دوران الإنسان حول نفسه

دوران الإنسان حول نفسه | مرابط

الكاتب: د. طارق عنقاوي

279 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

من سمات العصر عند كثير من الناس دوران الإنسان حول نفسه، وتعليق نجاحه على شهرته أو بروز ذاته بين مجتمعه، والشعور بأنه في معركة لتحقيق ذاته، وكأن الذات شيء متردد بين الوجود والعدم، ويجب خوض الصراع لإثباته عن طريق التمرد على المحيط والتفرد في الشكل والأفكار ومسار الحياة!

في هذه المعركة المصطنعة مع الوهم يخرج كثير من الناس محطما لم يحقق شيئا يذكر يلبي احتياجات نفسه الفطرية، وربما قاده ذلك لمزيد من السخط على السائد والتمرد على المجتمع، فيتحول لمزيد من الشذوذ أو الجريمة أو الانحراف الفكري.. بدلا من العودة لأساس الرؤية الفاسدة للنفس والوجود، والتي تأسست بعيدا عن الفطرة والطبيعة الإنسانية والوحي الذي جاء بصيانة ذلك وتكميله

تغيب في هذه الرؤية البائسة رؤية النفس في موقع العبودية، وتنسمها عبير راحة الطاعة والقرب من خالقها، وتطلعها لسعة الآخرة، وإدراكها لكون الدنيا معبر ووسيلة، وكون البيئة المحيطة مزرعة تستثمر للآخرة، وكون الناس نسيجا هو جزء واحد منه، إذا تكامل معه أدى لمصالح جماعية تنعكس عليه بالعافيه، وإذا مزقه بضرب قيم الأسرة والجماعة المتكاملة لصالح ذاته الأنانية، فسيمرض ويمرض معه

هذا الشقاء ينتج عن التربية البعيدة عن الوحي والمستسلمة للوعي المصنوع في مزابل أفكار الليبرالية الغربية، والإعلام الذي يروج لمفاهيمها وأنماط حياتها المليئة بالمكياج والخاوية من صدق المشاعر، ويأتي في هذا السياق ركام الأوراق المختلط بموضات تطوير الذات (تمريض الذات) من كتب تنمية بشرية وروايات تنطلق من رؤى وأنماط العالم الغربي المثقل بالمعاناة النفسية

وبين هذا وذاك، يشمخ المسلم مستشعرا النعمة، مستيقنا بالحق متجها بعزم لاستصلاح فساد الخلق، وهو يعلم أن الظلام المتراكم لا يقوي على مقاومة شعلة نور منفردة، فكيف بنور الوحي العظيم، فأين من يحمل المشاعل؟ بل أين من يحمل هم نفسه التي سينفرد بها حقا في رحلة الآخرة التي بدأت بولادته وستأخذ مسار اللاعودة في لحظة وفاته.. هناك سيجبر على فردانية ينفرد فيها حتى عن العمل، فقد انتهى وقت الحصاد، وأدرك اللاهث خلف الوهم أن معركته لم تكن مع الآخرين لتحقيق ذاته، بل كانت مع ذاته وهو لا يشعر، وهاهي النتيجة النهائية، وقد رفعت الأقلام وجفت صحف العمل، فاللهم هداك ونصرك!

في هذا المصير، سيعلم من انتصر أنه فهم ذاته حقا ففهم واجبه وأدى مهمته وإن سرى وحيدا لا يشعر به أحد، وسيعلم المنهزم أنه عاش الوهم وصارع السراب حتى أتاه اليقين لينتزعه من بين ضجيج الشهرة والاستعراضات الفارغة إلى هدوء صندوق العمل! 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العبودية #الإنسان
اقرأ أيضا
الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله | مرابط
فكر الإلحاد

الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله


قبل عشرة أعوام بالتمام صدر فيلم أمريكي حقق نجاحا كبيرا برغم أنه من الأفلام التي تناقش فلسفات خطيرة جدا. كان من أهم الفلسفات التي ناقشها مسألة الوعي الذاتي وهل إذا طورت آلة وعيا خاصا بها تصنع به ديناميكيات واستراتيجيات لإدارة حياتها لا بمعزل عن الإنسان بل لتدمير الإنسان نفسه إن اصطدم بطموحاتها تصبح تلك الآلة مخلوقا؟ وحينها يصبح الإنسان خالقا؟

بقلم: عمرو عبد العزيز
470
الإيمان بالقدر | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإيمان بالقدر


جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم الإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب الحديث الثاني وهو سؤال جبريل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2107
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
735
بين مقام الشك ومقام اليقين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين مقام الشك ومقام اليقين


ما أكثر ما نجد في الكتب الفكرية من يفخم شأن الشك وعدم الحسم ويقزم اليقين واليقينيات بل ويطالبون أن يتخلص الخطاب الديني من اليقين ولذلك تجدهم يكثرون من ترداد مقولة إلى المزيد من طرح الأسئلة فيفرحون بالأسئلة ولا يكترثون كثيرا بحسم الإجابات

بقلم: إبراهيم السكران
481
الإسلام أسلوب حياة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام أسلوب حياة


مقتطف ماتع للكاتب محمد أسد من كتاب الطريق إلى مكة يحدثنا عن بداية تعرفه على الإسلام وكيف أنه رأى هذا الدين أسلوبا شاملا للحياة يحكي لنا بعض اللمحات الجميلة حول اختلاف الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والمذاهب والعقائد

بقلم: محمد أسد
673
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2037