الهرولة إلى اليمين الغربي، وقراءة طرحه، والتأثر به، ليس أدنى شرا على الناهِل، من الطرح اليساري والليبرالي!
بل أزعم، أن أطروحات اليمين أمسُّ بواقعنا وتاريخنا من الباقين، فالعنصرية متجذرة في المجتمعات الإسلامية منذ قرون طويلة، والمدونة التراثية التي ازدهرت في العصر العباسي طافحة بآثارها، وهو عصر فشل الاندماج العرقي الكبير في بغداد، وسيطرة روح الإثنية والسلالية على الجميع. فالعنصري سيجد ضالته بلا ريب في التراث، وسيزعم أنه (المتبع للأئمة وممثل الإسلام) أمام غيره!
وما غابت عنه النصوص القرآنية والسنية، حضرت فيه النصوص التراثية للآراء الخاصة والمفاهيم الشائعة!
وواقعنا المزدحم بالقضايا والصراعات العرقية والسلالية في اليمن والجزائر والمغرب والشام وتركيا والعراق وجزيرة العرب، ستزداد ناره ارتفاعا بهذه الأطاريح الضالة!
ولا يكون الرد على توثين المرأة، وتخنُّث الرجال، بتحقير المرأة، وتأليه الذكورة!
ولا يكون الرد على المساواة بين المؤمنين والكافرين، والصالحين والفاسقين، وأهل الفطرة واللوطيين =بمنع المساواة والسخرية من المفهوم مطلقا، ورفض حتى المساواة بين الأعراق والأجناس والشعوب!
وإن لكل جاهليةٍ نقيضٌ من جاهلية!
فلتوثين المساواة المطلقة، تحقير مطلق المساواة!
ولتقديس الأنوثة وصفاتها، إهانة مطلق النساء!
واليمين جاهلية لا تقل سفولا عن جاهلية اليسار والليبرالية!
وواجب المسلم إعداد نفسه كي ينقض على هذا وذاك!
وكما أن الليبرالية كانت وثن الإسلاميين الحركيين والحداثيين قبلا، سيكون اليمين وثن الإسلاميين التراثيين عما قريب!
والإسلام لا إلى ذلك ولا إلى ذاك!
وعلى المسلم إبصار سبيله، ومعرفة الحق من الضلال، وامتلاك زمام المبادرة بالفهم، على أن يقرأ للنقد من كان له أهل، لا كل محب يتقافز شوقا لنصرة الدين، ولا يعرف ما هو الدين أصلا، ولا يضبط أدنى إشكالات الموضوع الذي ينوي القراءة فيه لهذا الطرف أو ذاك!
واعلم أن اليمين أكثر شرا من اليسار!
وأن الليبرالية لن تلقى أعظم إحياءً لمنتوجها، وأكثر تصحيحا لمنهجا، وهي المريضة المتناقضة، من رواج طرح اليمينيين فينا! فهو طرح غبي، ضيق الأفق، معادٍ للإنسانية، مفرِّق للجموع، ومشيد فوق أوهام يكذبها التاريخ، وضلالات يفضحها الاجتماع، وزيوف ينقضها العلم =فأي نكاية ينتظرها الناس في الليبرالية من هذا الطرح!
إنما هو، إن شئت صدقا، ترياق لبعث شباب العجوز، واستجلاب نضارتها، ووقف رجفتها!
المصدر:
قناة المشكاة الخاصة بالدكتور عمرو عبد العزيز على تلجرام