معالم في طريق تمكين الأسرة

معالم في طريق تمكين الأسرة | مرابط

الكاتب: د. جمال الباشا

318 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أولًا: هناك حملة عالمية لتمكين المرأة، تُحرِّكها جهات معلومة وأدواتها لم تعُد خافيةً على أحد، لا يريدون خيرًا بالمرأة ولا يسعون لتحريرها بل لتحرير الوصول إليها.
ولقد بات معروفًا حتى لدى بسطاء الناس أن هدف هذه الجهات ليس الرُقيّ بالمرأة ولا رعاية مصالحها، بل تحطيم الأسرة التي هي نواة المجتمع والتي تمثل المرأة فيها محورَها وقطب رَحاها.

 

ثانيًا: التصدي لهذه الحملات المشؤومة بحملات توعوية مضادة لا يعني الرضا بالحالة الموجودة اليوم والتي فيها تجاوزات حقيقية على كرامة المرأة وهضم لبعض حقوقها، فنحن نقرُّ بهذا وندعو لتمكين المرأة من حقوقها وَفق منظور الشريعة لا منظور الفكر الغربي، ومن غير تهويل ولا تضخيم.

 

ثالثًا: ضرورة إبراز مكانة المرأة في الدين الإسلامي من خلال عرض نصوص الكتاب والسنة التي توصي الرجال بالرفق بها والإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف، سواء أكانت زوجةً أم أمًّا أم أختًا أم ابنةً ...الخ، والنصوص التي تحذر من الظلم وتجاوز الحد في هذا الشأن، وبهذا يتم إغلاق باب المزايدات في وجه الزاعمين بالباطل أنهم أنصار المرأة.

 

رابعًا: وجوب التفريق بين الخطأ في الممارسات الشخصية والفئوية في المجتمع التي منشؤها العادات والتقاليد وبين حكم الشرع الذي منشؤه الوحي المنزَّل ويمثل إرادة الله تعالى في خلقه، فلا يجوز أن تتحمل الشريعةُ تبعات تلك التجاوزات وتحسَب عليها، وهذا الخلط هو من التلبيس المقصود الذي تمارسه بعض الجهات المشبوهة الحاقدة على شريعة الله.

 

خامسًا: كثير من الممارسات الفردية في المجتمع يتم تعميمُها وتضخيمها وتصويرها على أنها ظاهرة ينبغي القضاء عليها، والحقُّ أن الحكم على ممارسات ما بأنها ظاهرة يحتاج إلى دراسات وإحصائيات دقيقة، وهذا ما لا يفعله الخصوم أو يتعمدون إغفاله لأنه سيكشف حجم تهويلهم المقصود وغرضهم من ورائه.

 

سادسًا: إن الجهات الدولية الخارجية التي تدعم هذه الحملات دعمًا ماديًا ضخمًا لها أجنداتها السياسية والأديولوجية الخاصة، ولا تفعل ذلك حُبًّا منها لأوطاننا وشعوبنا، وهم مفضوحون تمامًا من خلال ازدواجية معايرهم، وكيلهم بمكاييل متعددة بحسب مصالحهم وأهوائهم، فهم يتغاضون عن حقوق الأسيرات المعتقلات في السجون الظالمة واللاتي يمارس عليهنَّ أبشع أنواع القهر والإهانة والتعذيب الجسدي والنفسي، وحالتهن لا تخفى على المنظمات الحقوقية العوراء.

 

سابعًا: عندما نرصد استطلاعات الرأي التي تقوم بها مراكز البحوث والدراسات في الدول الغربية نجد أنَّ المرأة الغربية تعيش أزَماتٍ حقيقيةً من التنمُّر والتحرش الجنسي والعنف الجسدي، والاضطهاد في العمل وتحملها لتبعات الحياة الشاقة، ويتأتى من هذا إبراز عجز المنظومة الغربية عن تحقيق العدالة المنشودة للمرأة، وأنَّ هذا النموذج الفاشل لا يجوز تعميمه لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، والمقدمات المتماثلة لا تعطي نتائج متغايرة.

 

ثامنًا: المرأة المسلمة ليست كغير المسلمة، والمرأة الشرقية ليست كالغربية، والقيم في المجتمعات العربية ليست كالقيم في المجتمعات الأخرى، وينبغي أن تراعى هذه الاختلافات والخصوصيات عند التقييم والحكم على التفاصيل، وقد حمَل الشعورُ بالخصوصية كثيرًا من الدول على الامتناع عن التوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية المُعولمة، كاتفاقية سيداو المشهورة، وبعضهم وقَّع مع التحفظ على بعض بنودها تمسكًا بهذا الأصل "احترام الخصوصية" ومراعاة الفوارق القيمية لدى الأمم والشعوب، والشعور بالأنَفة من فرض قيم الآخرين عليهم بالقوة.

 

تاسعًا: نوصي دائمًا وأبدًا أن يكون المصلحون من أهل العلم والدعوة متقدمين على خصومهم في الميدان بخطوة على الأقل، ولا مانعَ شرعي ولا عقلي ولا واقعي من ردود الأفعال المناسبة، ولكن ينبغي ضبط الإيقاع على تأسيس الأفعال قبل ردود الأفعال، وبناء الفكر السليم والمنهج القويم قبل الردود على المنحرفين فكريًا ومنهجيًا.

 

عاشرًا: يجب أن تكون ردود الأفعال حكيمةً ومتزنةً ومنضبطةً بضوابط الشرع واستشارة ذوي العلم والرأي في كل ما يُتَّخذ من تدابير المواجهة، بعيدًا عن الطيش والتهور الناشئ عن الاستفزازات التي لا ننكر وجودها، والحذر من الانفعالات الحماسية غير المحسوبة التي توقع الصالحين في كمائن المغرضين الذين ينصبون لهم الفخاخ ويتربصون بهم الزلات، لتتفاقم الأزمات وتلتصق بهم تهمة التطرف.

 

أحد عشر: ينبغي أن يكون دورُ المرأة الصالحة في هذه الحملة بارزًا وصوتها عاليًا في رفض وِصاية المشروع الأجنبي الذي يفرض رؤى عقلية المرأة الغربية عليها، وأنها على قدر كافٍ من الرشد الذي يمكّنها من اختيار طريقها دون توجيه من الآخر، لا سيما أنَّ خطاب الرجل في هذا الموضوع الحساس بالذات لا يجد أذنًا صاغية عند المرأة التي تعدُّه مما يوافق هواه ومصلحته في التفوق الذكوري

 

إثنا عشر: إن عدد النسويات اللاتي يطالبن بتمكين المشروع الغربي في المجتمع عدد ضئيل للغاية إذا ما قورن بعدد الرافضات للمشروع ولكنَّ النسويات يَحظين بكل أنواع الدعم اللازم لإنجاح المشروع، ويلزم من هذا أن تتضافر جهود الفاضلات فيما بينهنَّ لتكوين جبهةٍ نسوية موحدة للمشروع المضاد الذي يتبنى الطرح المتوازن الذي يُنصف المرأة، ويوفر لها الحماية من المناهج الدخيلة التي تستهدف دينها وقيمها وكرامتها وأسرتها.

 

ثلاثة عشر: ينبغي تشجيع جميع أطياف المجتمع على المساهمة في دعم هذه الحملة المباركة في تمكين الأسرة بما أوتي من عزيمة وغيرة، كل بحسب مجاله وتخصصه، فصاحب القلم بقلمة، وصاحب الجاه بجاهه، والشاعر بقصيدته، والرسام بريشته، ومصمم الجرافيك بإبداعه، وهكذا، فيد الله مع الجماعة، ومنه العون والمدد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الأسرة #المرأة-المسلمة
اقرأ أيضا
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1176
عبقرية محمد الإدارية | مرابط
فكر مقالات

عبقرية محمد الإدارية


الناظر إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يستشف الكثير من المحاور التي تنم عن عبقرية غير مسبوقة في التاريخ وعن عقلية فذة ومن الظلم أن نختزل سيرة الرسول في بعض المراحل المتعاقبة دون النظر إلى تفاصيل هذه المراحل التي تكشف لنا عن عبقرية النبي وفي هذا المقال يحدثنا عباس محمود العقاد عن عبقرية النبي في الجانب الإداري للمجتمع الإسلامي

بقلم: عباس محمود العقاد
1891
كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز | مرابط
ثقافة

كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز


نحن أقررنا بأن الإنترنت لمعظمنا لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي الفكرة التي سنقدمها ستكون أن نقلل من الضرر بقدر الإمكان وذلك باستخدام خمس نصائح: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى تخلص من فوبيا فوات الأشياء اتبع نظام جلسات العمل لا تضح بنصيبك من العزلة كن واعيا بحجم المشكلة

بقلم: علي محمد علي
429
أهواء الناس في وقت الفتن | مرابط
تفريغات

أهواء الناس في وقت الفتن


كذلك أيضا فإن شهوات الناس وتشوفهم للفتن يتنوع فمن الناس من يلتفت إلى فتنة السمع ومنهم من يتشوف إلى فتنة البصر ومنهم من يتشوف إلى فتنة الفرج ومنهم من يتشوف إلى فتنة الكلام ومنهم من يتشوف إلى فتنة الفكر وغير ذلك فتتنوع الفتن فبحسب أهواء الناس تنوعت الطرق

بقلم: عبد العزيز الطريفي
377
القرآن متضمن لأدوية القلب | مرابط
اقتباسات وقطوف

القرآن متضمن لأدوية القلب


جماع أمراض القلب هى أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هى عليه وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية

بقلم: ابن القيم
719
موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2 | مرابط
فكر مقالات

موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2


في هذا المقال تأصيل هام لموقف الصحابة رضوان الله عليهم من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظرا لكثرة الشبهات والأباطيل التي أثيرت حول هذا الموضوع وكثرة الأخبار الباطلة والمزعومة التي يوردها البعض عن الصحابة وأهل العلم ولا تخلو من لبس وإشكال ولذلك يقف بنا الكاتب الدكتور سلطان العميري على حقيقة الأمر

بقلم: د سلطان العميري
3643