الليبرالية في ميزان الإسلام

الليبرالية في ميزان الإسلام | مرابط

الكاتب: مجموعة كتاب

1058 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية، وهي تعني في الأصل الحرية، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه، وعابد هواه، غير محكوم بشريعة من الله تعالى الذي قال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163).

ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلًا: النظام الإسلامي حق أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل القمار حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟، وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب؟، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور؟، وهل الزنا جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟، وما هي القيم التي تحكم المجتمع؟، وهل الإجهاض مسموح أم ممنوع؟، وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل؟، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟

 

مبدأ الليبرالية:

فالليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة، ومبدؤها العام هو: دعوا الناس كل إله لنفسه وعابد لهواه، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة، وهو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله تعالى، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا، أو عدم تجريم شرب الخمر، أو كان تحليلًا للربا، أو كان السماح بتبرج النساء، أو التعري والشذوذ الجنسي والإجهاض، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي، وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير، وقابل للجدل والأخذ والرد حتى أحكام القرآن المحكمة القطعية.

فإذن إله الليبرالية الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره، وحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهية أم وافقها، غير أن العجب كل العجب أنه لو صار حكم الأغلبية هو الدين، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام، واتباع منهج الله تعالى فإن الليبرالية هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حرب شعواء، فيتشبهون بهؤلاء الذين قال عنهم الله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

فالليبرالية إذاُ عندما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى واتباع شريعته إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان؛ فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر، وهي عندما تزعم أنه لا يوجد حق مطلق إلا الحرية والتغير؛ فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله تعالى، والليبرالية عندما تسوي بين دين الله الحق وغيره من الأهواء الباطلة، وعندما تسوي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه والكافرين به بزعم أن الجميع سواء في مبدأ الحرية، فهي بذلك تشرع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18)

 


 

المصدر:

مجموعة مؤلفين، العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية في ميزان الإسلام، ص16

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية
اقرأ أيضا
ليست السنة كلها تشريعا ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ليست السنة كلها تشريعا ج2


إن تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية يمكن قبوله كإجراء فني اصطلاحي لفرز طبائع التصرفات النبوية وما يتصل بها من أحكام لكن المشكلة هو في تحقيق طبيعة الحدود الفاصلة بينهما وتحريك تلك الحدود ليخرج بعض ما كان محلا للتشريع عن أن يكون كذلك فليس صحيحا أن تخرج تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم من إطار الشريعة بذريعة صدور الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بتعدد أدواره الحياتية وإنما المحكم في تحديد ما يدخل في إطار التشريع منها وما يخرج هو الشريعة نفسها والتي كشفت عن هذه المسألة بدقة ووضوح

بقلم: عبد الله العجيري وفهد بن صالح العجلان
993
التسوية بين المرأة والرجل | مرابط
المرأة

التسوية بين المرأة والرجل


إن تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته. وذلك لأن الله جل وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني صلاحا لا يصلحه لها غيرها كالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأولاد وخدمة البيت والقيام على شؤونه من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
591
رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

رحمة الله ليست في يد أحد من خلقه


هذه المقولة من المقولات الرائجة على ألسنة الناس وهي في الأصل لا إشكال فيها فرحمة الله تعالى ليست في يد أحد من خلقه وليس لأحد أن يتألى على الله تعالى فيها بل هو مقام خطر جدا صح فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك فهي إذن مقولة صحيحة لا غبار عليها إنما الإشكال في بعض السياقات المعينة التي يستعان فيها بهذه المقولة وتتكرر بتكرارها وكم من سياق جعل كلمة حق توهم باطلا ورضي ا...

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2257
أصول الانحراف الدرس الأول ج3 | مرابط
تفريغات

أصول الانحراف الدرس الأول ج3


الذي يقبل على القرآن -إن صح التعبير- بأقفال يبحث لها عن مفاتيح فإنه يجد كنوزا الذي يقبل على القرآن بهموم يبحث لها عن حل الذي يقبل على القرآن بتساؤلات يبحث لها عن إجابات يفاجأ بآيات كثيرة كانت نصا في الباب ولكنه لم يكن يشغله هذا الهم

بقلم: أحمد عبد المنعم
694
أصول الانحراف الدرس الأول ج1 | مرابط
تفريغات

أصول الانحراف الدرس الأول ج1


سلسلة ماتعة للدكتور أحمد عبد المنعم تدور حول أصول الضلال أو أصول الانحراف من خلال أصول الوحي نريد أن نتكلم عن الضلال الذي وقع فيه كثير من الناس فالضلال وقع فيه كثير من الناس لماذا ما هي الأصول التي حذر منها القرآن والتي لو وقع فيها الإنسان -في هذه الأصول- ينحرف والعياذ بالله

بقلم: أحمد عبد المنعم
644
أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر | مرابط
فكر

أحد عشر سؤالا عن العشر الأواخر وليلة القدر


ماذا غير استجابة الدعاء؟ هذه ليلة عظيمة لها فضائل عظيمة وكل كلمة من الطاعة وكل فعل فيها له أجر عظيم مضاعف لا يخطر ببالك. قراءة القرآن والصلاة والصدقة وذكر الله بالثناء عليه والطلب منه بالدعاء والتذلل له والإلحاح عليه وإظهار الفقر والحاجة لله تبارك وتعالى.

بقلم: خالد بهاء الدين
1242