موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول | مرابط

الكاتب: الشبكة الإسلامية

1375 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مقدمة

من أعظم الانحرافات المنهجية عن دين الإسلام الاغترارُ بالعقل والإعلاء من شأنه وإنزاله منزلةً لا يبلُغها بحيث يكون حَكَمًا على نصوص الوحيين، ولقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدرٍ من عصر خلفائه الراشدين على منهج واحد من التسليم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم التقدُّم بين يدَيهما، فلم يحرِّفوا نصًا ولم يعارضوه، ولم يقبلوا قول أحدٍ - كائنٍ من كان - إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حق بعض التابعين لما وجد منهم نوع معارضة لِما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ثبت عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: "أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ؛ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" رواه الإمام أحمد.

ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتةٌ من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنّت أقوالًا شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر، والكلام في صفات الله تعالى، والوعد والوعيد، والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات، ونصروها وتعصبوا لها، فتكوّنت الفِرَق، واحتدم النزاع والخلاف بينها، ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضِد به أقوالها، ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها!!

ثم كرُّوا على السنة النبوية، فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون، قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا!! وانخدع بتلك الدعوى بعض المغفَّلين من المنتسبين للإسلام إحسانًا للظن بمن رفع لواءها.

 

منزلة السنة النبوية في دين الإسلام

 

السنة النبوية هي وحي من الله تعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى،  وعلى هذا فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، والاستسلام لمضمونها هو مقتضى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رسول من عند الله تعالى مبلغ عنه دينه، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[النور:63]، وقال أيضًا: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء:65].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" [رواه أصحاب السنن إلا النسائي]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لم أسمع أحدًا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"ا.ه.

 

العلاقة بين الشرع والعقل في دين الإسلام

 

لما كانت مصالح الدنيا والدين مبنية على المحافظة على العقل فقد اهتم الإسلام به اهتمامًا بالغًا، وجعله أحد الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليها ورعايتها، وجعله مناط التكليف؛ فإذا فُقد العقلُ فلا تكليف، وعُد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه!

 

ولقد ضمّن الله تعالى كتابه الكريم كثيرًا من الحجج والبراهين العقلية البيِّنة الباهرة والأمثال المضروبة والأقيسة الواضحة لكل ذي عقل، وخاطب بهذه الأدلة والبراهين أصحاب العقول والنهى والحِجى ومن يعقل ويسمع.

 

ومع هذا التكريم وتلك الرعاية التي أولاها الإسلام للعقل فقد جعله الإسلام تابعًا للشرع، وقَصَرَ مهمته على النظر فيما يَرِدُ إليه منه؛ فيقوم بفحصه وترتيبه وإيجاد النِّسَب والعلاقات بين أفراد ذلك الوارد وَفقًا للقواعد المأخوذة من الشرع الكريم واستنادًا إلى ما رُكِّب في ذلك العقل من العلم الضروري فيستنتج العلوم والحقائق.

 

العقل الصريح يوافق النقل الصحيح:

 

وعليه فلا يمكن أن يتعارض الشرع والعقل؛ فالشرع أمر الله والعقل خلق الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}[الأعراف:54]، وإذا ظن المكلَّف أن ثَمة تعارضٌ فإن الواجب تقديم الشرع؛ وذلك لأن العقل المؤمن مصدق للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع ليس مصدقًا للعقل في كل ما أخبر به.

 

وتأسيسًا على ما سبق بيانه فيجب انقياد العقل للشرع واستسلامه له؛ فالله تعالى قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى رضوانه إلا طريقًا واحدًا هو صراطه المستقيم الذي أرشد إليه الشرع الحكيم، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]. من هنا وجب على كل مسلم كمال التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد والإذعان لأمره سبحانه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق؛ لأن العقل الصريح – كما سبق - لا يمكن أن يتعارض مع ما نُقل إلينا من الشرع بطريق صحيح.

 

بداية الانحراف عن الصراط المستقيم والاغترار بالعقل وتقديمه على الشرع

 

كانت البداية على يد فرقة من أهل الكلام والجدل هي المعتزلة، وكانت بداية ظهورها في زمن التابعين على يد رجل يُدعى واصل بن عطاء، كان من تلامذة الحسن البصري رحمه الله تعالى ثم انحرف عن طريقته وأسس لهذه الفرقة منهجًا له أصول، وتفصيل ذلك يجده القارئ الكريم في كُتب الفِرَق.

 

وقد مجَّد المعتزلةُ العقلَ وجعلوه أدلَّ الأدلة، وجعلوه حجةً، وقدموه على الكتاب والسنة، وأوقفوا معرفة الله تعالى عليه!! والذي أوقعهم في هذا البلاء هو نظرهم في الفلسفة اليونانية ومحاولة صبغها صبغة إسلامية!!

 

موقف المعتزلة من السنة النبوية:

 

قلل المعتزلة من فائدة تعلم الحديث، وحذروا من تعلمه وذموا أهله، وذهبوا إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر! [والخبر المتواتر مقطوع بصحته عند أهل السنة وجماعة لأنه يجمع شروطًا لا يمكن معها احتمال عدم الصحة]، كما اعتقد المعتزلة أن الحجة العقلية كفيلة بنسخ الأخبار!

 

وأما حديث الآحاد [وهو ما لم يجمع شروط الحديث المتواتر] فإنهم لا يعلمون كونه صدقًا أو كذبًا [ولو كان في أعلى درجات الصحة، ولو اتفق على تصحيحه البخاري ومسلم!!]، فمنهم من لا يحتج به مطلقًا في أمور الدين، ومنهم من لا يحتج به إذا خالف العقل، ومنهم من لا يحتج به في باب الاعتقاد خاصة. ومن الأبواب التي ردَّ فيها المعتزلة أحاديث الآحاد: صفات الله تعالى، ورؤيته سبحانه في الآخرة، وخلق أفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة، والشفاعة، وعذاب القبر، وغير ذلك.

 


 

المصدر:

موقع إسلام ويب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السنة-النبوية #شبهات-حول-السنة
اقرأ أيضا
جحيم المسلمين في بورما | مرابط
توثيقات

جحيم المسلمين في بورما


لقد سجل التاريخ لمسلمي بورما أن الموت عندهم أسهل بكثير من أن يرضوا بأي دنية في دينهم فلم يسجل أن أحدا ارتد عن دينه بل كانوا عندما يخيرون بين القتل أو أكل لحم الخنزير يختارون الموت على ذلك حين حاول البوذيون والنظام العسكري الحاكم حملهم على الارتداد عن دينهم تطبيقا للشعار الذي اتخذوه لا بيت فيه مسلم في هذا الوطن لذا اتخذوا معهم هذه الطريقة ألا وهي إبادتهم بأقذر الأساليب التي عرفها البشر

بقلم: محمد الوليدي
618
ما بين الإيمان والفكر | مرابط
فكر مناقشات

ما بين الإيمان والفكر


كتاب لا يبحث في أعيان وأفراد الخلل والتخلف الفكري المعاصر في شتى الحقول ولا يبحث في قضايا الإيمان والعقيدة بل يبحث في القناة التي تربط بينهما وهو وجه بديع جديد من البحث العلمي والفكري وعنوان هذا الكتاب يوحي فعلا بموضوع بحثه وهو ينبوع الغواية الفكرية للشيخ عبد الله العجيري وفي هذا المقال مراجعة للكتاب ومحتواه بقلم إبراهيم السكران

بقلم: إبراهيم السكران
1986
دوران الإنسان حول نفسه | مرابط
فكر

دوران الإنسان حول نفسه


من سمات العصر عند كثير من الناس دوران الإنسان حول نفسه وتعليق نجاحه على شهرته أو بروز ذاته بين مجتمعه والشعور بأنه في معركة لتحقيق ذاته وكأن الذات شيء متردد بين الوجود والعدم ويجب خوض الصراع لإثباته عن طريق التمرد على المحيط والتفرد في الشكل والأفكار ومسار الحياة!

بقلم: د. طارق عنقاوي
274
السينما بين الواقع والأحلام | مرابط
فكر مقالات

السينما بين الواقع والأحلام


يقولون أن السينما غير مفروضة على أحد ومن شاء فليذهب ومن شاء امتنع وحقيقة وقفت متعجبا كثيرا عند هذا الكلام كيف سرت إلى نفوس بعض الشباب مثل هذا الفيروس الذي أرسلته التيارات المنحرفة فعبث بمدركات التفكير لدى بعض الشباب الذين هم من أبعد الناس عن التلوث بأي اتجاه فكري منحرف من البدهيات في التصور الإسلامي أن المحرمات ليس فيها من شاء ومن شاء فالمحرم لا بد من منعه وإنكاره نعم بإمكان الشخص أن يقول إنه غير محرم ويبين حجته أما أن تكون حجته لتسويغ الفعل أن من شاء ومن شاء فهذا تفكير غير مستقيم مع القيم...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2515
ليس عندكم إلا ابن تيمية؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

ليس عندكم إلا ابن تيمية؟


هنا إشكالية أجنبية عن مسألتنا أجدني مضطرا إلى معالجتها قبل الولوج لمناقشة شبهة تعارض العقل والنقل وهو إستطراد اضطراري لمعالجة إشكالية يكثر تداولها عند إستجلاب أي كاتب سلفي لابن تيمية رحمه الله في مثل هذه السياقات وتتلخص هذه الإشكالية في الإعتراض الشهير: أنتم ليس عندكم إلا ابن تيمية؟

بقلم: عبد الله العجيري
594
تدمير الحضارة سنة الغزاة | مرابط
تاريخ

تدمير الحضارة سنة الغزاة


بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي

بقلم: د راغب السرجاني
476