الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج1

الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج1 | مرابط

الكاتب: حسن حسين الوالي

748 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

خَلَق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان مِن ذَكَر وأُنثى؛ ليحقِّقَ التكاملَ بين رُكنَين هامَّين من أركان إعمار هذا الكوْن؛ بل هما الرُّكنان الأساسيَّان اللذان عُمِّر بهما ومن أجْلهما هذا الكونُ وهذه الأرض؛ قال - تعالى سبحانه -: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ   فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ   بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].

هذا التكامُل ليس حالةً خاصَّة بالإنسان تعْزِله عن سُنَّة الخلق، والسياق الكوني؛ بل هي حالة تنسجم مع ثنائية تعمُّ وتشمل المخلوقاتِ في هذا الكون، والتي يتحقَّق بها التوازن والاتِّزان، فسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، وتَمضي سُنَّة الله في هذا الكون، وهي تكاد تعمُّ لتشملَ كلَّ المخلوقاتِ في هذا الكون الفسيح، الذي يحمل أعظمَ المعاني على عظمة الخالِق البارئ المصوِّر سبحانه.

الذي يقول - جلَّ من قائل-: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: 3].

فهذه الثنائية الرائعة تمتدُّ، وتعمُّ وتشمل الوجودَ المادي، والوظائفَ الفسيولوجية، والبيولوجية والفيزيائية للمخلوقات؛ وصولًا إلى أرْقى شكل من أشكال الوجود في هذا الكون، والذي يتربَّع عليه الإنسان بمنظوماته القِيميَّة والاجتماعية والثقافية، والتي تلقَّاها من ربِّ العالمين - سبحانه وتعالى - بمعرفةٍ عجزتِ الملائكة عن الوصول لها؛ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:31].

هذه المعرفة والإدراك الإيماني السائر على دَرْب الهِداية مُحارَب بغَواية إبليس اللعين؛ عدوِّ الإنسان، الذي أقسم حسدًا وحِقدًا على الإنسان ليُحيدَه عن طريق الصواب، ويأخذه إلى دروب الهلاك، وخزي الدنيا والآخرة يُعمِي بصيرتَه عن الحقيقة القرآنية، ويوهمه بخيالات من الكَذِب الذي يُزيِّنه له بأنَّه حقيقة، ويجملها بكلِّ ما يملك من زُخرف فكري كاذب، فيضل الإنسان، ويظلُّ يُكابِر ويقدِّم خِدْماتِه لولي نعمته إبليس اللعين، ويتحوَّل من خاضع للضلالة إلى شخص مفتون بها، ويُضلُّ بها كثيرًا من الناس؛ ليبوءَ بذنبه وذنوبهم.

ما دفعني للحديث بهذه المقدِّمة هو تهيئةُ القلوب والأذهان لِمَا سأعرضه من أفكار حولَ قضية يتمُّ الحديث عنها، وتُتداول بفَهْم أو غير فهم، وتُسوَّق بين أبنائنا وبناتنا - خصوصًا الشبابَ - بقصد أو غير قصد، وحتى لا أكتمَ علمًا تعلمتُه أو أعلمه، فأُلْجِم بلجام من نار يومَ القيامة، فإنني أتناول هذه القضيةَ لأوضِّح بعضَ الحقائق المتعلِّقة بها.

 

الرجل والمرأة

الرجل والمرأة هما ذكر وأنثى من ناحية التعريف الجِنسي، لهما حسب المصطلح الإنجليزي sex، يتم وصفُ الصِّفات البيولوجية والفسيولوجية لكلٍّ منهما، وهي صفات واضحة وثابتة، ولا يمكن العبثُ بهما، عِلمًا بأنَّه كانت هناك محاولاتٌ للتغيير في هذه الفسيولوجية بالنسبة للرجل والمرأة، فكانت النتيجةُ إنتاجَ مسوخ بشرية من المتحوِّلين جنسيًّا أو المتحولات.

وأمام هذا العجز في التغيُّر فيما خَلَق ربُّ العالمين الذكر والأنثى، وقف دعاة المساواة المطْلقة بين الرجل والمرأة عاجزين أمامَ هذه الحقيقة الواضحة، غير القابلة للتغيير والعبث، ظهر في السبعينيات مِن هذا القرن مصطلحُ النوع الاجتماعي، أو الجندر، ومفهوم الجندر Gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني، وتعني في الإطار   اللغوي  Genus؛ أي: (الجنس من حيثُ الذكورة والأنوثة)، وإذا استعرْنا ما ذكرتْه (آن أوكلي) التي أدخلتِ المصطلح إلى عِلم الاجتماع، سنجد أنَّها توضح أنَّ كلمة  Sex  ؛ أي: الجنس، تشير إلى  التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، بينما يشير النوع  Gender إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة (اجتماعيًّا إلى الذكورة والأنوثة)، ولديها كتاب عن هذا   عنوانه (الجنس والنوع والمجتمع، عام 1972م).

بشكل أكثر وضوحًا، فإنه كما أوضحْنا: أنَّ الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا يمكن إنكارُها، كما لا يمكن العبث بها، وبالتالي فهي تقف كعلامة استفهام كبيرة أمامَ دعاة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة.

ومِن هنا تمَّ التركيز على (الجندر)، أو النوع الاجتماعي؛ لأنَّه يوضِّح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد الدور الاجتماعي، والمنظور الثقافي والوظيفة، تلك الفروق النابعة كنِتاج لعوامل دِينيَّة وثقافيَّة، وسياسية واجتماعية؛ أي: إنها فروق صَنَعها البشر عبرَ تاريخهم الطويل، حسب مفهوم (الجندر).

ومن هنا؛ إذا عجز البشر عن إزالة الفروق البيولوجية، فمِن الممكن إزالةُ الفروق النوعية (الجندرية) بين الرجل والمرأة، وذلك مِن خلال برامجَ تنمويةٍ تعمل على تغيير قِيمي وبنيوي داخلَ المجتمع، يكفل إزالةَ هذه الفروق.

ومِن القضايا التي تحاول البرامجُ (الجندرية) التصدِّي لها: الوظيفة الاجتماعية للرجل والمرأة، على افتراض أنَّ الرجل يُهيمِن على المرأة، ويمارس قوَّة اجتماعيَّة وسياسية عليها ضِمنَ مصطلح المجتمع الذُّكوري، وبالتالي يجب منحُ المرأة قوَّة سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصادية تساوي القوةَ الممنوحة للرجل في جميع المستويات حتى في الأسرة.

 

وقد عَرَّفت الموسوعة البريطانية (الجندر):

"هي شعور الإنسان بنفسِه كذَكَر أو أنثى... ولكن هناك حالاتٌ لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافُق بين الصِّفات العضوية وهُويته الجندرية، إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة؛ بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، كلما نما الطفل".

 

(الجندر) حسب تعريف منظمة الصحة العالمية:

"هو المصطلح الذي يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصِفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العُضوية".

وكما جاءت في (المادة الخامسة) من (السيداو)، وهي المادة   التي تطالب - وبشدة - بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية.

وقد ورد تعريف (الجندر)، حسبَ المنشور في أحد المواقع النسوية العربية على الشبكة الإلكترونية كما يلي: "النوع الاجتماعي (الجندر): يتعلق بالأدوار المحدَّدة اجتماعيًّا لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار   تكتسب بالتعليم وتتغيَّر مع مرور الزمن، وتختلف اختلافًا واسعًا داخلَ الثقافة الواحدة، ومِن ثقافة لأخرى، وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار   والمسؤوليات التي يُحدِّدها المجتمع للمرأة والرجل، وهو يعني أيضًا: الصورة التي ينظر بها المجتمعُ للمرأة والرجل، وهذا ليس له عَلاقة بالاختلافات   الجسديَّة (البيولوجية والجنسية).

هذا؛ ويتمُّ تبديلُ مصطلح منْح المرأة القوَّة power بمصطلح تمكين empower mednt؛ لتوصيف الأنشطة المتعلِّقة بإزالة الاختلافات الاجتماعيَّة والثقافيَّة والوظيفيَّة كافَّة بين الرجل والمرأة.

ونحو تحقيق إزالة الفروق الوظيفية بين الرجل والمرأة، فإنَّ الأمومة تأخذ حيزًا كبيرًا عند الجندريين، فعالمة الاجتماع (أوكلي) تقول: "إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما   ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أنَّ الأمومة تعتبر   وظيفةً اجتماعية.

 

الصحة الإنجابية

وهنا يظهر مصطلح "الصحة الإنجابية"، وهو - حسب المنظور الجندري - ليس كالمفهوم العالمي له، والهادف إلى معالجة الإشكاليات الناتِجة من وظيفة المرأة كأمٍّ على مستوى الإنجاب، والتي قد تقف عائقًا أمام ممارستها لدَوْرها الجندري المساوي لدور الرجل، ومِن هذه الإشكاليات الحملُ والرَّضاعة، وغيرها من الوظائف الفسيولوجية للمرأة، كما أنَّ هذا المفهوم أثار ضجَّة على مستوى عِدَّة مؤتمرات بهذا الخصوص، حيث أبدتْ بعض الدول المشارِكة تحفُّظاتٍ عليه، عندما وُجِد بأنَّه يشرع الإجهاض.

وكما جاء في التقرير الذي أعدتْه (لجنة المرأة) التابعة للأمم المتحدة؛ لمناقشته في اجتماعها المنعقِد في 12/مارس / 2004م، الذي ناقش محورين خاصَّين باشتراك الرِّجال والصِّبية في تفعيل مساواة النوع  Gender Equality، وأيضًا استخدام اتفاقيات السلام في تفعيل مساواة النوع.

وقد لوحظ أنَّ الترجمة العربية للتقرير لم تشتملْ على البنود الخاصة بالاعتراف الرسمي بـ(الشذوذ وحماية حقوق الشواذ)؛ بل والسعي لقَبولهم مِن قِبل المجتمع، وتشجيع الشباب على ممارسة الزِّنا والجهر به، واعتبار ذلك تعبيرًا عن (المشاعر)، ودعمًا لتعليم الممارسة الجنسيَّة بمختلف أشكالها الطبيعيَّة والشاذَّة.

 


 

المصدر:

شبكة الألوكة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
استشعار عظمة الله | مرابط
اقتباسات وقطوف

استشعار عظمة الله


وللأسف الشديد أن المشركين الأوائل كانوا يفقهون معنى كلمة لا إله إلا الله أكثر من بعض المنتسبين إلى العلم الآن من المسلمين كان أبو جهل أفقه لمعنى لا إله إلا الله من هذا الذي ينسب إلى العلم ويقول: إن الطواف بالقبور ليس شركا لماذا قامت الحروب ولماذا صبر العرب على حشد الغلاصم وقطع الحلاقم ونفذ الأراقم ومتون الصوارم

بقلم: أبو إسحق الحويني
513
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج1 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج1


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
741
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1


الديمقراطية لما كانت تعني باختصار حكم الشعب - سواء في وضعها البدائي عند اليونان أو في تطبيقاتها المعاصرة - صار الشعب عندهم هو مصدر السلطات بما فيها أهم وأكبر السلطات وهي السلطة التشريعية التي تعد في الإسلام خالص حق الله وحده لاشريك له وبذلك أصبح الشعب في الوضع الديمقراطي المرجع الوحيد في التحليل والتحريم فالمحرم ما حرمه الشعب والمباح ما أباحه بقطع النظر عن وجود حكم شرعي مغاير بالكلية لاختيار الشعب في القرآن والسنة وإجماع الأمة عبر القرون

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
2721
لماذا نصوم الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

لماذا نصوم الجزء الثاني


لقد عرفنا الكثير من موجبات صيامنا ومقتضياتها وأول موجب للصيام: أن صيام رمضان قاعدة من قواعد الإسلام الخمس فمن قال: لا أصوم جاحدا منكرا لما شرع الله فقد أسقط بناء الإسلام ولم يبق له حظ فيه كمانع الزكاة الجاحد لفرضيتها وكتارك الصلاة الجاحد لفرضيتها فالكل يكفر والعياذ بالله إذا نصوم لتلك الفضائل التي اشتمل عليها الصيام والميزات العظيمة التي ينالها المؤمنون في الدنيا والآخرة

بقلم: أبو بكر الجزائري
670
سلوك المسلم في ظل العلم الإجمالي بدين الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

سلوك المسلم في ظل العلم الإجمالي بدين الإسلام


العلم الإجمالي قلما يفيد صاحبه لأنه دائما عرضة للجهالة بما يرد على جزئياته من الشكوك التي لا تنفى إلا بالعلم التفصيلي الكامل ألا ترى أن أكثر الناس يعلمون بالإجمال أن أمهات الرذائل وكبائر المعاصي من أسباب الشقاء ولو كان هذا العلم صحيحا كاملا لا اضطراب فيه لصدرت عنه آثاره حتما

بقلم: محمد رشيد رضا
574
هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه


قالوا: اختلف الصحابة في قرآنية أهم سور القرآن وهي سورة الفاتحة فلم يكتبها ابن مسعود من مصحفه كما نقل عنه ذلك التابعي ابن سيرين بقوله: إن أبي بن كعب وعثمان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
1814