دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني

دين المؤتفكات: النسوية الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2235 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

مرحلة فلسفة الجندر:

 

1- قيل، مادام المجتمع هو صانع المرأة والرجل، وأن جنس المولود لا دلالة له، وأن على كل إنسان أن يختار الدور الاجتماعي الذي يحبه = فما الذي يمنع أن يطلب الذكر لعب الدور الاجتماعي للأنثى كاملا، بعلاقاته الجنسية فيكون لوطيا؟ وما الذي يمنع الأنثى أن تفعل نفس الشيء فتلوط بالنساء؟ بل ما الذي يمنع ظهور أشكال متعددة لا حصر لها: كرجل يريد أن يكون أنثى فيجري جراحة لزراعة ثدي ويعيش كامرأة حتى لو كان يحب النساء ولا يلوط، وكأنثى تزيل ثدييها وتطلب العيش كرجل حتى إن كانت تحب الرجال؟ فظهر مفهوم الخناث (الترانسجندر)

 

2- وجاءت كذلك موجة أخرى نسوية الأصول، تطالب بتمكين المبدأ الآتى على مستوى أكبر: ألا وهو تعديل التنشئة الأسرية والمجتمعية لتحرص على استبعاد كل عامل في التنشئة يوجه لجندر معين = فظهر أفكار الجنس الموحد في الملابس، وتوحيد الألعاب بين الجنسين، وتعليم الأطفال أنهم لا ينتمون إلى جندر معين، وأن وجود عضو ذكري أو مهبل لديهم، ليس له دلالة وأنهم طلقاء يختارون ما يطمئنون إليه من أنواع.

 

3- وارتبط التطور التاريخي والمجتمعي كما عند النسوية بتحقيق الخلاص من الأفكار المسبقة القديمة والمتخلفة عن جندر الإنسان، وتخليق دلالات جديدة له تحقق المساواة الكاملة بين البشر.. فما واجبنا الإنساني تجاه هذا التطور؟

 

علينا معرفة أن عداوة اللوطي أو اللوطية لم تنبع إلا من أفكار متخلفة بدائية ترسخت لدينا من أزمان التوحش والبداءة، أزمان كانت تربط الجنس بالنوع الاجتماعي، أزمان كان كل اختلاف وتنوع يُصنف باعتباره شذوذا يستحق العلاج. علينا معرفة أن الإنسانية لم ولن ترتقي إلا إذا أدركنا أن اللوطيين والخناث هم أفراد لم يستسلموا لأفكار مجتمعاتهم وتصنيفاته المتوارثة من عصور الظلام، ولم يرضخوا لربط جنسهم بجندرهم، فثاروا على كل ذلك وحرروا جندرهم، بل خلقوه من جديد، وعلى كل إنسان أن يدعم ثورتهم، كما يدعم تحرير المرأة في القرن الماضي، من أجل الوصول إلى مجتمع المساواة المنشودة، مجتمع ألوان الطيف البهيج المتنوع.

 

هذا كان مسار الوصول من النسوية إلى اللوطية

 

التي هي في حقيقتها وريثة الأولى ومؤداها ولازمها، والتي كانت أفكارها الكبرى بنات الفلسفة النسوية، والتي تقصد ذات الهدف: وهو تحرير الجندر من مفاهيم الظلام، وتحميله مفاهيم الأنوار والحرية، مع إضافة وجوب فتحه للتنوع بعد ما ظل مغلقا طوال التاريخ على نوعين فقط تبعا لوهم حتمية ارتباطه بالجنس. ذلك هو مجمل أثر الفلسفة النسوية..

 

وفيه نقاش نخوضه قبل الانتقال للأس التالي:

 

أولًا: لقد بُنيت تلك الفلسفة كلها على فلسفة حتمية التطور الاجتماعي والإنساني عامة، وأن كافة التشريعات والتنظيمات المجتمعية القديمة معيبة، بنات دهر السيادة الذكورية = وعليه لا تتسق الفلسفة النسوية وتكمُل سوى بالإلحاد، وإلا لو وُجد إله فهو ظالم محاب للرجال على حساب النساء، ﻷنه لم تُقرّ أي شريعة، خاصة الشرائع الإبراهيمية، بفكرة السيادة المتساوية المطلقة بين الجنسين فظل تسويد الرجل على الأنثى هو الأصل ولو في جانب واحد من جوانب الحياة.

ماذا يقدم الإلحاد إذن؟ إنه يقدم الصورة الوحيدة التي تنظم كل التفسير النسوي للسيادة الموروثة، فكيف تقول أن كافة التشريعات والتنظيمات المجتمعية في التاريخ آثمة مجرمة، بينما كثير من تلك التشريعات آت من نصوص أديان واضحة الانتساب لإله خالق؟ إن إيمانك بالإله يلزمك أن تقول بتنزيله أحسن التشريعات، حتى لو كان قد حدث فيها عبث بشري بعد ذلك. ويلزمك أن تؤكد على أن النصوص الرئيسية للتنظيم المجتمعي والتشريعي واضحة التحيز لسيادة الذكور والتحفظ على الأنثى باسم الصيانة، وهي نصوص صحيحة مطلقة زمانا ومكانا = وهذا مستحيل عند النسوية، التي تؤكد على أن كل تشريع وكل مجتمع سبق لم يكن إلا ذكوريا ملعونًا.

لهذا لا تستقيم النسوية أبدًا والإيمان بوجود إله خالق، ولا تخلو مؤمنة بدين إلهي مع النسوية من تناقضات ضخمة تهزها وتزلزل طرحها إن تعمقت فيه ولزمت لوازمه = فالإلحاد حتمي لاستقامة النظام واللوازم.

لكن مشكلة الإلحاد الكبرى: غياب المعايير، تطل فاحشة حينئذ: فما دام لا معيار إلا المادة يلزم أن نرتد إلى حالة البدائية الأولى التي يزعمنها، حيث مادة القوة الجسمانية عند الرجل أكبر، وبالتالي يكون هو الأقدر على إخضاع المرأة الأضعف أبدًا، فعلام التشكّي؟ البقاء للأقوى!

 

ثانيًا: سقطت كافة الرؤى التي أسلمت النسوية في تلك التناقضات الفاحشة، وزدن عليها، مهما حاولن التخفف من الراديكالية، ومهما حاولن الاكتفاء بالنوازع الليبرالية التي تتحدث عن ظلم المرأة وتسويد الرجل عليها بالقوامة فالإسلام مناقض للتطور الشامل، ولا يتحدث عن أصل حيواني للإنسان وللمجتمعات استقى منه الإنسان مفهوم إعطاء السيادة للأقوى فقط، ولا يقبل من بشر أن يزعم جور تشريعات الله لبني إسرائيل، بل يُخرج من دائرته من ادعى أن شرائع الإسلام كانت وقتية متخلفة ابنة مجتمعها، أو ظالمة بحق فئة من الفئات = وهذه المبادئ، كافة، مناقضة تماما للرؤى النسوية للتاريخ وللتطور التي ذكرناها، وتوفيق كل ذلك مع بعضه البعض يزيد النسوية المؤسلمة اضطرابا فوق اضطراب النسوية الأصلية.

 

ثالثًا: هل تحررت الأنثى، أم ضاعت وسط بحر اللوطية والتنوع؟ إن هذا السؤال أول ما يجول بذهنك عندما تبصر مآل الخطاب النسوي بكافة أطيافه، بعدما تصدرت نتائجه، أي قضايا توسع الجندر وتحرير اللوطية، عناوين الفكر المجتمعي بدلا من قضايا تحرير المرأة.

بالنسبة لكل كافر بالنسوية، فقد حققت الراديكالية منها نجاحات ضخمة في إعادة تشكيل التنظيمات المجتمعية بالغرب والعالم، حتى لو بصورة غير مباشرة عن طريق دفع الهيئات المقاومة لها بالتحالف مع النسوية الليبرالية المخففة وتلبية أوامرها ونقاش ذلك يطول جدًا = لكن مع ذلك، لا توجد لا نسوية راديكالية ولا ليبرالية إلا وتجأر بالشكوى من استمرار التحيز المجتمعي الذكوري، واستمرار ابتعاد الكتل النسائية المتزوجة عنهن والاستسلام للرجال في المعركة، وبالتالي يشكل تراجع الاهتمام المهووس بالنسوية وتمكين المرأة، إلى المقاعد الخلفية، مقابل الهوس الجديد باللوطية = نكسة للقضية النسوية، فضلا عن الارتكاس الذي حدث لصورة المرأة القوية، بما صنعه اللوطيون والخناث من تشبه بالنموذج الأنثوي المدلل العابد للرجال، والذي عاد للواجهة مرة أخرى على أيديهم!

 

رابعًا: مثّل الانتقال من الجندر الطبيعي الفطري المساوي للجنس، إلى الجندر المصنوع الوهمي = حالة من فوضى الجندر، ملتهبة الأوار: فلم يعد يوجد رجال بحق، ولا نساء بحق، وتداخلت الميول الجنسية مع الهوية المجتمعية مع الهوية الجنسية، لتصنع شبكة ضخمة من الأنواع الجندرية المجنونة. وصارت المرأة أحد أضلاع تلك الشبكة، حيث لا يوجد جنس نساء حقيقي كامل، بل هناك نساء يُعرّفن أنفسهن أنهن ذكور، وخنثات، ولا يرتضين بالممارسة النسوية بل يحاولن حيازة السلطات الذكورية تشبها بالنموذج الذكوري الخشن الشهواني الفظ الذي رسمه الإعلام النسوية.

وهناك نساء لوطيات يردن لعب دور المرأة مع فحلتها اللوطية ولا تشغل نفسها بالهوس النسوي الرافض لأي دور استكانة أو خضوع تؤديه المرأة، وهناك نساء لوطيات يعشفن النسوية الراديكالية ويرين فيها النظرية المعبرة عنهن، ولوطيات أخريات ينظرن إلى النسوية باعتبارها شيء كئيب يرفضنه لأنهن يردن اللواطة بامرأة تتدلل معهن وتخضع لهن، إلخ!

وما عند النساء أضعافه في المماثلة عند الرجال! فأين القضية النسوية وسط هذا الزخم المجنون؟ إن الهيستريا التي كانت تُسعّر حرب الإعلام والرأي العام في القرن الماضي ضد أي لمحة (ميزوجينية) تحقيرية للمرأة، والحساسية المفرطة في ذلك الشأن، ورثتها اللوطية، بل زادت عليها حتى أنه يمكن وصف اللوطية بنظرية ما بعد النسوية.

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات، ص7
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الجندرية
اقرأ أيضا
أسباب الإلحاد | مرابط
فكر الإلحاد

أسباب الإلحاد


لا يمكن التعامل مع الظواهر الكبرى بنماذج تفسيرية اختزالية بل لا بد من النماذج المركبة التي تجمع عددا من المؤثرات والأسباب ولا يخرج الإلحاد عن هذا المعنى فإنه لا يمكن حصره في سبب منفرد بل هي ظاهرة أوجدتها منظومة مركبة من الأسباب

بقلم: البشير عصام المراكشي
2332
هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أسقط ابن مسعود الفاتحة من مصحفه


قالوا: اختلف الصحابة في قرآنية أهم سور القرآن وهي سورة الفاتحة فلم يكتبها ابن مسعود من مصحفه كما نقل عنه ذلك التابعي ابن سيرين بقوله: إن أبي بن كعب وعثمان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وبين يديكم الرد على هذه الشبهة

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
2447
بيج بن الإسلامية | مرابط
اقتباسات وقطوف

بيج بن الإسلامية


يبدو أن التحديثات التي تشهدها مكة على يد السلطة السعودية لا تثمر تطورا وتقدما عمرانيا وحضاريا إلا على الطراز الغربي وهو ما يعني مزاحمة الجانب الروحاني الذي اختصت به مكة منذ قديم الزمان ومزاحمة الروحانيات التي تجتاح الحجاج في تلك البقعة الطاهرة وهذا مقتطف هام من كتاب من مكة إلا لاس فيجاس يعبر فيه المؤلف عن هذا التقدم وما أحدثه

بقلم: د علي عبد الرءوف
2069
العلمانيون ووهم الاستقلال الفكري | مرابط
العالمانية

العلمانيون ووهم الاستقلال الفكري


من المفارقات العجيبة أن أصحاب الفكر العلماني مع دعواهم الاستقلال الفكري ودعوتهم إلى التحرر من سلطة أي مرجعية إلا أنهم في حقيقة حالهم إنما يبنون مقولاتهم ومشاريعهم على مسلمات ليس لهم فيها جهد مستقل بل هم فيها مقلدون ومجرد صدى لما يطرح من مقولات وتحولات واتجاهات في الفكر الغربي فهم في حقيقة الأمر إنما تركوا مرجعية إلى مرجعية وانتقلوا من القطيعة مع التراث الإسلامي إلى الاستمداد من الفكر الغربي.

بقلم: عبد الله القرني
425
عن آخر رجل يدخل الجنة | مرابط
مقالات

عن آخر رجل يدخل الجنة


إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغل المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا

بقلم: عبد الله القرني
408
الإسلام أسلوب حياة | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام أسلوب حياة


مقتطف ماتع للكاتب محمد أسد من كتاب الطريق إلى مكة يحدثنا عن بداية تعرفه على الإسلام وكيف أنه رأى هذا الدين أسلوبا شاملا للحياة يحكي لنا بعض اللمحات الجميلة حول اختلاف الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والمذاهب والعقائد

بقلم: محمد أسد
740