الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج1

الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج1 | مرابط

الكاتب: حسن حسين الوالي

856 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

خَلَق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان مِن ذَكَر وأُنثى؛ ليحقِّقَ التكاملَ بين رُكنَين هامَّين من أركان إعمار هذا الكوْن؛ بل هما الرُّكنان الأساسيَّان اللذان عُمِّر بهما ومن أجْلهما هذا الكونُ وهذه الأرض؛ قال - تعالى سبحانه -: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ   فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ   بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].

هذا التكامُل ليس حالةً خاصَّة بالإنسان تعْزِله عن سُنَّة الخلق، والسياق الكوني؛ بل هي حالة تنسجم مع ثنائية تعمُّ وتشمل المخلوقاتِ في هذا الكون، والتي يتحقَّق بها التوازن والاتِّزان، فسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، وتَمضي سُنَّة الله في هذا الكون، وهي تكاد تعمُّ لتشملَ كلَّ المخلوقاتِ في هذا الكون الفسيح، الذي يحمل أعظمَ المعاني على عظمة الخالِق البارئ المصوِّر سبحانه.

الذي يقول - جلَّ من قائل-: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3].

فهذه الثنائية الرائعة تمتدُّ، وتعمُّ وتشمل الوجودَ المادي، والوظائفَ الفسيولوجية، والبيولوجية والفيزيائية للمخلوقات؛ وصولًا إلى أرْقى شكل من أشكال الوجود في هذا الكون، والذي يتربَّع عليه الإنسان بمنظوماته القِيميَّة والاجتماعية والثقافية، والتي تلقَّاها من ربِّ العالمين - سبحانه وتعالى - بمعرفةٍ عجزتِ الملائكة عن الوصول لها؛ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:31].

هذه المعرفة والإدراك الإيماني السائر على دَرْب الهِداية مُحارَب بغَواية إبليس اللعين؛ عدوِّ الإنسان، الذي أقسم حسدًا وحِقدًا على الإنسان ليُحيدَه عن طريق الصواب، ويأخذه إلى دروب الهلاك، وخزي الدنيا والآخرة يُعمِي بصيرتَه عن الحقيقة القرآنية، ويوهمه بخيالات من الكَذِب الذي يُزيِّنه له بأنَّه حقيقة، ويجملها بكلِّ ما يملك من زُخرف فكري كاذب، فيضل الإنسان، ويظلُّ يُكابِر ويقدِّم خِدْماتِه لولي نعمته إبليس اللعين، ويتحوَّل من خاضع للضلالة إلى شخص مفتون بها، ويُضلُّ بها كثيرًا من الناس؛ ليبوءَ بذنبه وذنوبهم.

ما دفعني للحديث بهذه المقدِّمة هو تهيئةُ القلوب والأذهان لِمَا سأعرضه من أفكار حولَ قضية يتمُّ الحديث عنها، وتُتداول بفَهْم أو غير فهم، وتُسوَّق بين أبنائنا وبناتنا - خصوصًا الشبابَ - بقصد أو غير قصد، وحتى لا أكتمَ علمًا تعلمتُه أو أعلمه، فأُلْجِم بلجام من نار يومَ القيامة، فإنني أتناول هذه القضيةَ لأوضِّح بعضَ الحقائق المتعلِّقة بها.

 

الرجل والمرأة

الرجل والمرأة هما ذكر وأنثى من ناحية التعريف الجِنسي، لهما حسب المصطلح الإنجليزي sex، يتم وصفُ الصِّفات البيولوجية والفسيولوجية لكلٍّ منهما، وهي صفات واضحة وثابتة، ولا يمكن العبثُ بهما، عِلمًا بأنَّه كانت هناك محاولاتٌ للتغيير في هذه الفسيولوجية بالنسبة للرجل والمرأة، فكانت النتيجةُ إنتاجَ مسوخ بشرية من المتحوِّلين جنسيًّا أو المتحولات.

وأمام هذا العجز في التغيُّر فيما خَلَق ربُّ العالمين الذكر والأنثى، وقف دعاة المساواة المطْلقة بين الرجل والمرأة عاجزين أمامَ هذه الحقيقة الواضحة، غير القابلة للتغيير والعبث، ظهر في السبعينيات مِن هذا القرن مصطلحُ النوع الاجتماعي، أو الجندر، ومفهوم الجندر Gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار   اللغوي  Genus؛ أي: (الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة)، وإذا استعرْنا ما ذكرتْه (آن أوكلي) التي أدخلتِ المصطلح إلى عِلم الاجتماع، سنجد أنَّها توضح أنَّ كلمة  Sex  ؛ أي: الجنس، تشير إلى  التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع  Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة (اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة)، ولديها كتاب عن هذا   عنوانه (الجنس والنوع والمجتمع، عام 1972م).

بشكل أكثر وضوحًا، فإنه كما أوضحْنا: أنَّ الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا يمكن إنكارُها، كما لا يمكن العبث بها، وبالتالي فهي تقف كعلامة استفهام كبيرة أمامَ دعاة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة.

ومِن هنا تمَّ التركيز على (الجندر)، أو النوع الاجتماعي؛ لأنَّه يوضِّح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد الدور الاجتماعي، والمنظور الثقافي والوظيفة، تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة، وسياسية واجتماعية؛ أي: إنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل، حسب مفهوم (الجندر).

ومن هنا؛ إذا عجز البشر عن إزالة الفروق البيولوجية، فمِن الممكن إزالةُ الفروق النوعية (الجندرية) بين الرجل والمرأة، وذلك مِن خلال برامجَ تنمويةٍ تعمل على تغيير قِيمي وبنيوي داخلَ المجتمع، يكفل إزالةَ هذه الفروق.

ومِن القضايا التي تحاول البرامجُ (الجندرية) التصدِّي لها: الوظيفة الاجتماعية للرجل والمرأة، على افتراض أنَّ الرجل يُهيمِن على المرأة، ويمارس قوَّة اجتماعيَّة وسياسية عليها ضِمنَ مصطلح المجتمع الذُّكوري، وبالتالي يجب منحُ المرأة قوَّة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصادية تساوي القوةَ الممنوحة للرجل في جميع المستويات حتى في الأسرة.

 

وقد عَرَّفت الموسوعة البريطانية (الجندر):

"هي شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى... ولكن هناك حالاتٌ لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافُق بين الصِّفات العضوية وهُويته الجندرية، إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة؛ بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل".

 

(الجندر) حسب تعريف منظمة الصحة العالمية:

"هو المصطلح الذي يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصِفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العُضوية".

وكما جاءت في (المادة الخامسة) من (السيداو)، وهي المادة   التي تطالب - وبشدة - بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية.

وقد ورد تعريف (الجندر)، حسبَ المنشور في أحد المواقع النسوية العربية على الشبكة الإلكترونية كما يلي: "النوع الاجتماعي (الجندر): يتعلق بالأدوار المحدَّدة اجتماعيًّا لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار   تكتسب بالتعليم وتتغيَّر مع مرور الزمن، وتختلف اختلافًا واسعًا داخلَ الثقافة الواحدة، ومِن ثقافة لأخرى، وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار   والمسؤوليات التي يُحدِّدها المجتمع للمرأة والرجل، وهو يعني أيضًا: الصورة التي ينظر بها المجتمعُ للمرأة والرجل، وهذا ليس له عَلاقة بالاختلافات   الجسديَّة (البيولوجية والجنسية).

هذا؛ ويتمُّ تبديلُ مصطلح منْح المرأة القوَّة power بمصطلح تمكين empower mednt؛ لتوصيف الأنشطة المتعلِّقة بإزالة الاختلافات الاجتماعيَّة والثقافيَّة والوظيفيَّة كافَّة بين الرجل والمرأة.

ونحو تحقيق إزالة الفروق الوظيفية بين الرجل والمرأة، فإنَّ الأمومة تأخذ حيزًا كبيرًا عند الجندريين، فعالمة الاجتماع (أوكلي) تقول: "إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما   ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعتبر   وظيفةً اجتماعية.

 

الصحة الإنجابية

وهنا يظهر مصطلح "الصحة الإنجابية"، وهو - حسب المنظور الجندري - ليس كالمفهوم العالمي له، والهادف إلى معالجة الإشكاليات الناتِجة من وظيفة المرأة كأمٍّ على مستوى الإنجاب، والتي قد تقف عائقًا أمام ممارستها لدَوْرها الجندري المساوي لدور الرجل، ومِن هذه الإشكاليات الحملُ والرَّضاعة، وغيرها من الوظائف الفسيولوجية للمرأة، كما أنَّ هذا المفهوم أثار ضجَّة على مستوى عِدَّة مؤتمرات بهذا الخصوص، حيث أبدتْ بعض الدول المشارِكة تحفُّظاتٍ عليه، عندما وُجِد بأنَّه يشرع الإجهاض.

وكما جاء في التقرير الذي أعدتْه (لجنة المرأة) التابعة للأمم المتحدة؛ لمناقشته في اجتماعها المنعقِد في 12/مارس / 2004م، الذي ناقش محورين خاصَّين باشتراك الرِّجال والصِّبية في تفعيل مساواة النوع  Gender Equality، وأيضًا استخدام اتفاقيات السلام في تفعيل مساواة النوع.

وقد لوحظ أنَّ الترجمة العربية للتقرير لم تشتملْ على البنود الخاصة بالاعتراف الرسمي بـ(الشذوذ وحماية حقوق الشواذ)؛ بل والسعي لقَبولهم مِن قِبل المجتمع، وتشجيع الشباب على ممارسة الزِّنا والجهر به، واعتبار ذلك تعبيرًا عن (المشاعر)، ودعمًا لتعليم الممارسة الجنسيَّة بمختلف أشكالها الطبيعيَّة والشاذَّة.

 


 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
حجية الظن في ثبوت الأخبار | مرابط
أبحاث

حجية الظن في ثبوت الأخبار


فبعض الناس يتعامل مع اليقين-القطع-العلم كدرجة واحدة كأنه الدرجة المائة في النسبة المئوية فإذا وصفنا نوعا معينا من الأدلة باليقيني أو أنه يفيد العلم فهو الدرجة ١٠٠ ويلزم أن كل ما دونه لا يفيد العلم ولا اليقين ولو كان درجة ٩٩ والحقيقة أن اليقين يتفاوت وليس على درجة واحدة فتحقق أعلى درجات اليقين في نوع من الأدلة لا يعني بالضرورة أن كل ما دونه من الأنواع قد خرج من دائرة إفادة العلم واليقين

بقلم: معتز عبد الرحمن
337
لا يقبله العقل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

لا يقبله العقل


تعد معارضة نصوص الوحي بالعقل واحدة من أعظم أبواب الانحراف وأحد مسببات الضلال الكبرى فإذا ما أورد نص شرعي على بعض الناس ولم يستوعبه عقله بادر قائلا: هذا الكلام لا يقبله العقل قاصدا رد دلالة ذلك النص والطعن فيه وفي المقال رد على هذه الشبهة وتفصيل لأصلها بأسلوب علمي دقيق

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2496
خطر البدعة الإضافية على الشرع | مرابط
تفريغات

خطر البدعة الإضافية على الشرع


لا فرق عند العلماء بين إخراج الحق من الدين وبين إدخال الباطل فيه لأن كلاهما بخلاف مراد الشارع فإخراج الحق من الدين يساوي إدخال الباطل فيه ونحن بمناسبة الكلام على البدعة وعن أثرها في تأسيس محنة المسلمين اليوم لابد أن نلقي ضوءا جليا واضحا على جيل الصحابة وكيف كانوا يواجهون البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
1381
عن يوم عرفة | مرابط
تعزيز اليقين

عن يوم عرفة


في هذا اليوم أطل الدعاء والمناجاة اليوم اشك همك وبثك إلى الله أزح الهموم عن كاهليك وفوض أمرك إليه وكن على يقين من الإجابة إما أن يعطيك ما سألت أو يعطيك ما هو خير لك منه والله يعلم وأنتم لا تعلمون وتوسل إلى بابه بكلمة التوحيد كلمة لا يكذبها العمل فعلق قلبك به وحده ولا تطلب غير وجهه ولا تقصد سوى بابه ولا تعدل برضاه شيئا ..

بقلم: كريم حلمي
476
المذاهب الهدامة | مرابط
فكر مقالات

المذاهب الهدامة


يقول كارل ماركس وأتباعه: إن الأديان أفيون الشعوب وإن الناس يقبلون على الدين لأنه يخدرهم ويلهيهم عن شقاء الحياة وهذا القول الهراء عن الدين آخر وصف يمكن أن ينطبق عليه وأول وصف ينطبق على مذهب كارل ماركس بجميع معانيه إنه يرفع عن الضمير شعوره بالمسئولية لأنه يلقي بالمسئوليات كلها على المجتمع ويقول ويعيد للعجزة وذوي الجرائم والآثام إنهم ضحاياه المظلومون وإن التبعة كلها في عجزهم وإجرامهم واقعة عليه

بقلم: عباس محمود العقاد
2315
آية تقوض مسلك التأويل والتفويض في الصفات | مرابط
مناقشات

آية تقوض مسلك التأويل والتفويض في الصفات


إذا تأمل السني كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ لوجد فيهما الرد على جميع شبه أهل الباطل والسلف على إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه أو وصفه رسوله ﷺ أو وصفه به الصحابة ومن تبعهم بإحسان.. والآيات التي تنسف طريقة الأشعرية كثيرة ومنها آية في سورة ص يناقشها هذا المقال.

بقلم: حمود بن ثامر
556