قيمة الدنيا عند المسلم

قيمة الدنيا عند المسلم | مرابط

الكاتب: محمد الحسن الددو الشنقيطي

332 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

فمن أساس ومقومات شخصية المسلم أن يعرف قيمة هذه الدنيا ولا يزيدها عن حجمها، ومع هذا فما ذكرناه لا يقتضي إهمال العمل فيها فهي دار العمل، وهو مسئول عن عمارتها ومستخلف فيها، وقد استعمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض وجعلنا خلفاء فيها، ومن هنا أوجب علينا الأسباب، لكنه بين لنا أن هذه الأسباب لا تقدم ولا تؤخر: "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [التكوير:28-29].

 

فنحن مطالبون بأن نعمل، وأن نعمر هذه الدنيا ما استطعنا بخير، لكن مطالبون كذلك بأن لا نغتر بها، وأن نعلم أنها ليست دار بقاء، ومن هنا فالتعامل الصحيح مع هذه الدنيا أن يجعلها الإنسان في يده ولا يجعلها في قلبه، فإنه إن جعلها في يده كان بالإمكان أن يستفيد منها، وأن يتصرف فيها وأن يبعد قذرها عن نفسه، وإن جعلها في قلبه ملكته وكان وعاءً لها وخادمًا لها، ولم يفته شيء من أقذارها وأكدارها.

 

وأيضًا فإن الذي حمل الناس على الإيغال والمبالغة في جمع هذه الدنيا هو أنهم يطلبون السعادة بها، والواقع أنهم يعلمون أنها لا تدوم على حال، وأنها عرض سيال، ومن هنا فما يطرأ فيها من التغيرات سيصيبهم بالغموم والهموم فتزول السعادة لديهم.

 

وأنا أعرف أحد التجار الكبار أغمي عليه ذات يوم فنقل من مكتبه إلى المستشفى، فلما حضر الأطباء أجروا له كل التحليلات اللازمة فلم يجدوا فيه أي مرض، فاكتشف أحد الأطباء أن الذي أصابه هو الجوع، قال: صاحبنا قتله الجوع والعطش، فبحثوا عن ذلك فإذا هو منذ أيام وهو يراقب مؤشر أسعار العملات، ولم يجد وقتًا لشرب ولا لأكل، يأتيه الخادم بالشراب فيضعه بين يديه وهو مشغول لا يتناوله والهواتف على أذنيه، ومتابعة مؤشر العملات بين يديه، فيأتي العامل ويأخذ الكأس ويضع جديدًا مكانه، وهكذا حتى يذهب الوقت دون أن يتناول أكلًا ولا شربًا، فهذه الدنيا أصبح هو خادمًا لها وباذلًا في سبيلها، بذل نفسه ووقته لخدمة الدنيا بدلًا أن كانت تخدمه، فلم يستفد منها شربة ماء حتى أهلكه الجوع والعطش.

 

وأعرف تأجرًا آخر من التجار في هذه البلاد يحدثني عن نفسه، فيقول: أنا وفلان من أغنى الناس في هذا المكان، ومع ذلك حرم علينا كل ما في هذه الدنيا من الشهوات، فحرم علينا كل ما فيه حلاوة، وكل ما فيه دسم، وكل ما فيه ملح، فلا نتغذى إلا بالعيش والحليب الذي ليس فيه دسم.

 

فكثير من الناس لا يميزون بين جعل الدنيا تحت أيديهم وتسخيرها لهم، وكثير من الناس يتمنى أن يجعل تحت يديه الملايين أو المليارات، لكن لا يعلم أن جعلها تحت يديه لا يقتضي انتفاعه منها، فكم من إنسان جعلت تحت يديه فلم ينتفع منها أصلًا ولم تسد له أية حاجة، فهذه هي قيمة الدنيا الحقيقية.

 


 

المصدر:

محاضرة بناء شخصية المسلم

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حب-الدنيا
اقرأ أيضا
أهل العزة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أهل العزة


إن العزة قد تكون في الحق فيكون صاحبها عزيزا ولو كان ضعيفا مستضاما لا يذل للخلق ولا يتنازل عن شيء من دينه.. عزيز بعزة الله تعالى لأنه قد شرف بعبوديته له والانتساب لدينه والفخر بإسلامه وتطبيق شريعته ولو سخر منه الساخرون واستهزأ به المنافقون

بقلم: د. إبراهيم بن محمد الحقيل
504
دلالة التواتر على حجية السنة النبوية | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك

دلالة التواتر على حجية السنة النبوية


إن إثبات صحة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا في شأن لزوم اتباع سنته يتطلب علما خاصا بالرواة والأسانيد وقوانين علم الحديث غير أن هناك أمورا كثيرة ثبتت عنه بنقل متواتر لا يتطلب ذلك العلم الخاص ولا يختلف كل من ينسب نفسه إلى شيء من العلم بالشرع في أنها ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم وفيها ما يبلغ أعلى ما يمكن أن يبلغه التواتر عند عموم البشر مما لا ينازع فيه أحد إلا السفسطائيون وأشباههم كالمنازعة في وجود شخص المسيح عليه السلام وفي وجود فراعنة مصر في التاريخ ونحو ذلك

بقلم: أحمد يوسف السيد
1625
القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات العالمانية

القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول


عندما يجري الحديث عن القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي فإن الأمر يتجاوز الحديث عن وقائع معينة تمت روايتها وتدوينها في كتب التاريخ ليجري الحديث عن الأرضية التي يجري على أساسها تحليل واستنباط النتائج من الوقائع كما أن هذا يشمل المنهج المتبع في التحقق من تلك الوقائع إنه في المقام الأول حديث عن فلسفة التاريخ عن المنهج الذي يسلكه المحلل في قراءته وتوظيفه للأحداث التاريخية في نسقه التحليلي قبل المنهج المتبع في التحقق من صدق الرواية التاريخية

بقلم: يوسف سمرين
1462
حتى لا تذبل الزهور: قواعد مختصرة لمواجهة الخلافات الزوجية | مرابط
المرأة

حتى لا تذبل الزهور: قواعد مختصرة لمواجهة الخلافات الزوجية


لا تقارنوا حياتكم بغيركم وخاصة النساء لأن النساء عندهن في الأصل شغف بالكماليات والجماليات والتحسينيات فبالتالي إذا قارنت حياتك التي أنت تعيشينها مع زوجك في حياة من قد فتح الله عليهم أو ربما استدرجهم سبحانه بهذا المال ولا تعلمين حقائق ودخائل الأمور التي بينهم فلن تهنئي بعيش عليك بالرضا بما قسم الله -سبحانه وتعالى- لك.

بقلم: حمود بن ثامر
844
موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج1 | مرابط
فكر مقالات

موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج1


في هذا المقال تأصيل هام لموقف الصحابة رضوان الله عليهم من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظرا لكثرة الشبهات والأباطيل التي أثيرت حول هذا الموضوع وكثرة الأخبار الباطلة والمزعومة التي يوردها البعض عن الصحابة وأهل العلم ولا تخلو من لبس وإشكال ولذلك يقف بنا الكاتب الدكتور سلطان العميري على حقيقة الأمر

بقلم: د سلطان العميري
2186
كيف نقرأ القرآن؟ | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

كيف نقرأ القرآن؟


كيف نستطيع أن نبحث عن المعنى في كل آية نقرأها في كتاب الله وأنا أقرأ أحاول أن أفهم ماذا يريد الله مني في هذه الآية لأتفكر وأتدبر وأعمل بما يريده الله عز وجل كيف أستطيع البحث عن هذا المعنى؟ هذا ما يجيب عنه الدكتور أيمن السويد في هذا المقطع القصير.

بقلم: د. أيمن السويد
470