الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

407 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة، التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسَّة، ونتيجة لفُرقة المسلمين وتشتتهم. وهي أرض إسلامية خالصة، ولقد فصَّلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان "قصة الإسلام في الصين"، كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى، والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها، وهذا في مقال آخر بعنوان "كنوز التركستان الشرقية". وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأخيرة، وما هي خُطَّتها للسيطرة على دولة التركستان المسلمة.

 

خطط الصين لمحو المسلمين

نستطيع أن نُجمِل خطة الصين الشيوعية في النقاط التالية:

 

أولًا: القمع الدموي وسياسة تكسير العظام:

وهو أسلوب شيوعي معروف، وكانت وتيرة هذه الدموية قد خفّت نسبيًّا في فترة السبعينيات والثمانينيات إلا أنها عادت من جديد مع أوائل التسعينيات، وذلك عندما تحررت الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي، وبدأت تظهر دعوات "حق تقرير المصير" في التركستان الشرقية، فكان الرد عنيفًا جدًّا من الحكومة الصينية، وامتلأت السجون بأصحاب الرأي، وقُتل من التركستان أعداد غفيرة، وتم نفي بعض الرموز إلى خارج الصين. ولقد زارت منظمة العفو الدولية منطقة التركستان في سنة 1998م، وكتبت تقريرًا مفصَّلًا عن الظلم والاضطهاد الصيني، وقد بلغت عدد صفحات التقرير 92 صفحة، ومع ذلك ذكرت منظمة العفو الدولية أن هذا التقرير لا يمثِّل إلا قمَّة جبل الثلج، وأن معظم التعدِّيات لم يصلوا إلى تفصيلاتها؛ للحظر الإعلامي والمعلوماتي المضروب على إقليم التركستان بكامله.

ولقد زادت وتيرة الاضطهاد أكثر وأكثر بعد أحداث سبتمبر 2001م في أمريكا؛ وذلك لتحرُّك العالم فيما أطلقت عليه أمريكا "الحرب ضد الإرهاب"، واستغلت الصين الفرصة، وأعلنت عن اكتشافها خلايا إرهابية في التركستان متعاونة مع تنظيم القاعدة! ومن ثَمَّ أصبحت الحرب الصينية على المسلمين علنية، وكان على أمريكا أن تغضَّ الطرف طبعًا؛ لكي تغض الصين طرفها عن التعدّيات الأمريكية في العراق وأفغانستان وجوانتانامو، والضحية في كل الحالات مسلمون!

ولعلّ ما شاهدناه من أحداث أخيرة يدلنا على طريقة تعامل الصين مع شعب الإيجور التركستاني؛ فالمظاهرة السلمية التي تُنادي بفتح تحقيق لمقتل اثنين من الإيجور ظلمًا جُوبِهت بتحركات من الجيش والشرطة، وتحليق طيران، وحظر تجوُّل، وقانون طوارئ، وقتْل ما يقرب من مائتين في الإحصائيات الصينية، وما يزيد على ستمائة في الإحصائيات التركستانية، هذا غير المصابين والمعتقلين.

إنها صورة مكرورة من البطش والإرهاب تحت دعوة الحرب ضد الإرهاب، وقديمًا قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].

 

ثانيًا: محو الهوية الإسلامية:

فالشيوعيون يدركون أن سرَّ قوة المسلمين في عقيدتهم، وأنهم طالما يتمسكون بدينهم فمن الصعب أن تكسرهم؛ لذا كان من الوسائل الرئيسية التي تستخدمها الصين في حربها ضد أهلنا في التركستان طمس الهوية الإسلامية بكل الطرق، فهم يُغلقِون الكثير من المساجد والمدارس الدينية، ويمنعون الشباب تحت 18 سنة من الصلاة في المساجد، ويمنعون الشباب في الجامعات من حمل المصحف، ويصادرون ما يجدونه من مصاحف في أي مؤسسة بما فيها المساجد! ولقد ذكر الأستاذ فهمي هويدي أنه زار التركستان الشرقية في الثمانينيات، فلم يجد مصحفًا واحدًا في أي مسجد! وذكر أن إعطاء أحد أئمة المساجد مصحف كهدية كان سببًا في بكائه من شدة الفرح؛ لأن المصاحف عملة نادرة جدًّا في التركستان المسلمة!

وتمنع الحكومة الصينية التلاميذ في المدارس من تأدية الصلاة، وتمنع المدرِّسين من إطلاق اللحية، وتحظر الحج على من هو أقل من 50 سنة! ويصل الأمر أحيانًا إلى استفزازات لا معنى لها، وذلك مثل ما ذكرته صحيفة التايمز اللندنية من أن الرموز الإسلامية في التركستان تُجبَر على احتساء الخمر قبل إعدامها! وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]. وما ذكرناه مجرَّد أمثلة، والأمر أكبر من أن يُستقصى في مقال.

 

ثالثًا: سياسة الاحتواء:

حيث تحاول الحكومة الصينية إقناع المسلمين في التركستان أنهم يمتلكون حكمًا ذاتيًّا داخل الدولة الصينية، ويأتي على رأس هذه الحكومة الذاتية شخصٌ هو أقرب الناس للحكومة الصينية، وهو أشدّ المواطنين ولاءً لها، وهو علماني أكثر من العلمانيين الصينيين، وهو أشد عنفًا من الشيوعيين! وهكذا تُنفَّذ السياسة الشيوعية بأيدٍ مسلمة، وهذه صورة نراها في كثير من البلدان المسلمة، حيث تكون الحكومة المسلمة أشد ضراوة على أبنائها من الاستعمار الخارجي، بل قد يتدخل الاستعمار الخارجي أحيانًا لتحرير البلاد المسلمة من حكامها!

 

رابعًا: سياسة التهميش السياسي وتقليل الأعداد:

فالصين تقلِّل دومًا من أعداد المسلمين، وخاصة من عِرقية الإيجور أهل التركستان الأصليين، وتقول إنهم ثمانية ملايين فقط، بينما إحصائيات الإيجور تؤكِّد زيادة عددهم عن الثلاثين مليونًا. وتقلل الصين أيضًا من أعداد المسلمين بشكل عام في الصين فتذكر أنهم ستون مليونًا، بينما هم يزيدون على مائة مليون. كما أن الصين لا تعترف بالديانات أصلًا، ومِن ثَم فهي تقسِّم المسلمين إلى عِرقيات تسعة، وبذلك تصبح كلُّ عرقيَّة قليلة العدد جدًّا؛ مما لا يسمح لها بالتمثيل في البرلمان، أو الوصول إلى إدارة المحليات، أو غيرها من الإدارات.

ولا تسمح الصين أبدًا بوجود رمز تركستاني بارز في المجتمع الصين، ولقد خالفت هذه القاعدة مرَّة عندما سمحت لإحدى رموز التركستان النسائية بالنمو والظهور، وهي "ربيعة قادر" التي صارت من النماذج الاقتصادية البارزة، إلا أنه بمجرد تمسُّك ربيعة قادر ببعض الثوابت الإسلامية، ورفضها أن تنفصل عن زوجها المنفي في أمريكا بتهمة النشاط الانفصالي، فإنّ الحكومة الصينية تنكرت فورًا للاقتصاديَّة ربيعة قادر، وقامت بإلقاء القبض عليها، ومحاكمتها بسرعة، وإصدار حكم بالسجن خمس سنوات، ثمّ تمّ نفيها بعد ذلك إلى أمريكا بعد مصادرة أعمالها. ولقد قام الغرب على الفور بترشيح ربيعة قادر لجائزة نوبل للسلام ! ليس حبًّا في المسلمين بالطبع، ولكن طعنًا في الصين، وردت الصين بالتنديد بهذا الترشيح؛ حيث تعتبر ربيعة قادر من المخرِّبات لوَحدة الصين!

إن هذا التهميش السياسي المتعمَّد يَحْرِمُ التركستانيين من أي قناةٍ يصلون فيها برأيهم إلى الدولة، ولا يوجد منصب واحد من المناصب الكبرى في دولة التركستان إلا ويتولاه صيني من عرقية "الهان"، وهي العرقية الغالبة على أهل الصين، أما "الإيجور" وبقية المسلمين فلا وجود سياسيًّا لهم.

 

خامسًا: سياسة التهجير للمسلمين من التركستان إلى بقية أجزاء الصين:

وخاصةً من عرق الإيجور؛ وهذا بهدف تذويبهم في المجتمع الصيني. إضافةً إلى تقليل أعدادهم في الدولة الأم التركستان، وهذا التهجير يكون عن طريق الترحيل القسريّ للعمال والمزارعين ليعملوا في أماكن بعيدة عن التركستان، وكلها أعمال متدنِّية بسيطة. ولعلَّ من أكبر الكوارث في هذا المجال ما ذكرته ربيعة قادر من أمر ترحيل أكثر من مائة ألف فتاة إيجورية غير متزوِّجة تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 25 سنة من التركستان إلى مناطق مختلفة من الصين في عام 2007م رغمًا عن أنوف أهلهن؛ مما سبَّب حالة من الاحتقان الشديد في التركستان، خاصةً أن ذلك قد يدفع هؤلاء الفتيات إلى امتهان أعمال غير أخلاقية في ظل غياب المال والأسرة.

 

سادسًا: التهجير العكسي للصينيين من عرقية الهان إلى التركستان الشرقية:

والتوطُّن الدائم هناك؛ وذلك بُغية تغيير التركيبة الديموجرافية للسكان، فتصبح المنطقة بعد فترة من الزمان غير إسلامية بشكل تلقائي، وهي نفس سياسة اليهود في فلسطين حيث يقدِّمون إغراءات كبيرة لليهود في العالم للقدوم إلى أرض فلسطين، كذلك يفعل الصينيون، خاصةً بعد اكتشاف البترول في التركستان في الثمانينيات، وقيام عدد من الصناعات البتروكيماوية الضخمة هناك؛ مما أعطى الصينيين الفرصةَ للتوجُّه إلى دولة التركستان للعمل والحياة هناك..

ونتيجة هذه السياسة المنتظمة، إضافةً إلى ما ذكرناه في النقطة السابقة من ترحيل الإيجور من التركستان، فإنّ التركيبة السكانية قد تغيَّرت بالفعل بشكل كبير وخطير؛ فتذكر الإحصائيات الصينية أنه في سنة 1942م كانت نسبة المسلمين في إقليم التركستان الشرقية 90% (78% من الإيجور و12% من عرقيات أخرى)، وكانت نسبة عرقية "الهان" الصينية 6% فقط، بينما هناك 4% من العرقيات المختلفة الأخرى.. أما في إحصائية 2008م فقد وصل الصينيون من عرقية "الهان" إلى نسبة 40% من السكان!! مما يشكِّل خطورة كبيرة جدًّا على مستقبل هذه المنطقة، خاصةً أنها منطقة واعدة اقتصاديًّا، ولا تعجز الصين عن إرسال عدة ملايين آخرين لقلْب النسبة تمامًا لصالح "الهان" الصينيين.

 


 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الصين #تركستان
اقرأ أيضا
العمارة في الحضارة الإسلامية ج3 | مرابط
تاريخ

العمارة في الحضارة الإسلامية ج3


أمر الإسلام بتعمير الأرض بالبناء عليها وحث عليه لحماية الإنسان من حر الشمس وبرد الشتاء وأمطاره وجعل اتخاذ المساكن نعمة من الله لمخلوقاته ولذلك وضع الإسلام لبناء المساكن والمدن والقرى الكثير من الآداب وشهدت بلادنا الإسلامية ازدهار العمران والبناء الذي تميز بطابع إسلامي خالص وفي هذه المقالات سيقف بنا الكاتب على ملامح العمران في كل العصور الإسلامية

بقلم: موقع قصة الإسلام
659
قصور العقل عن درك جميع المطلوب | مرابط
مقالات

قصور العقل عن درك جميع المطلوب


ثم رأيت أشياء من هذا الجنس أظرف منه: مثل اخترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنيانه! وأعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه يتململان١ ولا يظهر سر سلبه والله الغني عن أخذه وهما أشد الخلق فقرا إلى بقائه! وأظرف منه إبقاء هرم لا يدري معنة البقاء وليس له فيه إلا مجرد أذى! ومن هذا الجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم وتوسعته على الكافر الأحمق. وفي نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها فيبقى مبهوتا.

بقلم: ابن الجوزي
70
الإسلام كبناء هندسي محكم | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام كبناء هندسي محكم


لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضا ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي

بقلم: محمد أسد
266
خطر البدعة وأهلها | مرابط
تفريغات

خطر البدعة وأهلها


ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم كما قال تبارك وتعالى:ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمالنحل:25 إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان وإنما هو استحسان شيء ظنه قربة إلى الله عز وجل لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرا إلا أن تكون مشروعة

بقلم: أبو إسحق الحويني
435
شدة عناية الصحابة بتدبر القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

شدة عناية الصحابة بتدبر القرآن


كان القرآن هو شغل الصحابة وشاغلهم الأول ولا يدانيه شيء آخر أو اهتمام آخر في الحياة وهذا مقتطف جميل لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن هذه القيمة الكبيرة والفارق الكبير بين الصحابة ومن جاء بعدهم في الاهتمام والعناية بكلام الله تعالى

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1807
أمريكا التي رأيت | مرابط
تفريغات

أمريكا التي رأيت


أنا أعرف أن غالبية الناس يقولون: الأمريكان من أذكى الناس ولا يمكن أن يكون الأمريكي إلا ذكيا الذي يعرف وينقل مثلما نقله مختار المسلاتي: أن العقول المنتجة ليست من أمريكا أصلا إنما استوردت والعجيب أنهم يقولون: إن عقل الأمريكي كالبيضة لا يعرف ما وراءه ولذلك الدكتور في الجامعة لا يهتم حتى بالصحف اليومية ولا يدري ما العالم فيه بل يهتم بمادته ويعود إلى بيته ومن بيته إلى هناك حتى أنه لا يعرف الولاية التي بجانبه وهذا أمر معلوم.

بقلم: عائض القرني
133