الليبرالية في ميزان الإسلام

الليبرالية في ميزان الإسلام | مرابط

الكاتب: مجموعة كتاب

781 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية، وهي تعني في الأصل الحرية، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه، وعابد هواه، غير محكوم بشريعة من الله تعالى الذي قال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163).

ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلًا: النظام الإسلامي حق أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل القمار حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟، وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب؟، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور؟، وهل الزنا جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟، وما هي القيم التي تحكم المجتمع؟، وهل الإجهاض مسموح أم ممنوع؟، وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل؟، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟

 

مبدأ الليبرالية:

فالليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة، ومبدؤها العام هو: دعوا الناس كل إله لنفسه وعابد لهواه، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة، وهو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله تعالى، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا، أو عدم تجريم شرب الخمر، أو كان تحليلًا للربا، أو كان السماح بتبرج النساء، أو التعري والشذوذ الجنسي والإجهاض، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي، وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير، وقابل للجدل والأخذ والرد حتى أحكام القرآن المحكمة القطعية.

فإذن إله الليبرالية الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره، وحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهية أم وافقها، غير أن العجب كل العجب أنه لو صار حكم الأغلبية هو الدين، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام، واتباع منهج الله تعالى فإن الليبرالية هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حرب شعواء، فيتشبهون بهؤلاء الذين قال عنهم الله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

فالليبرالية إذاُ عندما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى واتباع شريعته إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان؛ فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر، وهي عندما تزعم أنه لا يوجد حق مطلق إلا الحرية والتغير؛ فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله تعالى، والليبرالية عندما تسوي بين دين الله الحق وغيره من الأهواء الباطلة، وعندما تسوي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه والكافرين به بزعم أن الجميع سواء في مبدأ الحرية، فهي بذلك تشرع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18)

 


 

المصدر:

مجموعة مؤلفين، العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية في ميزان الإسلام، ص16

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية
اقرأ أيضا
هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟ | مرابط
فكر

هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟


والذي ينهي حياته لأجل ابتلاء مثل هذا هو في الحقيقة مستجير من الرمضاء بالنار فالحسابات العقلية تقول: أن الإنسان لو عاش في الدنيا ألف سنة في عذاب دائم لا راحة معه هو أهون من لحظة واحدة يغمسها في نار جهنم.

بقلم: أحمد الغريب
378
القلة المؤمنة | مرابط
فكر مقالات

القلة المؤمنة


يتمنى الصالحون من أبناء هذه الأمة دائما أن يشاهدوا أمتهم في مقدمة الأمم وأن يسعدوا -وتسعد الدنيا معهم- بعزتها وقوتها ومجدها لكن مع أن الأمنية واحدة إلا أن الكثير يختلف في طريق الوصول إليها والواضح أن التاريخ لا يصنعه إلا فئة قليلة مؤمنة ثابتة يكتب الله لهم النصر وهذا ما يستعرضه الكاتب في المقال

بقلم: د راغب السرجاني
2084
الأطفال وجناية الشهرة | مرابط
مقالات

الأطفال وجناية الشهرة


من الظواهر المؤلمة التي ظهرت مؤخرا ظاهرة شهرة الأطفال وإبرازهم وجعلهم ممن يشار إليهم بالبنان وممن تلاحقهم الأضواء والفلاشات وهذه ظاهرة سيئة لها تبعاتها الخطيرة على الطفل وعلى مستقبله في هذه الحياة. والأدهى والأمر تصنيف ذلك على أنه نجاح وتوفيق وتحقيق هدف ونموذج ينبغي أن يحتذى فيكون ميزان النجاح بعدد المتابعين وكثرة لظهور أمام الفلاشات وهذا وربي من المفاهيم المغلوطة التي ينبغي أن تصحح.

بقلم: د. طلال الحسان
394
الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على عدنان إبراهيم: فرية تنبؤ النبي أن معاوية يموت على غير ملة الإسلام ج1


يدعي عدنان إبراهيم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ بأن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سيموت على غير ملة الإسلام واستند في ذلك على ما رواه البلادري وفي هذا المقال فحص وتمحيص لهذه الفرية ورد عليها وبيان ما فيها من أخطاء وأباطيل

بقلم: أبو عمر الباحث
1444
تعاهد حفظ القرآن | مرابط
اقتباسات وقطوف

تعاهد حفظ القرآن


وكان الصحابة رضي الله عنهم وهم الذين خوطبوا بهذا الخطاب -أي الأمر بتعاهد القرآن- لم يكن منهم من يحفظ القرآن كله ويكمله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليل منهم: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو زيد الأنصاري وعبد الله بن مسعود وكلهم كان يقف على معانيه ومعاني ما حفظ منه ويعرف تأويله ويحفظ أحكامه وربما عرف العارف منهم أحكاما من القرآن كثيرة وهو لم يحفظ سورها قال حذيفة بن اليمان: تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن وسيأتي قوم في آخر الزمان يتعلمون القرآن قبل الإيمان.

بقلم: ابن عبد البر
341
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
706