
من سمات العصر عند كثير من الناس دوران الإنسان حول نفسه، وتعليق نجاحه على شهرته أو بروز ذاته بين مجتمعه، والشعور بأنه في معركة لتحقيق ذاته، وكأن الذات شيء متردد بين الوجود والعدم، ويجب خوض الصراع لإثباته عن طريق التمرد على المحيط والتفرد في الشكل والأفكار ومسار الحياة!
في هذه المعركة المصطنعة مع الوهم يخرج كثير من الناس محطما لم يحقق شيئا يذكر يلبي احتياجات نفسه الفطرية، وربما قاده ذلك لمزيد من السخط على السائد والتمرد على المجتمع، فيتحول لمزيد من الشذوذ أو الجريمة أو الانحراف الفكري.. بدلا من العودة لأساس الرؤية الفاسدة للنفس والوجود، والتي تأسست بعيدا عن الفطرة والطبيعة الإنسانية والوحي الذي جاء بصيانة ذلك وتكميله
تغيب في هذه الرؤية البائسة رؤية النفس في موقع العبودية، وتنسمها عبير راحة الطاعة والقرب من خالقها، وتطلعها لسعة الآخرة، وإدراكها لكون الدنيا معبر ووسيلة، وكون البيئة المحيطة مزرعة تستثمر للآخرة، وكون الناس نسيجا هو جزء واحد منه، إذا تكامل معه أدى لمصالح جماعية تنعكس عليه بالعافيه، وإذا مزقه بضرب قيم الأسرة والجماعة المتكاملة لصالح ذاته الأنانية، فسيمرض ويمرض معه
هذا الشقاء ينتج عن التربية البعيدة عن الوحي والمستسلمة للوعي المصنوع في مزابل أفكار الليبرالية الغربية، والإعلام الذي يروج لمفاهيمها وأنماط حياتها المليئة بالمكياج والخاوية من صدق المشاعر، ويأتي في هذا السياق ركام الأوراق المختلط بموضات تطوير الذات (تمريض الذات) من كتب تنمية بشرية وروايات تنطلق من رؤى وأنماط العالم الغربي المثقل بالمعاناة النفسية
وبين هذا وذاك، يشمخ المسلم مستشعرا النعمة، مستيقنا بالحق متجها بعزم لاستصلاح فساد الخلق، وهو يعلم أن الظلام المتراكم لا يقوي على مقاومة شعلة نور منفردة، فكيف بنور الوحي العظيم، فأين من يحمل المشاعل؟ بل أين من يحمل هم نفسه التي سينفرد بها حقا في رحلة الآخرة التي بدأت بولادته وستأخذ مسار اللاعودة في لحظة وفاته.. هناك سيجبر على فردانية ينفرد فيها حتى عن العمل، فقد انتهى وقت الحصاد، وأدرك اللاهث خلف الوهم أن معركته لم تكن مع الآخرين لتحقيق ذاته، بل كانت مع ذاته وهو لا يشعر، وهاهي النتيجة النهائية، وقد رفعت الأقلام وجفت صحف العمل، فاللهم هداك ونصرك!
في هذا المصير، سيعلم من انتصر أنه فهم ذاته حقا ففهم واجبه وأدى مهمته وإن سرى وحيدا لا يشعر به أحد، وسيعلم المنهزم أنه عاش الوهم وصارع السراب حتى أتاه اليقين لينتزعه من بين ضجيج الشهرة والاستعراضات الفارغة إلى هدوء صندوق العمل!