إن الأطفال اليوم فظّون في تعاملهم مع بعضهم البعض، إذا كانوا لا يعرفون معنى الرحمة، إذا ما كانوا يستهزئون بالضعفاء ويحتقرون من في حاجة للمساعدة، فهل هذا يعود إلى ما يشاهدونه في التليفزيون؟ في الحقيقة يحتل الفقراء والمساكين الشاشة الصغيرة بشكل نادر، وعندما يظهرون على الشاشة فهم يقدمون في الغالب الأعم بشكل مثير للسخرية، ففي التليفزيون مفتاح السعادة هو الثروة إذ نقدر الأغنياء الذين يعيشون في بيوت فخمة ويتنزهون في السيارات الليموزين اللامعة.
والأكثر عبثية أننا لا نُظهر أبدًا الناس أثناء عملهم، ولا الكيفية التي اكتسبوا بها الأملاك التي يقومون بعرضها. ولا يقدمون أية صلة بين الثروة والعمل، والأطفال الذين يفضلون الحلول الأكثر سهولة يستوحون السعادة بالطريقة التي يحددها التليفزيون -بمعنى امتلاك ممتلكات مادية- إلا أنهم لا يعرفون ما ينبغي عمله للحصول عليها. وكيف سيعرفون؟ فبالنسبة للتليفزيون، إظهار أناس وهم يعملون يعتبر لعنة، وقت مهدر؛ إذ سيصبح البرنامج مملًا، وهو ما لا يمكن التسامح معه. فكل لحظة في التليفزيون ينبغي أن تحمل إثارة، وكل حدث ينبغي أن يجذب الانتباه، إنه لهذا السبب يستحيل إظهار الصلة التي توحد بين العمل والثروة، أو الإيماء إلى موضوعات صعبة التقديم.
المصدر:
التليفزيون خطر على الديمقراطية، ص105