القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول

القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

1459 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

(1)


عندما يجري الحديث عن القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي، فإن الأمر يتجاوز الحديث عن وقائع معينة تمت روايتها وتدوينها في كتب التاريخ، ليجري الحديث عن الأرضية التي يجري على أساسها تحليل واستنباط النتائج من الوقائع، كما أن هذا يشمل المنهج المتبع في التحقق من تلك الوقائع، إنه في المقام الأول حديث عن فلسفة التاريخ، عن المنهج الذي يسلكه المحلل في قراءته وتوظيفه للأحداث التاريخية في نسقه التحليلي، قبل المنهج المتبع في التحقق من صدق الرواية التاريخية.

تتفق العلمانية في الجانب السياسي على حد أدنى من عدم اعتبار تأثير الدين في الجانب السياسي إلا كعامل ثانوي (1)، وكما هو الحال في السياسة، فإن الأمر يتعلق بقراءتها للتاريخ، ولكن تتفاوت في إقصائها لتأثير الدين.

فتصل بعض الرؤى العلمانية إلى إقصاء الدين تمامًا عن التاريخ، لتجعل المحرّك في التاريخي هو أي شيء إلا الجانب الديني، فبعضهم يرد الأمر إلى الجانب الاقتصادي، وآخر البيئي، العرقي، والبعض يجعل للدين تأثيرًا إلا أنه في حدود التأثير الثانوي.

ولما يجري الحديث قراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي، وهو في المقام الأول حديث عن تاريخ مرتبط بدين، وهو الإسلام، فقد تنوّعت الرؤى العلمانية في النظر إليه، ويمكن تقسيم زاوية النظر العلماني إلى التاريخ الإسلامي إلى إطارين أساسيين:

1. الإطار الكوني: الذي يرى الانطلاق من فلسفة مطلقة، تحمل رؤية عامة للكون، للأخلاق، للسياسة، والتاريخ...إلخ.
2. أو الإطار التحليلي والتفكيكي: الذي تأثر بخط فلسفات ما بعد الحداثة التي شاعت في أوروبا كأثر على انهيار الفلسفات الكونية، التي شكلت الماركسية آخر معاقلها. (2)

أما الجانب الكوني، فمن أمثلته:
1- الحركة القومية: تلك التي تُرجع الحركة التاريخية، إلى عوامل عرقية، أو لغوية، أو جغرافية، أو كل ما سبق، وقد تُدخل الدين باعتباره منتجًا قوميًا، رسالة تعبر عن طموحات ورؤى الجانب القومي في أمة معينة، على سبيل المثال سلك جوزيف نسيم يوسف هذا المسلك في قراءته للحرب الصليبية، وكان يكتب في العصر الذهبي للقومية العربية أيام جمال عبد الناصر، حيث إنه رأى في مقاومة الغزو الصليبي لديار الإسلام "فكرة الوحدة العربية، وحركات البعث واليقظة بين العرب".(3)

 


(2)

 

لقد رأى أن العامل الديني للحروب الصليبية لم يكن سوى حركات مسرحية، القصد منها إثارة الغرب الأوربي ضد العالم العربي، وكان المستهدف منها بشكل أساسي العرب تحديدًا، وفق العامل القومي.(4)

وحتى لما تكون بعض الوقائع منغِّصة على هذا النسق الذي يتحرك في إطاره الكاتب مثل كون صلاح الدين من أصل كردي، فإنه يتعامل معه لا بوصفه متدينًا بالإسلام، وأن الإسلام كان العامل الأساسي في حركته، بقدر ما يرى أنه كان يحمل مشروعَ حركةِ اليقظة العربية، ومجيِّش القوى المصرية الناهضة.(5)

إنه بهذا يصبغ التاريخ بالمفهوم القومي الحديث، ويرى أنه المؤثر الأساسي في الحركة التاريخية، بخلاف الدين الذي لم يكن عاملًا أساسيًّا لا في أوروبا التي تجهزت الحرب الصليبية في أحشائها، ولا في المناطق الإسلامية التي تحرك عربها وعجمها للدفاع عنها بوصفها أرض الإسلام، في وجه غزو رأوا أنه كافر يعتدي على ديار الإسلام.

2-الحركة الاقتصادية: تُرجع هذه الرؤية حركة التاريخ بمجمله إلى تأثير الجانب الاقتصادي، وقد استشرت هذه الفكرة بين الماركسيين العرب في نظرهم إلى التاريخ الإسلامي، على أن أحداثه جاءت في إطار صراع بين الثروات، وإن كان يعلوها فوقيًا أي في الجانب الثقافي بناءٌ على شكل صيغ دينية، ومن أشهر القراءات التي توضع في هذا الإطار كتاب (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية)، لكاتبه حسين مروه، حيث يحلل الكاتب التاريخ الإسلامي من هذه الزاوية، فيرى أن قريشًا استمدت سيادتها على باقي القبائل قبل الإسلام باعتبار العامل الاقتصادي بشكل أساسي، فيقول:

" إن تعاظم ثروة قريش كان يزداد تأثيرًا في تغيير القيم القَبَليّة، وفي إنتاج قيم جديدة تقوم على قاعدة مادية-اقتصادية هي المرجع الأول، رغم استمرارية الكثير من الاعتبارات القَبَليّة التي أصبحت في المركز الثانوي من التأثير، في مجرى الحياة العامة لأهل الجاهلية، بذلك أصبحت مكة في المركز المسيطر على عملية تفكيك البنية الاقتصادية الاجتماعية للمجتمع القبلي من أساسها".(6)

وفي إطار تفسيره للنبوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يضعها في إطارٍ طبقي اقتصادي، إذ يرى أن ظهوره كان شكلًا من التعبير عن التغييرات المستجدة في أسس العلاقات لمجتمع الجاهلية، تلك التغيرات التي كان أساسها الأول اقتصاديًّا بنظره.(7)

ويرد مروه عقائد الإسلام إلى أهداف اجتماعية سعى لها هذا الظهور، فتوحيد الله عز وجل هو مجرد انعكاس لفكرة التوحيد الاجتماعي، فالدين الواحد كان يعني شعبًا واحدًا(8)، في وجه تفكك المجتمع القبلي القديم، والسبب الأساسي في هذا هو تعاظم ثروة قريش.

 


الإشارات المرجعية:

  1. انظر: الدين في الديمقراطية، مارسيل غوشيه، ترجمة: ترجمة شفيق محسن، المنظمة العربية للترجمة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 2007، ص 157.
  2. انظر: فلسفات عصرنا: تياراتها، مذاهبها، أعلامها، وقضاياها، جان فرانسوا دورتيي، ترجمة إبراهيم صحراوي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، ص 265.
  3. من مقدمة: العرب والروم واللاتين في الحرب الصليبية، جوزيف نسيم يوسف، دار النهضة العربية، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة: 1981م، ص (ز).
  4. انظر: العرب والروم واللاتين في الحرب الصليبية، ص70.
  5. انظر: العرب والروم واللاتين في الحرب الصليبية، ص77.
  6. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، حسين مروه، دار الفارابي، بيروت – لبنان، 1978، ج1، ص222.
  7. انظر: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، ج1، ص232.
  8. انظر: النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، ج1، ص381.


المصدر:

https://josefsimrin.blogspot.com/2018/07/blog-post_2.html

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #التاريخ-الإسلامي
اقرأ أيضا
معركة النسيان والتذكر | مرابط
مقالات

معركة النسيان والتذكر


وداء النسيان هذا هو الذي قد يجعل الإنسان إذا نزل به البلاء انهمك في أسباب الدنيا وغفل عن الفرار إلى الله سبحانه وشكاية البث والحزن إليه! ومن ذلك أننا نؤمن بالجنة والنار لكن من آمن بذلك حق الإيمان كأنه رأي عين لم يعص الله سبحانه لكننا نعصي وذلك لأننا ننسى كما اشتكى حنظلة للنبي صلى الله عليه وسلم: عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا

بقلم: كريم حلمي
514
الغلو نبتة سلفية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الغلو نبتة سلفية


يقولون: أن الغلو هو نبتة سلفية أو ظاهرة سلفية أو منتج سلفي أو غيرها من عبارات تصاغ للتعبير عن فكرة واحدة وهي: أن السلفية سبب لظهور الغلو وهي التي تتحمل تبعاته وآثاره وذلك أن الغلاة ينتسبون إلى السلفية ويستدلون بأصول السلفية ويستندون إلى رموزها ومقولاتها وهذا يعني أن المشكلة في السلفية نفسها وبين يديكم مقال هام للرد على هذه الفرية

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
781
الهجرة النبوية دروس وعبر | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الهجرة النبوية دروس وعبر


لقد كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة جديدة ونقلة نوعية هامة في مسيرة الإسلام وإعزازا لدين الله تعالى وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين لذا فإن دروس الهجرة الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها وفي المقال نقف على بعض الدروس الهامة خلال هذه الهجرة

بقلم: د بدر عبد الحميد هميسه
1353
شبهات حول القرآن الكريم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

شبهات حول القرآن الكريم


يناقش هذا المقال بعض الشبهات والأباطيل المثارة حول القرآن الكريم ومن أبرزها: ادعاء وجود أخطاء لغوية في نص القرآن الكريم وادعاء وجود أخطاء علمية أو آيات مخالفة لأمور علمية ثابتة والأخير هو ادعاء وقوع التناقض في نص القرآن والكاتب أحمد يوسف السيد يرد على هذه الشبهات الثلاث بالدليل الدامغ

بقلم: أحمد يوسف السيد
2710
العضلة الأهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العضلة الأهم


كلنا يريد الانطلاق نحو الله في رمضان.. والقوة المحركة لهذا الانطلاق هي القلب.. وكلما كان حمله من المعاصي أقل.. كانت انطلاقته أكبر وأعظم.. ومن أكبر أثقال القلب التي تبطئ حركته:الغل والأحقاد نحو الآخرين في قلبك..

بقلم: د. أيمن خليل البلوي
514
دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني | مرابط
النسوية الجندرية

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني


إن الموجة الجندرية المتصاعدة في هذه الأيام والتي تدعو إلى عدم اعتبار الهوية الجنسية البيولوجية الذكر والأنثى وإنما تدعو إلى هوية جندرية جديدة مصنوعة قد يرى فيها الرجل أنه امرأة والعكس قد تشعر فيها المرأة أنها تريد أن تصبح رجلا وتؤدي دوره الاجتماعي كاملا أي أن الجنس لا دلالة له ومن حق الرجل والمرأة اختيار الدور الاجتماعي المفضل وفقا للهوية الجندرية وهذه الموجة التي تدعو إلى تقنين الشذوذ واللوطية وإطلاق الحريات الجنسية لم تصعد إلا على أكتاف الحركة النسوية ومبادئها وأفكارها التي آلت إلى الفلسف...

بقلم: عمرو عبد العزيز
2233