورث المرأة وهذه المحاضرة فيها استعراض لعظمة الإرث في الإسلام واستعراض سريع لأبرز الشبهات المثارة حول ذلك

بقلم: فهد بن سعد أبا حسين
481