مما ذُكر في الأثر عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قوله: إني أكره الرجل يمشي سبهللًا، لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة. القول أيضًا منسوب لعبد الله بن مسعود، بقوله: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة.
إذا سألتك ما هو هدفك أو أهدافك خلال الأسبوع أو الشهر الحالي، ولم يحضر في ذهنك شيء محدد بسرعة، فأنت على خطر من أنك تمضي في الحياة سبهللًا فارغًا.. بشكل قد يضيع عليك الدنيا والآخرة.
كثير من الناس للأسف حياتهم عبارة عن ردود أفعال للظروف التي تحيط بهم، والوضع الذي يعيشون فيه. يتعاملون فقط مع هذه الظروف عندما تُفرض عليهم.. لكن ليس لديهم خطة أو رؤية لما يمكن أن يكون عليه الوضع لو قاموا بأعمال معينة، أو اختاروا مسارات مختلفة يمشون فيها بدلا من ترك أنفسهم للتيار يجرفهم معه في أي اتجاه؛ والأسوأ من ذلك أنهم غير مهتمين بوضع خطة أو تحديد مسار!
وطبعًا من يمشي على غير هدى.. عادة ما يصل إلى نهاية غير مرغوب فيها! ولكي نتجنب هذا الحال نحتاج إلى أمرين:
الأول: أن تحدد أهدافك على المدى البعيد والقريب
لا أدري لماذا يظن البعض أن تحديد الأهداف هو نوع من أنواع الرفاهية، أو شأن خاص بأصحاب الظروف الجيدة بالفعل. فقد تجد من يقول لك: عن أية أهداف تتحدث؟ نحن نعيش في مصر!
رغم أن عيشك في وضع صعب هو سبب أدعى لتحدد لنفسك أهدافًا وتسعى في تحقيقها.. إن كنت تعيش في دولة متقدمة اقتصاديًا، توفر تعليم وصحة وحياة كريمة لمواطنيها، سيكون الضرر عليك أقل من لو لم تحدد لنفسك أي أهداف
فالدولة المتقدمة سترعى تعليمك وتعليم أولادك، وتقدم لكم الرعاية الصحية، وستسعى لتوفير فرص مناسبة لك. بينما إن كنت تعيش في بلد متأخر.. لن يراعيك أحد إن لم تراع نفسك! لن يحصل أولادك على تعليم جيد لو لم تسع لذلك بنفسك. لن يوفر لك أحد فرص مناسبة لو لم تصنع الفرص لنفسك!
كونك تعيش في وضع صعب في الواقع يزيد من أهمية تحديد الأهداف، وليس العكس كما يظن البعض.. طبعا هناك اختلاف بين الأهداف، وبين الأماني والأحلام؛ لاحظ في بداية كلامي أنني سألت عن أهداف الأسبوع والشهر، ولم أسأل عن أهدافك في الحياة مثلا؛ ﻷنه من السهل أن تجيبني بمجموعة من الأماني ظنا منك بأنها أهداف!
لو كانت أهدافك حقيقية فعلا ستعرف أي جزء منها عليك العمل عليه خلال الأسبوع أو الشهر.. دائما ما سيكون لديك الكثير من الخيارات لتقضي فيها وقتك وجهدك على المدى الفريب.. يمكنك أن تتعلم مهارة جديدة، أو تشاهد فيلمًا، يمكنك أن تقرأ كتابا، أو تتصفح السوشيال ميديا.. يمكنك قضاء الوقت مع أولادك أو مع أصحابك في المقاهي..
قإن لم يكن لديك ررؤية بعيدة المدى تساعدك على الاختيار الصحيح.. غالبا ستختار الأمور السهلة أو المحببة للنفس خلال يومك بغض النظر عن تأثيرها عليك في المستقبل.
الفكرة هنا هي أن الأهداف تساعدك على اتخاذ قرارات أفضل يوميا، وتجعلك تمشي في الحياة بوعي. بالتأكيد السعي لتحقيق الأهداف المهمة في الحياة سيكون صعبا، لكن هذا لا يعني أن نتجنبه.
"لو أن الناس كلما استصعبوا أمرًا تركوه ما قام للناس دنيا ولا دين"
- عمر بن عبد العزيز.
في الواقع إن كنت تحدد لنفسك أهدافا سهلة التحقيق.. فهذا يعني أنك لا تتحدى نفسك ولا تستغل قدراتك كما ينبغي.
الأمر الثاني: المحاسبة والمراجعة المستمرة
لكي يؤتي تحديدك للأهداف بثماره، لا بد من المراجعة والمحاسبة والتقييم المستمر. لأنه من السهل في لحظة حماس أن تحدد لنفسك مجموعة من الأهداف، لكن بعد فترة تلهيك الحياة وتعود مرة أخرى للعيش بنظام ردود الفعل بدون وعي.
سوف أعرض عليك فكرة عملية بسيطة جدًا تجمع فيها بين تحديد الأهداف، والمحاسبة والمراجعة المستمرة.. طريقة بسيطة ولن تأخذ منك أكثر من نصف ساعة في نهاية كل أسبوع.
احضر كراسة.. لن تحتاج لأكثر من صفحة لكل أسبوع. في نهاية كل أسبوع جهز مشروبك المفضل وفي لحظة راحة وهدوء.. قم بتقسيم الصفحة بالطول، واكتب في النصف الأول أهدافك أو المهام التي عليك إنجازها خلال الأسبوع القادم والتي تمكنك من تحقيق أهدافك الكبرى.
ثم في كل أسبوع في نفس الوقت ستقوم بأمرين:
الأول: ستكتب في النصف الثاني الأشياء التي تمكنت من تحقيقها فعلا من أهداف ومهام الأسبوع الماضي.. مع كتابة أي أسباب أو ملاحظات مهمة لنفسك.. سواء كانت إيجابية تحاول أن تكررها مستقبلًا أو سلبية تحاول أن تتجنبها.
الأمر الثاني: في صفحة جديدة اكتب أهداف الأسبوع القادم؛ أي أنك كل أسبوع ستقوم بتقييم الأسبوع الماضي، ثم تحدد أهداف ومهام الأسبوع القادم. صفحة واحدة لن تأخذ من وقتك أكثر من نفس ساعة أسبوعًا.. لكنها ستفرق جدًا في حياتك.. وتساعدك على عيش حياتك بوعي!
ملحوظة: غالبًا في معظم الأسابيع لن تستطيع تحقيق كل ما خططت لتحقيقه.. هذا طبيعي جدا ولا داعي للإحباط؛ في الواقع إن وجدت أنك تحقق كل ما تخطط له بسهولة، أنصحك بأن تحدد أهدافا أكبر، لا بد أن يكون هناك بعض التحدي في أهدافك لكي تطور من نفسك.
وفي الختام أذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"
من يمشي في الحياة بلا هدف.. لا يدرك أنه يضيع على نفسه نعمًا عظيمة مثل الصحة والفراغ.. وهو لا ينتبه إلى أن هذه النعم لا تدوم، وأنه مع تقدم العمر لن يستطيع تعويض هذه النعم ولو دفع ملايين. لذلك أنصح نفسي وإياكم باستغلال هذه النعم فيما ينفع في الدنيا والآخرة قبل فوات الأوان.