سمة مميزة جوهرية في الشريعة، ليست لغيرها؛ هي فكرة عمل السر ..
ليس من جهة إخلاص الفاعل فقط، بل أكثر من جهة حفظ ماء وجه الضعيف وحماية نفسه ورعاية مشاعره، ورفع أي حرج عنه تدفعه إليه طبيعة الحاجة والضعف التي يضطر معها لقبول ما لا يقبله غيره من إراقة ماء الوجه!
تأمل قول الله تعالى: "إن تُبدوا الصدقات فنِعمَّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم".. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقة السر تُطفئ غضب الرب"..
بل جعلها أحد أسباب سبعة لاستحقاق ظل الله يوم القيامة: “ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينُه”
لماذا؟!
لأنه أمر شاق شديد على النفس، ولو لم يكن كذلك لما رُغب فيه بمثل هذا الترغيب.. فالناس بطبيعتها تحب الشهرة والمحمدة والتعظيم..
فانظر مدى حرص الشريعة على هذا الأمر الذي يبدو شكليًا بسيطًا، وهو في غاية العمق في جوهره، وفيه ما فيه من حرص على الناس وعدم إخراجهم من هيئة التعَفُّف، وحرص على تماسكهم الاجتماعي حقيقةً لا مظهريًا، وحرص على أفعال الخير من الضياع.. مصداقًا لقول الله عز وحل: "وكان بالمؤمنين رحيمًا"..
فالشريعة لا تعتني بالسلوك الظاهري فقط، بل تعتني أكثر بالنوايا والمقاصد والأفكار..
ولذلك يمكن أن نرصد في تاريخ العبادة عند السلف كمًا هائلًا من الوقائع والمرويات التي تبين حجم اعتنائهم بـ "إسرار الأعمال" حتى صار عرفًا عرفانيًا عندهم ونال من القداسة ما يمكن اعتباره في ذاته نوعًا من العبادة!