صفات الخوارج في السنة النبوية

صفات الخوارج في السنة النبوية | مرابط

الكاتب: الشيخ عمار الصياصنة

1111 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

"الخوارج" من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة، وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل، فكان لا بد من وقفة نتبين بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم، حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها.

ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج، فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح، أو حسن، وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة، والتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم؛ إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى، ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآراء والأفكار، بل يتعدى ذلك إلى سفك الدماء.

 

فمن صفاتهم الثابتة في السنة:

 

1- صغار السن: فهم في غالبهم شباب صغار، يقل بينهم وجود الشيوخ والكبار من ذوي الخبرة والتجارب، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثاء الأسنان)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/287): "‏والحدث هو الصغير السن".

 

2- الطيش والسفه: فعامة الخوارج ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخفة والاستعجال والحماس، وقصر النظر والإدراك، مع ضيق الأفق وعدم البصيرة، كما جاء في الحديث المتفق عليه: (يأتي في آخر الزمان قوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام)، والأحلام: الألباب والعقول، والسفه: الخفة والطيش. قال النووي: "يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل"، نقله عنه الحافظ في الفتح.

 

3- الغرور والتعالي: فالخوارج يعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله، والإعجاب بأنفسهم وأعمالهم؛ ولذلك يكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه!!

قال صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم قوما يعبدون ويدأبون، حتى يعجب بهم الناس، وتعجبهم نفوسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) رواه أحمد بسند صحيح. ويدفعهم غرورهم لادعاء العلم، والتطاول على العلماء، ومواجهة الأحداث الجسام، بلا تجربة ولا روية، ولا رجوع لأهل الفقه والرأي.

 

4- الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة، وصيام، وقراءة، وذكر، وبذل، وتضحية، وهذا مما يدعو للاغترار بهم، ولذا جاء البيان النبوي واضحا في التنبيه على هذه الصفة فيهم: (ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء) رواه مسلم.

وقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) متفق عليه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم؛ فكيف بغير الصحابة؟! ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: "فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل [أي غليظة]، ووجوههم معلمة من آثار السجود" رواه عبد الرزاق في المصنف.

 

5- سوء الفهم للقرآن: فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به، لكن دون فقه وعلم، بل يضعون آياته في غير موضعها؛ ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: (يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم)، (يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم)، (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم).

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقله، وتدبره بوقوعه في القلب".

وقال شيخ الإسلام: "وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه" مجموع الفتاوى. ‏ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين"، ذكره البخاري تعليقا.

قال ابن حجر: "كان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك" فتح الباري لابن حجر.

 

6- الكلام الحسن المنمق: فكلامهم حسن جميل، لا ينازع أحد في حلاوته وبلاغته!! فهم أصحاب منطق وجدل، يدعون لتحكيم الشريعة، وأن يكون الحكم لله، ومحاربة أهل الردة والكفر، ولكن فعالهم على خلاف ذلك!!.

كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحسنون القيل، ويسيئون الفعل)، (يتكلمون بكلمة الحق)، (يقولون من خير قول البرية). قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "أي يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس في الظاهر، مثل: إن الحكم إلا لله، ونظائره، كدعائهم إلى كتاب الله".

 

7- التكفير واستباحة الدماء: وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم؛ التكفير بغير حق، واستباحة دماء المخالفين لهم، كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) متفق عليه.

وهذا "من أعظم ما ذم به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج" مجموع الفتاوى. وسبب قتلهم لأهل الإسلام تكفيرهم لهم؛ قال القرطبي في المفهم: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين" مجموع الفتاوى. وقال: "ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها" مجموع الفتاوى.

والتكفير عند الخوارج له صور كثيرة: كتكفير مرتكب الكبيرة، أو التكفير بما ليس بذنب أصلا، أو التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة، أو بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد، أو دون التحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ولا يعذرون بجهل، ولا تأويل، ويكفرون بلازم الأقوال ومآلاتها، ويستحلون دماء من يكفرونهم دون قضاء ولا محاكمة ولا استتابة.

ولهذا قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، " فشبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه؛ من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشيء". عمدة القاري. وفي صحيح مسلم: (هم شر الخلق والخليقة)، وعند أحمد بسند جيد: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، قال ابن حجر: "وفيه أن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية" فتح الباري.

 

8- اتخاذهم شعارا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به، وقد يكون هذا الشعار في الراية، أو لون اللباس، أو هيئته، أو غير ذلك.

وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلق شعر رؤوسهم، كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سيماهم التحليق). رواه البخاري. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 497): "وهذه السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية؛ لا أن هذا وصف لازم لهم". وقال القرطبي: "(سيماهم التحليق) أي: جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا، وشعارا ليعرفوا به" المفهم.

 

والحمد لله رب العالمين

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الخوارج
اقرأ أيضا
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الثاني


إن تربية الأولاد أمانة ومسئولية لا بد من القيام بها فانظروا كم ضيع الأمانة اليوم من المسلمين كم من أولياء أمور ضيعوا الأمانات ضيعوا الأولاد ضيعوا فلذات أكبادهم أهملوا تركوهم في الشوارع يتعلمون الألفاظ القبيحة والعادات السيئة كالتدخين وغيره ويتدرجون شيئا فشيئا إلى أن يتعاطوا المخدرات ويقعوا في الفاحشة واللواط وهكذا تكون النتائج متوقعة ولا شك أنها نتيجة لهذا التضييع

بقلم: محمد المنجد
617
الإخلال بوقت الأذان | مرابط
تفريغات

الإخلال بوقت الأذان


من الناس من يؤذن قبل الوقت وخاصة في رمضان يؤذن بعضهم أذان الفجر الثاني قبل الوقت فإذا قلت له: لماذا قال لك: أذان على سبيل الاحتياط حتى يمسك الناس عن الأكل والسحور وهذا الاحتياط غلط بل لا مجال للاحتياط في هذا الباب

بقلم: سلمان العودة
366
رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم | مرابط
مقالات

رسالة إلى كل مبتلى ومصاب ومهموم


هذه رسالة جامعة من الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم يوجهها إلى كل مسلم مبتلى أو مهموم أو سقط في دوامات الحزن ولم يقدر على الخروج منها هنا تجد معالم الطريق وتتنبه إلى معاني الابتلاء وطبيعة الحياة الدنيا وتجد تعزية وتسلية على حالك وإعانة لك على الخروج

بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
1906
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
698
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1196
الاستدلال الأعمى | مرابط
فكر مقالات

الاستدلال الأعمى


لا يكفي أن تستدل بأي نص شرعي ليكون قولك موافقا للشريعة فالعبرة ليس بوجود أي استدلال بالشريعة بل يجب أن يكون هذا الاستدلال صحيحا ومستقيما وفق الأصول المنهجية الموضوعية للاستدلال فمثلا من قواعد الاستدلال المنهجي السليم: أن يكون النظر فيه شاملا لجميع النصوص والقواعد الشرعية فلا ينظر في بعض النصوص ويهمل بعضها فهذه هي البذرة التي نبتت منها ظاهرة الافتراق في الدين فأنتجت الفرق والجماعات البدعية في الفكر الإسلامي فإشكالية جميع هذه الفرق القديمة من شيعة وخوارج ومعتزلة وغيرها أنها تأخذ ببعض الشريعة...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1584