الليبرالية في ميزان الإسلام

الليبرالية في ميزان الإسلام | مرابط

الكاتب: مجموعة كتاب

696 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية، وهي تعني في الأصل الحرية، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه، وعابد هواه، غير محكوم بشريعة من الله تعالى الذي قال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163).

ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلًا: النظام الإسلامي حق أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل القمار حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟، وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب؟، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور؟، وهل الزنا جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟، وما هي القيم التي تحكم المجتمع؟، وهل الإجهاض مسموح أم ممنوع؟، وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل؟، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟

 

مبدأ الليبرالية:

فالليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة، ومبدؤها العام هو: دعوا الناس كل إله لنفسه وعابد لهواه، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة، وهو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله تعالى، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا، أو عدم تجريم شرب الخمر، أو كان تحليلًا للربا، أو كان السماح بتبرج النساء، أو التعري والشذوذ الجنسي والإجهاض، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي، وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير، وقابل للجدل والأخذ والرد حتى أحكام القرآن المحكمة القطعية.

فإذن إله الليبرالية الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره، وحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهية أم وافقها، غير أن العجب كل العجب أنه لو صار حكم الأغلبية هو الدين، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام، واتباع منهج الله تعالى فإن الليبرالية هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حرب شعواء، فيتشبهون بهؤلاء الذين قال عنهم الله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

فالليبرالية إذاُ عندما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى واتباع شريعته إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان؛ فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر، وهي عندما تزعم أنه لا يوجد حق مطلق إلا الحرية والتغير؛ فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله تعالى، والليبرالية عندما تسوي بين دين الله الحق وغيره من الأهواء الباطلة، وعندما تسوي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه والكافرين به بزعم أن الجميع سواء في مبدأ الحرية، فهي بذلك تشرع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18)

 


 

المصدر:

مجموعة مؤلفين، العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية في ميزان الإسلام، ص16

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية
اقرأ أيضا
المؤمن أشد حبا لله | مرابط
اقتباسات وقطوف

المؤمن أشد حبا لله


كلما ازداد القلب حبا لله إزداد له عبودية وكلما ازداد له عبودية ازداد له حبا وحرية عما سواه والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين: من جهة العبادة وهي العلة الغائية ومن جهة الاستعانة والتوكل وهي العلة الفاعلية فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يلتذ ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1893
القياس والاجتهاد عند الصحابة | مرابط
اقتباسات وقطوف

القياس والاجتهاد عند الصحابة


الصحابة - رضي الله عنهم - مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بأمثالها وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا لهم طريقه وبينوا لهم سبيله وهل يستريب عاقل في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان

بقلم: ابن القيم
517
نتن الملاحدة | مرابط
الإلحاد

نتن الملاحدة


وما شأن الملحدة إن تكفر تملأ صفحتها بصور عارية لها أو لنساء ورجال يفحشون ببعضهم البعض ولا تتحدث إلا بالإقذاع والزور على أمهات المؤمنين والإفك والبهتان على المحجبات والصالحين وتفح حقدا ولا تطيق صبرا أن تبيد حواضر الإسلام ويذل أهله

بقلم: عمرو عبد العزيز
396
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج2 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج2


إن الديمقراطية رسخت حكم الأقلية - تحت اسم خيار الشعب - فخالف التطبيق على الأرض التنظير المقرر في الكتب وذلك أن قلة من محترفي السياسة هي التي تضطلع بالمهمة في واقع الأمر والشعب - الذي ادعوا أنه يحكم - بعيدا عن سدة الحكم وإنما مهمته التوجه لصناديق الاقتراع مرة كل عدد من السنين ليضفي ما يسمونه الشرعية على حكم هذه الأقلية

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
7045
مختصر قصة التتار الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1353
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1


الديمقراطية لما كانت تعني باختصار حكم الشعب - سواء في وضعها البدائي عند اليونان أو في تطبيقاتها المعاصرة - صار الشعب عندهم هو مصدر السلطات بما فيها أهم وأكبر السلطات وهي السلطة التشريعية التي تعد في الإسلام خالص حق الله وحده لاشريك له وبذلك أصبح الشعب في الوضع الديمقراطي المرجع الوحيد في التحليل والتحريم فالمحرم ما حرمه الشعب والمباح ما أباحه بقطع النظر عن وجود حكم شرعي مغاير بالكلية لاختيار الشعب في القرآن والسنة وإجماع الأمة عبر القرون

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
2728