النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود

النظرة الكلية للإنسان والكون والوجود | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

980 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن هذا الدين العظيم لا تفهم محاسنه، ولا يتوصل إلى جمالياته؛ إلا بإدراك نظرته الكلية للكون وللوجود، وللدنيا والآخرة، وللإنسان وما وراء وجوده على هذه الأرض، وإذا تأملت كثيرا مما يثار من الاستشكالات والاعتراضات ضد أحكام الشريعة؛ فستجد أنها منبعثة من تجزئة النظر إلى الإنسان أو إلى الحياة والوجود، وناشئة من عدم فهم التكامل المراعى في تشريعات الإسلام، والذي يتجاوز إطار المادة الضيق.

إن الله حين شرع للناس خمس صلوات في اليوم والليلة، وأمرهم بأداء الصدقة للفقراء، وفرض عليهم الإمساك عن الطعام في رمضان، وكتب عليهم الحج إلى مكة، لم يشرع هذه الأعمال لتكون حزمة من الواجبات يؤديها الإنسان دون إدراك لما تحققه من مقاصد وغايات، وحكم عظيمة مرتبطة بعلاقة الإنسان بربه سبحانه، ألم يقل الله سبحانه: {وأقم الصلاة لذكري} (1) أي: لتذكرني فيها؟ (2)، فالمسلمون يقيمون الصلاة ليتذكروا الله جل وعلا (3)، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج: (إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) (4).

وتأملوا معي هذا الكلام الكاشف عن عمق هذه القضية المنهجية (5):

إن الإسلام وهو يتولى تنظيم الحياة الإنسانية جميعا، لم يعالج نواحيها المختلفة جزافا، ولم يتناولها أجزاء وتفاريق؛ ذلك أن له تصورا كليا متكاملا عن الألوهية والكون والحياة والإنسان، يرد إليه كافة الفروع والتفصيلات، ويربط إليه نظرياته جميعا، وتشريعاته وحدوده وعباداته ومعاملاته، فيصدر فيها كلها عن هذا التصور الشامل المتكامل، ولا يرتجل الرأي لكل حالة، ولا يعالج كل مشكلة وحدها في عزلة عن سائر المشكلات.

ومعرفة هذا التصور الكلي عن الإسلام تيسر للباحث فيه فهم أصوله وقواعده، وتسهل عليه أن يرد الجزئيات إلى الكليات، وأن يتتبع في لذة وعمق خطوطه واتجاهاته، ويلحظ أنها متشابكة متكاملة، وأنها كل لا يتجزأ، وأنها لا تعمل عملا مثمرا للحياة إلا وهي متكاملة الأجزاء والاتجاهات … وطريق الباحث في الإسلام أن يتبين أولا تصوره الشامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان قبل أن يبحث عن رأيه في الحكم، أو رأيه في المال، أو رأيه في علاقات الأمم والأفراد؛ فإنما هذه فروع تصدر عن ذلك التصور الكلي ولا تفهم بدونه فهما صحيحا عميقا.

ثم نبه إلى المصدر الصحيح لاستقاء هذه النظرة الشمولية فقال:

والتصور الإسلامي الصحيح لا يلتمس عند ابن رشد، أو عند ابن سينا أو الفارابي وأمثالهم ممن يطلق عليهم وصف (فلاسفة الإسلام)، ففلسفة هؤلاء إنما هي ظلال للفلسفة الإغريقية، غريبة في روحها عن روح الإسلام، وللإسلام تصوره الأصيل الكامل، يلتمس في أصوله الصحيحة القرآن والحديث، وفي سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وسننه العملية، وهذه الأصول هي حسب أي باحث متعمق ليدرك تصور الإسلام الكلي الذي يصدر عنه في كل تعاليمه وتشريعاته ومعاملاته. انتهى.

وهذه هي القضية المنهجية الأساسية لإدراك محاسن الإسلام، وبدونها فلا يمكن أن تفهم محاسن تشريعات الإسلام.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. سورة طه: ١٤.
  2. تفسير الطبري (١٦/٣٣).
  3. الطريق إلى القرآن، لإبراهيم السكران. (٩١).
  4. أخرجه أبو داود (١٨٨٨)، والترمذي (٩٠٢) وقال: حسنٌ صحيح.
  5. من كتاب: العدالة الاجتماعيّة في الإسلام، لسيّد قطب (20).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص17

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام
اقرأ أيضا
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2289
فن أصول التفسير ج6 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج6


وبعض المتصوفة وذكره عنهم أبو عبد الرحمن السلمي قالوا: والبيت المعمور الطور:4 هذا والله قلب رسول الله قد عمره الله بالطاعة وهذا المعنى صحيح بلا خلاف لكن هل المراد بالبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم نقول: لا لا علاقة بين هذا المعنى المذكور وبين الآية فالمعنى المذكور من حيث هو صحيح لكن الآية لا تدل عليه بأي وجه من الوجوه ولهذا يعتبر هذا من التفسير الإشاري الخطأ الذي لا يقبل

بقلم: مساعد الطيار
773
اهتمام السلف بالعربية | مرابط
تفريغات لسانيات

اهتمام السلف بالعربية


لقد كانت تربية السلف لأولادهم على النطق باللغة العربية وإتقانها أمرا عجيبا وذلك لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الولد لن يفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا إذا أجاد اللغة العربية وكانوا يحاربون اللحن والخطأ في اللغة جدا وكان أمرهم شديدا في هذه المسألة فقد قرأ بعضهم يوما قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر:28 العلماء فاعل فهم الذين يخشون الله فقرأها: إنما يخشى الله من عباده العلماء فقال له قائل: كفرت أتنطق بالكفر؟ جعلت الله يخشى العلماء!

بقلم: محمد صالح المنجد
427
مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات

مصير الديانات أمام التقدم العلمي الجزء الثاني


بعدما وصلت الموجة العلمية كل العالم تقريبا والتحديثات قد طالت كل شيء في الحياة ظهرت بعض الأدعياء يقولون أن هذا العالم الجديد لا مكان للدين فيه بل ظهرت نظرية جديدة في الطرف المقابل مضمونها أن الأديان وإن كانت عريقة في القدم لكن تقدمها الزماني لا يكسبها صفة الثبات والخلود بل هو بالعكس يطبعها بطابع الشيخوخة والهرم وينذر بأن مصيرها إلى الاضمحلال والفناء وفي هذا المقال بجزئيه رد على هذه النظرية وتلك الأباطيل

بقلم: محمد عبد الله دراز
1852
لن تضيع وسط الزحام | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

لن تضيع وسط الزحام


إذا كان لك صديق مقرب منك وتحب أن تبث له همومك وشكواك أو كان هذا الصديق هو والدك أو ربما زوجتك أو زوجك أو أي إنسان بشكل عام فأنت لست في مأمن من شعور المزاحمة عندما ترى غيرك يبث إليه الهموم ويشكو إليه الحال قد تشعر في قرارة نفسك أن الآخر يزاحمك فيه لكن هل تسرب إليك مثل هذا الشعور تجاه الله مع الله أنت لن تضيع وسط الزحام أبدا

بقلم: د إياد قنيبي
3785
المستبد الليبرالي | مرابط
مناقشات الليبرالية

المستبد الليبرالي


تقدم الليبرالية دائما على أنها المثال الصريح للحرية واحترام آراء الآخرين وعقائدهم ورفض إكراه أي إنسان على أي شيء إنها ذروة ما وصل إليه العقل البشري في نظر البعض ولكن هل عرفت الوجه الآخر لليبرالية هل عرفت تطبيقاتها على أرض الواقع هنا ستقرأ عن الليبرالي المستبد الذي يلجأ إلى الأنظمة الديكتاتورية لكي يفرض آراءه على الجميع الليبرالي الذي لا يعرف الحرية إلا حروفا تنقش بالحبر على الورق أما أرض الواقع فليس فيه إلا القوة والفرض والقهر والديكتاتورية

بقلم: إبراهيم السكران
2378