صفات الخوارج في السنة النبوية

صفات الخوارج في السنة النبوية | مرابط

الكاتب: الشيخ عمار الصياصنة

1212 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

"الخوارج" من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة، وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل، فكان لا بد من وقفة نتبين بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم، حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها.

ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج، فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح، أو حسن، وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة، والتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم؛ إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى، ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآراء والأفكار، بل يتعدى ذلك إلى سفك الدماء.

 

فمن صفاتهم الثابتة في السنة:

 

1- صغار السن: فهم في غالبهم شباب صغار، يقل بينهم وجود الشيوخ والكبار من ذوي الخبرة والتجارب، قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثاء الأسنان)، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (12/287): "‏والحدث هو الصغير السن".

 

2- الطيش والسفه: فعامة الخوارج ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخفة والاستعجال والحماس، وقصر النظر والإدراك، مع ضيق الأفق وعدم البصيرة، كما جاء في الحديث المتفق عليه: (يأتي في آخر الزمان قوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام)، والأحلام: الألباب والعقول، والسفه: الخفة والطيش. قال النووي: "يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل"، نقله عنه الحافظ في الفتح.

 

3- الغرور والتعالي: فالخوارج يعرفون بالكبر والتعالي على عباد الله، والإعجاب بأنفسهم وأعمالهم؛ ولذلك يكثرون من التفاخر بما قدموه وما فعلوه!!

قال صلى الله عليه وسلم: (إن فيكم قوما يعبدون ويدأبون، حتى يعجب بهم الناس، وتعجبهم نفوسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية) رواه أحمد بسند صحيح. ويدفعهم غرورهم لادعاء العلم، والتطاول على العلماء، ومواجهة الأحداث الجسام، بلا تجربة ولا روية، ولا رجوع لأهل الفقه والرأي.

 

4- الاجتهاد في العبادة: فهم أهل عبادة من صلاة، وصيام، وقراءة، وذكر، وبذل، وتضحية، وهذا مما يدعو للاغترار بهم، ولذا جاء البيان النبوي واضحا في التنبيه على هذه الصفة فيهم: (ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء) رواه مسلم.

وقال: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) متفق عليه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم؛ فكيف بغير الصحابة؟! ولما لقيهم عبد الله بن عباس قال: "فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل [أي غليظة]، ووجوههم معلمة من آثار السجود" رواه عبد الرزاق في المصنف.

 

5- سوء الفهم للقرآن: فهم يكثرون من قراءة القرآن والاستدلال به، لكن دون فقه وعلم، بل يضعون آياته في غير موضعها؛ ولهذا جاء وصفهم في الأحاديث: (يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم)، (يتلون كتاب الله رطبا، لا يجاوز حناجرهم)، (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم).

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقله، وتدبره بوقوعه في القلب".

وقال شيخ الإسلام: "وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه" مجموع الفتاوى. ‏ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين"، ذكره البخاري تعليقا.

قال ابن حجر: "كان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك" فتح الباري لابن حجر.

 

6- الكلام الحسن المنمق: فكلامهم حسن جميل، لا ينازع أحد في حلاوته وبلاغته!! فهم أصحاب منطق وجدل، يدعون لتحكيم الشريعة، وأن يكون الحكم لله، ومحاربة أهل الردة والكفر، ولكن فعالهم على خلاف ذلك!!.

كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحسنون القيل، ويسيئون الفعل)، (يتكلمون بكلمة الحق)، (يقولون من خير قول البرية). قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "أي يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس في الظاهر، مثل: إن الحكم إلا لله، ونظائره، كدعائهم إلى كتاب الله".

 

7- التكفير واستباحة الدماء: وهذه هي الصفة الفارقة لهم عن غيرهم؛ التكفير بغير حق، واستباحة دماء المخالفين لهم، كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) متفق عليه.

وهذا "من أعظم ما ذم به النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج" مجموع الفتاوى. وسبب قتلهم لأهل الإسلام تكفيرهم لهم؛ قال القرطبي في المفهم: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين" مجموع الفتاوى. وقال: "ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها" مجموع الفتاوى.

والتكفير عند الخوارج له صور كثيرة: كتكفير مرتكب الكبيرة، أو التكفير بما ليس بذنب أصلا، أو التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة، أو بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد، أو دون التحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع، ولا يعذرون بجهل، ولا تأويل، ويكفرون بلازم الأقوال ومآلاتها، ويستحلون دماء من يكفرونهم دون قضاء ولا محاكمة ولا استتابة.

ولهذا قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، " فشبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه؛ من شدة سرعة خروجه لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشيء". عمدة القاري. وفي صحيح مسلم: (هم شر الخلق والخليقة)، وعند أحمد بسند جيد: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، قال ابن حجر: "وفيه أن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية" فتح الباري.

 

8- اتخاذهم شعارا يتميزون به عن سائر الناس: ولهم في كل عصر وزمان شعار يتميزون به، وقد يكون هذا الشعار في الراية، أو لون اللباس، أو هيئته، أو غير ذلك.

وقد كان شعارهم في زمن علي بن أبي طالب حلق شعر رؤوسهم، كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سيماهم التحليق). رواه البخاري. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 497): "وهذه السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية؛ لا أن هذا وصف لازم لهم". وقال القرطبي: "(سيماهم التحليق) أي: جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا، وشعارا ليعرفوا به" المفهم.

 

والحمد لله رب العالمين

 


 

المصدر:

موقع الدرر السنية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الخوارج
اقرأ أيضا
نهي كراهة أم تحريم؟ | مرابط
تفريغات مقالات

نهي كراهة أم تحريم؟


لا ينبغي لك أبدا إذا سمعت النهي في كتاب الله أو في سنة الرسول.. لا ينبغي أبدا أن تقول النهي للكراهة أو للتحريم؟ بل تقول سمعنا وأطعنا.. هل الصحابة رضي الله عنهم إذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قالوا يا رسول الله النهي للتحريم أو للكراهة؟أبدا لا يقولون هذا.

بقلم: ابن عثيمين
348
سقوط الجانب الأخلاقي في الغرب | مرابط
اقتباسات وقطوف

سقوط الجانب الأخلاقي في الغرب


مقتطف من كتاب العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة لعبد الوهاب المسيري يذكر فيه أصل الإشكالية الأخلاقية في الغرب وكيف قادت النسبية المتزايدة إلى انهيار كل شيء تقريبا فالإنسان في النهاية يحتاج إلى وجود متجاوز يحتاج إلى إله فوق كل شيء وليس مثله شيء ولما تلاشت هذه الفكرة أصبح الإله الجديد هو الجسد

بقلم: عبد الوهاب المسيري
2067
المجاهرون | مرابط
تفريغات

المجاهرون


إن الله يحب الستر ويكره التحدث بالكلام الفاحش وإن مما يقع بين الرجل وامرأته مع أنه بالحلال لكن لأنه خنا فإنه لا يتحدث به لا يتحدث بأي شيء يثير الشهوات حتى مجرد ذكر الوقاع أنه قد حصل دون تفصيل إذا لم يكن له حاجة كرهه العلماء وعدوه من خوارم المروءة حتى مجرد أن يخبر أنه قد حصل بينه وبين أهله شيء لغير مصلحة شرعية فهو مكروه لأنه من خوارم المروءة

بقلم: محمد المنجد
817
من خصائص القرآن البيانية | مرابط
اقتباسات وقطوف

من خصائص القرآن البيانية


فإذا أنت لم يلهك جمال العطاء عما تحته من الكنز الدفين ولم تحجبك بهجة الأستار عما وراءها من السر المصون بل فليت القشرة عن لبها وكشفت الصدفة عن درها فنفذت من هذا النظام اللفظي إلى ذلك النظام المعنوي تجلى لك ما هو أبهى وأبهر ولقيك منه ما هو أروع وأبدع

بقلم: محمد عبد الله دراز
968
قصة العلمانية المؤسلمة | مرابط
مقالات العالمانية

قصة العلمانية المؤسلمة


يستعرض المقال عددا من الرؤى التجديدية في الفكر السياسي كما يعرضها بعض المعاصرين ويفحصها جميعا من خلال مقارنتها ب المضمون العلماني ليكشف عن وجه الاختلاف الذي تفترق فيه هذه الرؤى عن المضمون العلماني حين نفحص هذا الوعاء نجد أن المبادئ العامة أمور كلية فطرية متفق عليها بين جميع الناس فلا وجود لمنظومة فكرية ذات بال تقول إنها ترفض الحرية أو العدالة أو المساواة وإنما الخصومة والنزاع دائما في التفصيلات والتشريعات الجزئية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2409
قاعدة الجزاء والحساب ج1 | مرابط
تفريغات

قاعدة الجزاء والحساب ج1


إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما لما له من نتائج وخيمة وعواقب أليمة وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة وهنيئا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله فهو يعلم أن هدايته بيد الله وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا لأن الله هو الذي كتبه

بقلم: عمر الأشقر
851