المال في نظر الإسلام

المال في نظر الإسلام | مرابط

الكاتب: عمر سليمان الأشقر

685 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن المال خير وليس بشر، ولكن الذي يجعل المال شرًا هم الناس أنفسهم، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: (أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزل الوحي من السماء يجيب على السؤال، وأخذ الرسولَ صلى الله عليه وسلم الرحضاء -وهو العرق الشديد- الذي كأن يأخذه عندما ينزل عليه الوحي، فقال: أين السائل؟ ثم قال: إن الخير لا يأتي بالشر)، فالخير لا يأتي بالشر ولكن الإنسان هو الذي يجعل الخير شرًا، وقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك بمثال فقال: (إن مما ينبت الربيع ما يقتل أو يلم إلا آكلة الخضراء أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت مطلع الشمس، فثلطت وبالت ثم رفعت، وإن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه من حقه وأداه في حقه فنعم المعونة هو).

فالرسول صلى الله عليه وسلم يشبه المال بما ينبته الربيع -وهو الينبوع المتدفق- فالنبات الذي ينبته الربيع فيه خير وفيه شر، يعني: فيه العشب السام وفيه العشب الطيب، فالدابة إذا أخذت من العشب القاتل ماتت، وإذا أخذت من العشب الطيب امتلأت بطنها، فتستقبل مطلع الشمس وتجتر، ثم تصرف ما أكلته فترجع فتأكل مرة أخرى، وكذلك المال تأخذه من حلال وتأخذه من حرام، فالخير كثير كالمراعي التي ترعى فيها الدواب، فقد ترتع طيبًا وقد ترتع خبيثًا، ثم إذا أخذته من حلال فإنه يبقى، وأما الذي يفكر بالمال في الليل والنهار فالمال يفسده، ولا يبقى وقت لصلاته ولا لصيامه، ولا لطعامه.

ويذكرون عن بعض الذين يلهثون وراء الدنيا في سوق البورصة أنه لا يكاد يأكل غداء، فهو يجري ويفكر ومشغول في ليله ونهاره يريد المال، فهو كالبهيمة التي تأكل وتأكل وتأكل، فعند ذلك ستمتلئ بطنها وتنتكس فيفسدها، وهذا سيحرق قلبه وأعصابه وفكره ولا يبقي شيئًا لنفسه ولأهله ولراحته ولطعامه ولشرابه.

فيشبه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المال كالربيع الذي ينبته الماء أو المطر أو الينبوع، فمنه النبات الطيب، ومنه النبات الخبيث، ففيه حلال وفيه حرام، فالنبات الطيب مثل يضربه الرسول صلى الله عليه وسلم للحلال، والنبات الخبيث يضربه مثلًا للمال الحرام، فالإنسان يعمل والله تعالى أرسل له رسولًا وقال له: هذا حلال وهذا حرام، وخذ من الحلال واجتنب الحرام، فبعض الناس يأكل من الحرام، وبعض الناس يأكل من الحلال أو من حرام، ولا يتوقف همه عن المال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم).

فهذه المشكلة حلها الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وهذه ضل فيها فريقان: ففريق استرقوا في الدنيا وسلختهم الدنيا عن طاعة الله، وقليل هربوا من الدنيا وذهبوا إلى الصوامع والجبال، فالرسول صلى الله عليه وسلم حل المشكلة ليس برأيه، وإنما بوحي جاءه من عند الله، فقال: (إن الخير لا يأتي بالشر)، لكن خذ الخير من الحلال، وخذ الحلال بمقدار، واصرف الحلال في طاعة الله، وإياك أن تكون كآكلة العشب تأكل سامه وطيبه، ترتع بين الحلال والحرام، وإياك أن يطغى عليك المال فلا تفكر إلا فيه، وإياك أن تحبس المال عن أصحاب الحقوق.

إنّ كثيرًا من الدعاة اليوم لا يفهمون هذه القضية، فهم يظنون أن المسلمين ينبغي أن يتركوا المال ويكونوا فقراء، بينما نجد أقوامًا آخرين يتركونهم ويذهبون إلى الدنيا، والأمر ليس كذلك ولا كذلك، فالأمر كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هناك من خير إلا وقد دل الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليه.

 


 

المصدر:

محاضرة ذم الترف والتبذير للشيخ عمر سليمان الأشقر

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المال
اقرأ أيضا
إذا لم تستحي فاصنع ما شئت | مرابط
اقتباسات وقطوف

إذا لم تستحي فاصنع ما شئت


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين

بقلم: ابن رجب الحنبلي
542
مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها | مرابط
اقتباسات وقطوف

مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها


كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين فقد ذهبت ريحهم وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم

بقلم: صفي الرحمن المباركفوري
533
المؤامرة على المرأة المسلمة ج4 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج4


الذي يضيع الوقت لينظر إلى المباريات قد أضاع والله العمر الثمين في لهو وترك الخير وترك أن يعمره بذكر الله وطاعته الله أو ما ينفعه في دنياه فكيف الذي يزيد به الأمر فوق النظر بأن يصرخ ويشجع ثم يلعن عياذا بالله ليس المؤمن باللعان كما ذكر ذلك صلى الله عليه وسلم فهذا دليل على أن الإيمان ضعيف نسأل الله الهداية لنا ولهذا الأخ ولكل مسلم وأن نكون على بصيرة من أمرنا وألا يشغلنا اللهو واللعب ولهذا ذكر الله تعالى ووصف الدنيا في آي من كتابه بأنها لهو ولعب ما هذا

بقلم: سفر الحوالي
786
خطر البدعة الإضافية على الشرع | مرابط
تفريغات

خطر البدعة الإضافية على الشرع


لا فرق عند العلماء بين إخراج الحق من الدين وبين إدخال الباطل فيه لأن كلاهما بخلاف مراد الشارع فإخراج الحق من الدين يساوي إدخال الباطل فيه ونحن بمناسبة الكلام على البدعة وعن أثرها في تأسيس محنة المسلمين اليوم لابد أن نلقي ضوءا جليا واضحا على جيل الصحابة وكيف كانوا يواجهون البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
1381
مسائل في الحجاب | مرابط
تفريغات المرأة

مسائل في الحجاب


في هذا التفريغ جملة من المسائل مما اتفق عليه العلماء فيما يخص الحجاب مثل الأمر مجملا بالتعفف والاستتار ولون اللباس الذي تلبسه المرأة وأقوال العلماء في كشف شعر المرأة وحكم النقاب وغير ذلك من المسائل الهامة المرتبطة بحجاب المرأة المسلمة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
408
الاستبداد يشل القوى | مرابط
فكر مقالات

الاستبداد يشل القوى


فحيث تسود الطمأنينة ويختفي الرعب ينصرف العامة إلى تثمير أموالهم وتكثير ثرواتهم لأنهم واثقون أن حصاد ما يغرسون لهم ولذراريهم فهم غير مدخرين وسعا في العمل والإنتاج إلا أن هذه البيئة الوادعة الآمنة المشجعة على الكدح والكسب تقلصت رقعتها في الأمة الإسلامية خلال القرون الأخيرة ووقع الفلاحون والصناع وأهل الحرف المختلفة في براثن أمراء يحكمون بأمرهم لا بأمر الله فكانت عقبى الترويع المتجدد النازل على رؤوسهم أن أقفرت البلاد وصوح نبتها وعم الخراب أرجاءها

بقلم: محمد الغزالي
733