صحبة البطالين

صحبة البطالين | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

2618 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أعوذ بالله من صحبة البطَّالين!

لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، وما يتخلله غيبة!

وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور، وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصًا في أيام التهاني والأعياد، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.

فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك، وبقيت معهم بين أمرين:

إن أنكرت عليهم وقعت وحشة، لموضع قطع المألوف! وإن تقبلته منهم ضاع الزمان!

فصرت أدافع اللقاء جهدي.. فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق. ثم أعددت أعمالًا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلت من المستعد للقائهم: قطع الكاغد [ورق الكتابة]، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي.

نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، وأن يوفقنا لاغتنامه.. ولقد شاهدت خلقًا كثيرًا لا يعرفون معنى الحياة: فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار، ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر!

ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج! ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحديث عن السلاطين، والغلاء والرخص، إلى غير ذلك: فعلمت أن الله تعالى لم يُطلِع على شرف العمر، ومعرفة قدر أوقات العافية، إلا مَن وَفَّقه وألهمه اغتنام ذلك، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]"

 


 

المصدر:

  1. ابن الجوزي، صيد الخاطر، ص385
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
يا حبذا نوم الأكياس | مرابط
اقتباسات وقطوف

يا حبذا نوم الأكياس


فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره

بقلم: ابن القيم
450
بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس | مرابط
فكر مقالات

بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس


نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية ولا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية وعبارات أخرى مختلفة ستراها ولا بد عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له أن يرفع لافتة المقاصد الشرعية كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2025
لكي لا تأسوا على ما فاتكم | مرابط
اقتباسات وقطوف

لكي لا تأسوا على ما فاتكم


الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به وتمر بغيره والأرض كلها ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود

بقلم: سيد قطب
793
قواعد جليلة لأهل السنة والجماعة في بيان حقيقة التوحيد ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

قواعد جليلة لأهل السنة والجماعة في بيان حقيقة التوحيد ج2


مجموعة من القواعد التأصيلية يذكرها ابن القيم في كتاب الصلاة ويقف بها على عقيدة أهل السنة والجماعة وحقيقة التوحيد والشرك والإيمان والكفر وهذه القواعد التي ذكرها تمثل كليات العقيدة وبها تنضبط المسائل أصولها وفروعها وبها يعلم القارئ أحوال الناس ومراتبهم

بقلم: ابن القيم
1360
مسلسلات كرتون نافعة للأطفال | مرابط
ثقافة

مسلسلات كرتون نافعة للأطفال


جمعت للآباء روابط لأفلام ومسلسلات كرتون نافعة في الدين والخلق وقصص القرآن والحديث وأحكام وآداب القرآن و الفتوحات وغيرها ومشوقة وباللغة الفصحى وعليك أن توزعها على الأوقات المخصصة للمشاهدة والتي أفضل ألا تكون أكثر من ساعة أسبوعية أو نصف ساعة يوميا بالكثير وهي مفيدة بشكل خاص لمن يقيمون في بلاد لا تتحدث العربية لأنها تسهل عليهم تعليم أبنائهم اللغة العربية بشكل قصصي تطبيقي وكلها باللغة الفصحى السهلة

بقلم: حسين عبد الرازق
422
أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم | مرابط
تفريغات

أسباب الوضع المأساوي للمسلمين اليوم


إن المشكلة ليست مشكلة دولة أو مجتمع أو فرد وإنما هي مشكلة أمة كاملة أمة عاشت سنوات تقود غيرها فإذا بها اليوم تقاد أمة رفعت رأسها قرونا فإذا هي اليوم تطأطئ رأسها للشرق وللغرب أمة ظلت دهرا تعلم الناس الخير وتضرب لهم الأمثال في الأخلاق وتأخذ بأيديهم إلى طريق الله عز وجل فإذا بها بعد أن عرفت طريق الهدى وعرفت به تتبع هذا وذاك وهذه مشكلة خطيرة

بقلم: د راغب السرجاني
766