لا تمض في الحياة سبهللا

لا تمض في الحياة سبهللا | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

737 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مما ذُكر في الأثر عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قوله: إني أكره الرجل يمشي سبهللًا، لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة. القول أيضًا منسوب لعبد الله بن مسعود، بقوله: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.

 

إذا سألتك ما هو هدفك أو أهدافك خلال الأسبوع أو الشهر الحالي، ولم يحضر في ذهنك شيء محدد بسرعة، فأنت على خطر من أنك تمضي في الحياة سبهللًا فارغًا.. بشكل قد يضيع عليك الدنيا والآخرة.

 

كثير من الناس للأسف حياتهم عبارة عن ردود أفعال للظروف التي تحيط بهم، والوضع الذي يعيشون فيه. يتعاملون فقط مع هذه الظروف عندما تُفرض عليهم.. لكن ليس لديهم خطة أو رؤية لما يمكن أن يكون عليه الوضع لو قاموا بأعمال معينة، أو اختاروا مسارات مختلفة يمشون فيها بدلا من ترك أنفسهم للتيار يجرفهم معه في أي اتجاه؛ والأسوأ من ذلك أنهم غير مهتمين بوضع خطة أو تحديد مسار!

 

وطبعًا من يمشي على غير هدى.. عادة ما يصل إلى نهاية غير مرغوب فيها! ولكي نتجنب هذا الحال نحتاج إلى أمرين:


الأول: أن تحدد أهدافك على المدى البعيد والقريب

لا أدري لماذا يظن البعض أن تحديد الأهداف هو نوع من أنواع الرفاهية، أو شأن خاص بأصحاب الظروف الجيدة بالفعل. فقد تجد من يقول لك: عن أية أهداف تتحدث؟ نحن نعيش في مصر!

 

رغم أن عيشك في وضع صعب هو سبب أدعى لتحدد لنفسك أهدافًا وتسعى في تحقيقها.. إن كنت تعيش في دولة متقدمة اقتصاديًا، توفر تعليم وصحة وحياة كريمة لمواطنيها، سيكون الضرر عليك أقل من لو لم تحدد لنفسك أي أهداف

 

فالدولة المتقدمة سترعى تعليمك وتعليم أولادك، وتقدم لكم الرعاية الصحية، وستسعى لتوفير فرص مناسبة لك. بينما إن كنت تعيش في بلد متأخر.. لن يراعيك أحد إن لم تراع نفسك! لن يحصل أولادك على تعليم جيد لو لم تسع لذلك بنفسك. لن يوفر لك أحد فرص مناسبة لو لم تصنع الفرص لنفسك!

 

كونك تعيش في وضع صعب في الواقع يزيد من أهمية تحديد الأهداف، وليس العكس كما يظن البعض.. طبعا هناك اختلاف بين الأهداف، وبين الأماني والأحلام؛ لاحظ في بداية كلامي أنني سألت عن أهداف الأسبوع والشهر، ولم أسأل عن أهدافك في الحياة مثلا؛ ﻷنه من السهل أن تجيبني بمجموعة من الأماني ظنا منك بأنها أهداف!

 

لو كانت أهدافك حقيقية فعلا ستعرف أي جزء منها عليك العمل عليه خلال الأسبوع أو الشهر.. دائما ما سيكون لديك الكثير من الخيارات لتقضي فيها وقتك وجهدك على المدى الفريب.. يمكنك أن تتعلم مهارة جديدة، أو تشاهد فيلمًا، يمكنك أن تقرأ كتابا، أو تتصفح السوشيال ميديا.. يمكنك قضاء الوقت مع أولادك أو مع أصحابك في المقاهي..

 

قإن لم يكن لديك ررؤية بعيدة المدى تساعدك على الاختيار الصحيح.. غالبا ستختار الأمور السهلة أو المحببة للنفس خلال يومك بغض النظر عن تأثيرها عليك في المستقبل.

 

الفكرة هنا هي أن الأهداف تساعدك على اتخاذ قرارات أفضل يوميا، وتجعلك تمشي في الحياة بوعي. بالتأكيد السعي لتحقيق الأهداف المهمة في الحياة سيكون صعبا، لكن هذا لا يعني أن نتجنبه.

 

"لو أن الناس كلما استصعبوا أمرًا تركوه ما قام للناس دنيا ولا دين"
- عمر بن عبد العزيز.

 

في الواقع إن كنت تحدد لنفسك أهدافا سهلة التحقيق.. فهذا يعني أنك لا تتحدى نفسك ولا تستغل قدراتك كما ينبغي.

 

الأمر الثاني: المحاسبة والمراجعة المستمرة

لكي يؤتي تحديدك للأهداف بثماره، لا بد من المراجعة والمحاسبة والتقييم المستمر. لأنه من السهل في لحظة حماس أن تحدد لنفسك مجموعة من الأهداف، لكن بعد فترة تلهيك الحياة وتعود مرة أخرى للعيش بنظام ردود الفعل بدون وعي.

 

سوف أعرض عليك فكرة عملية بسيطة جدًا تجمع فيها بين تحديد الأهداف، والمحاسبة والمراجعة المستمرة.. طريقة بسيطة ولن تأخذ منك أكثر من نصف ساعة في نهاية كل أسبوع.


احضر كراسة.. لن تحتاج لأكثر من صفحة لكل أسبوع. في نهاية كل أسبوع جهز مشروبك المفضل وفي لحظة راحة وهدوء.. قم بتقسيم الصفحة بالطول، واكتب في النصف الأول أهدافك أو المهام التي عليك إنجازها خلال الأسبوع القادم والتي تمكنك من تحقيق أهدافك الكبرى.

 

ثم في كل أسبوع في نفس الوقت ستقوم بأمرين:

الأول: ستكتب في النصف الثاني الأشياء التي تمكنت من تحقيقها فعلا من أهداف ومهام الأسبوع الماضي.. مع كتابة أي أسباب أو ملاحظات مهمة لنفسك.. سواء كانت إيجابية تحاول أن تكررها مستقبلًا أو سلبية تحاول أن تتجنبها.

 

 

الأمر الثاني: في صفحة جديدة اكتب أهداف الأسبوع القادم؛ أي أنك كل أسبوع ستقوم بتقييم الأسبوع الماضي، ثم تحدد أهداف ومهام الأسبوع القادم. صفحة واحدة لن تأخذ من وقتك أكثر من نفس ساعة أسبوعًا.. لكنها ستفرق جدًا في حياتك.. وتساعدك على عيش حياتك بوعي!

 

ملحوظة: غالبًا في معظم الأسابيع لن تستطيع تحقيق كل ما خططت لتحقيقه.. هذا طبيعي جدا ولا داعي للإحباط؛ في الواقع إن وجدت أنك تحقق كل ما تخطط له بسهولة، أنصحك بأن تحدد أهدافا أكبر، لا بد أن يكون هناك بعض التحدي في أهدافك لكي تطور من نفسك.

 

وفي الختام أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"

من يمشي في الحياة بلا هدف.. لا يدرك أنه يضيع على نفسه نعمًا عظيمة مثل الصحة والفراغ.. وهو لا ينتبه إلى أن هذه النعم لا تدوم، وأنه مع تقدم العمر لن يستطيع تعويض هذه النعم ولو دفع ملايين. لذلك أنصح نفسي وإياكم باستغلال هذه النعم فيما ينفع في الدنيا والآخرة قبل فوات الأوان.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الفراغ
اقرأ أيضا
اللسان العربي والعلوم العقلية | مرابط
لسانيات

اللسان العربي والعلوم العقلية


تغيرت طبيعة التعبير اللغوي بتأثير من العلوم العقلية المتغلغلة في الأمة وقد ظهر هذا الأثر في مجالين كبيرين: الأدب والعلوم الشرعية وهناك الكثير من الشواهد التي لا تحصى على تغير اللسان وابتعاده عن اللسان الأول بسبب تأثر العبارة الشرعية بالمنطق اليوناني خصوصا وبالعلوم العقلية عموما

بقلم: البشير عصام المراكشي
514
كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال | مرابط
تاريخ فكر مقالات ثقافة

كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال


في الموروث الثقافي الألماني يكون الأب هو سيد البيت والبقية لا يملكون سوى الطاعة من غير سؤال وهكذا كان هتلر بالنسبة للمجتمع الألماني هو الوحيد المسؤول وهو الوحيد الذي له السمع والطاعة فقد نقل مفهوم الأب من البيت إلى إدارة الدولة وكان دائما يستخدم في خطابه مع الأطفال مفاهيم الأبوة فكان يقول: إنه يهتم بأمرهم وبمستقبلهم وإنه يحبهم ويرعاهم

بقلم: محمد علي فرح
398
هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن | مرابط
مقالات

هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن


هلوع جزوع منوع هكذا وصف الإنسان في القرآن.. تلك الصفات تبدو مطلقة عامة في مفتتح ذكرها بسورة المعارج ذلك الخلق الأجوف يحوي بداخله فراغا يسعى دوما لملئه بأي سبيل لأجل ذلك الفراغ يجمع ويمنع ويسعى ويلهث وإذا استشعر ما يحول بينه وبين ما يملأ جوفه فإنه يهلع ويجزع هكذا خلق بعموم وشمل.. لكن ثمة استثناءات وثمة بشر يمكن وصفهم بأنهم استثنائيون.. بشر تمكنوا بفضل الله ورحمته من مواجهة تلك الصفات المذمومة وأحسنوا التعامل معها وامتلأ فراغ نفوسهم بأشياء أخرى أهم هذه الأشياء الصلاة: وذلك هو أصل الاستثناء إل...

بقلم: محمد علي يوسف
240
مختصر قصة التتار الجزء السادس | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء السادس


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1267
أوروبا قبل الاتحاد: تاريخ من العداء | مرابط
تاريخ

أوروبا قبل الاتحاد: تاريخ من العداء


إذا أردنا أن نلخص التاريخ الأوربي في عنوان واحد فلن نجد أفضل من تاريخ من العداء حيث لم تتمتع دول أوربا على مر تاريخها بالوحدة والعيش في ظل حكومة واحدة إلا في حقبة واحدة عاشتها تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية التي استطاعت أن تحكم قبضتها الحديدية على غالب دول أوربا لمدة ثلاثة قرون كاملة من الزمان ثم انهارت وهلكت مخلفة انقسامات حادة وخلافات عميقة وفي هذا المقال نقف على أهم المحطات والمراحل التي مرت بها أوروبا قبل الاتحاد

بقلم: راغب السرجاني
1110
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال | مرابط
مقالات النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال


أعلنت الأنثوية حربا شعواء ضد الرجل ورفعت شعارات من قبيل الرجال طبقة معادية والحرب بين الجنسين بل وصل حد المطالبة بالقتال من أجل عالم بلا رجال ووصل الحد بالمناداة باستعمال القسوة والعنف مع الرجال إلى حد أن هناك منظمة أنثوية أمريكية معرفة بحركة تقطيع أوصال الرجال تنادي باستئصال شأفة الرجال في المجتمع

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2314