النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود

النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

921 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن هذا الدين العظيم لا تفهم محاسنه، ولا يتوصل إلى جمالياته؛ إلا بإدراك نظرته الكلية للكون وللوجود، وللدنيا والآخرة، وللإنسان وما وراء وجوده على هذه الأرض، وإذا تأملت كثيرا مما يثار من الاستشكالات والاعتراضات ضد أحكام الشريعة؛ فستجد أنها منبعثة من تجزئة النظر إلى الإنسان أو إلى الحياة والوجود، وناشئة من عدم فهم التكامل المراعى في تشريعات الإسلام، والذي يتجاوز إطار المادة الضيق.

إن الله حين شرع للناس خمس صلوات في اليوم والليلة، وأمرهم بأداء الصدقة للفقراء، وفرض عليهم الإمساك عن الطعام في رمضان، وكتب عليهم الحج إلى مكة، لم يشرع هذه الأعمال لتكون حزمة من الواجبات يؤديها الإنسان دون إدراك لما تحققه من مقاصد وغايات، وحكم عظيمة مرتبطة بعلاقة الإنسان بربه سبحانه، ألم يقل الله سبحانه: {وأقم الصلاة لذكري} (1) أي: لتذكرني فيها؟ (2)، فالمسلمون يقيمون الصلاة ليتذكروا الله جل وعلا (3)، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: (إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) (4).

وتأملوا معي هذا الكلام الكاشف عن عمق هذه القضية المنهجية (5):

إن الإسلام وهو يتولى تنظيم الحياة الإنسانية جميعا، لم يعالج نواحيها المختلفة جزافا، ولم يتناولها أجزاء وتفاريق؛ ذلك أن له تصورا كليا متكاملا عن الألوهية والكون والحياة والإنسان، يرد إليه كافة الفروع والتفصيلات، ويربط إليه نظرياته جميعا، وتشريعاته وحدوده وعباداته ومعاملاته، فيصدر فيها كلها عن هذا التصور الشامل المتكامل، ولا يرتجل الرأي لكل حالة، ولا يعالج كل مشكلة وحدها في عزلة عن سائر المشكلات.

ومعرفة هذا التصور الكلي عن الإسلام تيسر للباحث فيه فهم أصوله وقواعده، وتسهل عليه أن يرد الجزئيات إلى الكليات، وأن يتتبع في لذة وعمق خطوطه واتجاهاته، ويلحظ أنها متشابكة متكاملة، وأنها كل لا يتجزأ، وأنها لا تعمل عملا مثمرا للحياة إلا وهي متكاملة الأجزاء والاتجاهات … وطريق الباحث في الإسلام أن يتبين أولا تصوره الشامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان قبل أن يبحث عن رأيه في الحكم، أو رأيه في المال، أو رأيه في علاقات الأمم والأفراد؛ فإنما هذه فروع تصدر عن ذلك التصور الكلي ولا تفهم بدونه فهما صحيحا عميقا.

ثم نبه إلى المصدر الصحيح لاستقاء هذه النظرة الشمولية فقال:

والتصور الإسلامي الصحيح لا يلتمس عند ابن رشد، أو عند ابن سينا أو الفارابي وأمثالهم ممن يطلق عليهم وصف (فلاسفة الإسلام)، ففلسفة هؤلاء إنما هي ظلال للفلسفة الإغريقية، غريبة في روحها عن روح الإسلام، وللإسلام تصوره الأصيل الكامل، يلتمس في أصوله الصحيحة القرآن والحديث، وفي سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وسننه العملية، وهذه الأصول هي حسب أي باحث متعمق ليدرك تصور الإسلام الكلي الذي يصدر عنه في كل تعاليمه وتشريعاته ومعاملاته. انتهى.

وهذه هي القضية المنهجية الأساسية لإدراك محاسن الإسلام، وبدونها فلا يمكن أن تفهم محاسن تشريعات الإسلام.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. سورة طه: ١٤.
  2. تفسير الطبري (١٦/٣٣).
  3. الطريق إلى القرآن، لإبراهيم السكران. (٩١).
  4. أخرجه أبو داود (١٨٨٨)، والترمذي (٩٠٢) وقال: حسنٌ صحيح.
  5. من كتاب: العدالة الاجتماعيّة في الإسلام، لسيّد قطب (20).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص17

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
جوهر المبدأ العالماني | مرابط
مقالات العالمانية

جوهر المبدأ العالماني


عرف شلدون -في موسوعته السياسية- العالمانية بأنها: فلسفة أو نظرة عالمية تشدد على المنظورين الأرضي والإنساني في مقابل الروحي أو الديني لتفسير المجتمع والسياسات وكثيرا ما يشار إليها على أنها الأنسنة والتي هي مقاربة عالمانية تلغي الإله والإلهي وفوق الطبيعي والرؤى الدينية الأخرى أو تتجاهلها عند مناقشة السياسة أو مباشرتها

بقلم: د سامي عامري
2065
مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات | مرابط
مقالات

مرحلة ما قبل الزواج: تحدي الشهوات


نحن نعيش في زمن ربما لم يمر على البشرية منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى يومنا هذا زمن مثله من ناحية طبيعة انتشار الشهوات وبواعثها والتفنن في الدعوة إليها بشتى صور الدعاية والإعلامن حتى صارت الإباحيات صنعة متكاملة لها أهلها ومنتجوها وممثلوها وشركاتها ومصانعها ومخرجوها ومروجوها وأصبحت تجارة ضخمة تدخل أموالا طائلة على عرابيها.

بقلم: أحمد يوسف السيد
470
التسوية بين المرأة والرجل | مرابط
المرأة

التسوية بين المرأة والرجل


إن تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته. وذلك لأن الله جل وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني صلاحا لا يصلحه لها غيرها كالحمل والوضع والإرضاع وتربية الأولاد وخدمة البيت والقيام على شؤونه من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك.

بقلم: محمد الأمين الشنقيطي
329
ليس مثل الصحابة أحد | مرابط
اقتباسات وقطوف

ليس مثل الصحابة أحد


مقتطف بديع للإمام ابن قيم الجوزية من كتابه إعلام الموقعين يتحدث فيه عن مكانة الصحابة وكيف أن الواحد منهم كان يرى الرأي فينزل القرآن مؤيدا له في أكثر من حادثة ويضرب الكثير من الأمثلة على ذلك ثم يسأل بعد ذلك كيف لأحد منا أن يساويهم أو يدانيهم إنهم سادتنا وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيرا من رأينالأنفسنا

بقلم: ابن القيم
1118
موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه | مرابط
تفريغات

موقف من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه


إن كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو داع إلى الله وهو آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولهذا كان الصحابة الكرام جميعا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وأول وأعظم من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هم أعظم أكابر الصحابة في الإيمان والتقوى كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما

بقلم: سفر الحوالي
482
فقه النصر والتمكين | مرابط
فكر

فقه النصر والتمكين


إن فقه التمكين يعني دراسة أنواعه وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع الأمة إلى ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس وتطبيق شرع الله عز وجل وفي هذا المقال المختصر يضغ أمامنا الكاتب علي محمد الصلابي بعض الإضاءات الموجزة فيما يخص هذا الموضوع

بقلم: د علي محمد الصلابي
2747