قيمة الدنيا عند المسلم

قيمة الدنيا عند المسلم | مرابط

الكاتب: محمد الحسن الددو الشنقيطي

274 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

فمن أساس ومقومات شخصية المسلم أن يعرف قيمة هذه الدنيا ولا يزيدها عن حجمها، ومع هذا فما ذكرناه لا يقتضي إهمال العمل فيها فهي دار العمل، وهو مسئول عن عمارتها ومستخلف فيها، وقد استعمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض وجعلنا خلفاء فيها، ومن هنا أوجب علينا الأسباب، لكنه بين لنا أن هذه الأسباب لا تقدم ولا تؤخر: "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [التكوير:28-29].

 

فنحن مطالبون بأن نعمل، وأن نعمر هذه الدنيا ما استطعنا بخير، لكن مطالبون كذلك بأن لا نغتر بها، وأن نعلم أنها ليست دار بقاء، ومن هنا فالتعامل الصحيح مع هذه الدنيا أن يجعلها الإنسان في يده ولا يجعلها في قلبه، فإنه إن جعلها في يده كان بالإمكان أن يستفيد منها، وأن يتصرف فيها وأن يبعد قذرها عن نفسه، وإن جعلها في قلبه ملكته وكان وعاءً لها وخادمًا لها، ولم يفته شيء من أقذارها وأكدارها.

 

وأيضًا فإن الذي حمل الناس على الإيغال والمبالغة في جمع هذه الدنيا هو أنهم يطلبون السعادة بها، والواقع أنهم يعلمون أنها لا تدوم على حال، وأنها عرض سيال، ومن هنا فما يطرأ فيها من التغيرات سيصيبهم بالغموم والهموم فتزول السعادة لديهم.

 

وأنا أعرف أحد التجار الكبار أغمي عليه ذات يوم فنقل من مكتبه إلى المستشفى، فلما حضر الأطباء أجروا له كل التحليلات اللازمة فلم يجدوا فيه أي مرض، فاكتشف أحد الأطباء أن الذي أصابه هو الجوع، قال: صاحبنا قتله الجوع والعطش، فبحثوا عن ذلك فإذا هو منذ أيام وهو يراقب مؤشر أسعار العملات، ولم يجد وقتًا لشرب ولا لأكل، يأتيه الخادم بالشراب فيضعه بين يديه وهو مشغول لا يتناوله والهواتف على أذنيه، ومتابعة مؤشر العملات بين يديه، فيأتي العامل ويأخذ الكأس ويضع جديدًا مكانه، وهكذا حتى يذهب الوقت دون أن يتناول أكلًا ولا شربًا، فهذه الدنيا أصبح هو خادمًا لها وباذلًا في سبيلها، بذل نفسه ووقته لخدمة الدنيا بدلًا أن كانت تخدمه، فلم يستفد منها شربة ماء حتى أهلكه الجوع والعطش.

 

وأعرف تأجرًا آخر من التجار في هذه البلاد يحدثني عن نفسه، فيقول: أنا وفلان من أغنى الناس في هذا المكان، ومع ذلك حرم علينا كل ما في هذه الدنيا من الشهوات، فحرم علينا كل ما فيه حلاوة، وكل ما فيه دسم، وكل ما فيه ملح، فلا نتغذى إلا بالعيش والحليب الذي ليس فيه دسم.

 

فكثير من الناس لا يميزون بين جعل الدنيا تحت أيديهم وتسخيرها لهم، وكثير من الناس يتمنى أن يجعل تحت يديه الملايين أو المليارات، لكن لا يعلم أن جعلها تحت يديه لا يقتضي انتفاعه منها، فكم من إنسان جعلت تحت يديه فلم ينتفع منها أصلًا ولم تسد له أية حاجة، فهذه هي قيمة الدنيا الحقيقية.

 


 

المصدر:

محاضرة بناء شخصية المسلم

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حب-الدنيا
اقرأ أيضا
الدفاع عن السنة الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الرابع


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
667
بالمساواة يتحقق العدل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

بالمساواة يتحقق العدل


المساواة هي الشعار البراق اللامع الذي يرفعه الكثير من الناس ويقدمونها كأنها قيمة مثالية عليا متى تحققت صلح الواقع وبالتالي فلا يحق لأحد معارضتها أو إنكارها ولكن الحقيقة أن هذا الشعار البراق هو محض وهم فالمساواة ليست دائما حسنة ومن هنا يقف بنا المقال عند قيمة العدل وقيمة المساواة للتفريق بينهما وفهم ميدان عمل كل واحد منهما

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2154
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1751
التغريب: الأهداف والأساليب ج3 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج3


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2050
مراجعة العلماء | مرابط
اقتباسات وقطوف

مراجعة العلماء


مقتطف هام للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يشير فيه إلى ضرورة مراجعة العلماء لبعضهم خصوصا لو وقع أحدهم في خطأ ما بدلا من التشنيع عليه مباشرة دون مذاكرته أو مراجعته أو تنبيهه لما بدر منه من خطأ وهذا يحدث كثيرا في عصرنا فقد نأى كل عالم بنفسه وانقطعت حبال التواصل

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2162
من حياة عمر بن عبد العزيز ج2 | مرابط
تفريغات

من حياة عمر بن عبد العزيز ج2


لقد حمل هم الأمة خلع كل لباس إلا لباس التقوى لم يأخذ قليلا ولا كثيرا همه الآخرة لا الدنيا كانت له نظرة مختلفة عن نظرات الناس حتى مع الناس وأخذ الناس يتسابقون يوم عرفة مع الغروب إلى مزدلفة وهو يدعو ويتضرع ويقول: لا والله ليس السابق اليوم من سبق جواده وبعيره إن السابق من غفر له في هذا اليوم

بقلم: خالد الراشد
474