الله جل وعلا قد خلق كل جنس ونوع على وفق مقتضى حكمته البالغة، ثم هداه لوظيفته التي تلائم ذلك الخلق، [رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ]، ومن ذلك أن الله جل وعلا خلق الرجل أقوى جسدًا وأجسر قلبًا وأشد تحملًا للمشاق، وأحسن تدبيرًا وثباتًا في مخاطر الحياة، وأعظم تغليبًا للعقل على المشاعر والانفعالات، وهذا كله يؤهله لوظيفة القوامة والحفظ والحماية والرعاية والكسب.
وفي المقابل خلق الله المرأة أرق قلبًا وألين جسدًا وأخف روحًا وأشد صبرًا، وهذا كله يؤهلها لوظيفة التربية والأمومة وإخراج الأجيال ذات النفسية المتزنة، ووظيفة تخفيف آلام الحياة، والإعانة على نوائبها، ونشر البهجة في أركانها.
ولذلك فطر الله الرجل على أن ينشد في المرأة أكثر ما ينشد = الحب والحنان والاحتمال والمواساة وشيئًا من الجنون المبهج الذي يحيي به نفسه الشاحبة، كما ينشد إظهارها للاحتماء به والحاجة إليه، وإن كان هذا لا يتعارض مع أن يطلبها عاقلة تعينه على ما ابتلاه الله به من أمر الحياة، وفطر الله المرأة على أن تنشد في الرجل أكثر ما تنشد = الشهامة والشجاعة والإقدام والاتزان والوقار وحسن التصرف والتدبير والسعي في حمايتها ورعايتها وحفظها، وإن كان هذا لا يتعارض مع أن تطلبه حاني الفؤاد واسع الصدر.
الأسرة مؤسسة اجتماعية
2- الأسرة مؤسسة اجتماعية، فيها - كأي مؤسسة - وظائف وأدوار، حقوق وواجبات، ولابد لها - كأي مؤسسة - من ربّان سفينة ومدير، له صلاحيات وعليه مسؤوليات، وهذا هو معنى القوامة، فهي من القيام على الشيء حفظًا وعناية وحماية وإصلاحًا، وتحمل مسؤوليته المادية والمعنوية، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما القوامة بالإمارة، وهذا معنى جامع، ومن فروع المشابهة بينهما أنها مغرم لا مغنم، وحزمة مسؤوليات وواجبات ثقيلة لا مجرد لقب تشريفي، ومن ذلك أنها تقتضي نوعًا من السلطان والصلاحيات والاحترام والهيبة، لكنه ليس سلطانًا مطلقًا، بل مقيد بالعدل والحق والاستعمال في الإصلاح، ومن ذلك أنها تقتضي الصبر على بعض الخطأ والبغي مع السعي في الإصلاح لأجل منع مفاسد أعظم، وهذا نفسه مما ينبغي على الرجل كذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفرَكْ – أي: لا يُبغض - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر".
الزواج عقد شرعي
3- الزواج عقد شرعي، لا علاقة عُرفية أو حكم عقلي أو قضاء قانوني وضعي، واجتماع الرجل والمرأة على ذلك العقد يقتضي إقرار كل منهما بمنظومة الحقوق والواجبات المتعلقة به كما أقرها الشرع.
حرمة إيذاء المسلم
4- الأصل في إيذاء المسلم بالقول أو الفعل أنه حرامٌ ممنوع، وهذا التحريم لا يرفعه [رفعًا مطلقًا] أي علاقة، الزوجية أو الأخوية أو الوالدية حتى، بل كل ذلك مقيّد بالقدر الذي أجازه الشرع، وبالغرض الذي أقره الشرع.
النشوز المحرم
5- النشوز المحرم ليس خاصًا بالمرأة دون الرجل، قال فقهاؤنا في تعريف النشور: "كَرَاهَةُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَسُوءُ عِشْرَتِهِ، يُقَال: نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ وَنَاشِزٌ، وَنَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، جَفَاهَا وَأَضَرَّ بِهَا"، والنشوز كله حرام، من الرجل أو المرأة، وللمرأة إذا نشز عليها زوجها أن ترفع أمره إلى ذي السلطان ليلزمه الصلاح والإصلاح، وإلا تختلع منه أو يُحكم بالتفرقة بحسب الحال، وينبغي على ذي السلطان أن ينصفها ويرفع عنها الضرر بالأسهل فالأسهل مع بذل الجهد في طلب الإصلاح.
زجر الزوجة
6- أباح الشارع للزوج زجر زوجته إذا ظهر منها أمارات النشوز، وتلك الإباحة مقيدةٌ - عند فقهائنا - بما يلي:
(أولًا): أن يظهر منها النشوز أو أماراته، وذلك بأن تعصي زوجها فيما [يجب] عليها من حقه، أو تتبرّم بذلك وتتثاقل فيه، أو تسيء الأدب معه وتنتقص منه، أما ما لا يجب عليها فلا يجوز إيذاؤها لأجله، وإنما تُدعى في ذلك إلى حُسن العشرة ومراعاة الود وبذل الفضل، بالحكمة والموعظة الحسنة.
(ثانيًا): أن يكون الزجر بالأسهل فالأسهل [وجوبًا]، على ما جاء في كتاب الله، فيبدأ الزوج بالوعظ والتذكير بالله وحقه عليها وسوء عاقبة ما تفعله، فإن رجعت المرأة عن نشوزها حرم الإيذاء بالهجر والضرب، وإلا هجرها في المضجع ما شاء من الزمان حتى ترجع، لكن مع ذلك كله لا يجوز أن يهجرها في الكلام هجرًا مطلقًا أكثر من ثلاثة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ"، ولأن المراد هو الإصلاح وحفظ الود فلا ينبغي أن تُغلق أبوابه، فإن رجعت المرأة عن نشوزها حرم إيذاؤها بالضرب، وإلا جاز للزوج أن يضربها ضربًا غير مبرح.
(ثالثًا): أن يكون نشوز الزوجة من غير ما بأس، أما إن كان زوجها ناشزًا هو الآخر لم يجز له إيذاؤها بالهجر أو الضرب أو نحو ذلك حتى يرفع ظلمه عنها ويؤدي حقها الواجب [الذي يقرره الشرع]، ويُحسن عشرتها، قال علماؤنا: "لأنه يكون ظالمًا بطلبه حقه مع منعه حقها"، فحينئذ لا يجوز الإيذاء وإنما التناصح والتواعُظ، والسعي المشترك في الإصلاح، أو التحاكم.
(رابعًا): إذا بلغ نشوز الزوجة حدًا يُباح معه للزوج أن يضربها، فهذا الضرب مقيّدٌ وجوبًا بما يلي:
- من حيث الشدة: أن يكون غير مبرّح، أي غير شديد.
- من حيث الكم: لا يزيد عن عشر ضربات.
- من حيث الأداة: جزم بعض علمائنا بأن يكون ذلك بشيء خفيف لا يؤذي، لا بخشب أو نحو ذلك، لأن الغرض هو الزجر والإصلاح لا الإيذاء.
- من حيث محل الضرب: أن يُجتنب مع ذلك الوجه أو البطن أو أي موضع يتسبب ضربه في الأذى، ويجب كذلك اجتناب مواضع الحُسن
(خامسًا): الغرض من ذلك كله الإصلاح لا مجرد الإيذاء أو الانتقام، فإن لم ينصلح الحال بما سبق فليس للزوج أن يزيد، لكن يطلقها أو يهجرها إن شاء.
الأولى ترك الضرب
7- قال علماؤنا: الأولى مع ذلك كله ترك الضرب إبقاءً للمودة، وكان الأصل المأمور به شرعًا هو الامتناع عن ضرب النساء مطلقًا، ثم رخّص النبي صلى الله عليه وسلم في الضرب [المشروع غير المبرّح للأسباب المشروعة]، فلما اشتكى بعض النساء من ضرب أزواجهن لهن قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقَد طافَ بآلِ محمَّدٍ نِساءٌ كثيرٌ يَشكونَ أزواجَهُنَّ، ليسَ أولئِكَ بخيارِكُم".
لا تغضبي زوجك
8- قال علماؤنا: كما ينبغي على المرأة أن لا تُغضب زوجها، وعلى الرغم من أن حقه عليها أعظم = فينبغي عليه مداراتها وبذل الوسع في التغافل، ويتأكد ذلك إذا علم أن فيها خيرًا، وقالوا: َيَلْزَمُ [كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا] مُعَاشَرَةَ الْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ:
● مِنْ الصُّحْبَةِ الْجَمِيلَةِ
● وَكَفِّ الْأَذَى
● وَأَنْ لَا يَمْطِلَهُ بِحَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ
● وَلَا يُظْهِرَ الْكَرَاهَةَ لِبَذْلِهِ بَلْ بِبِشْرٍ وَطَلَاقَةٍ
● وَلَا يَتْبَعَهُ مِنَّةً وَلَا أَذًى.
وَيُسَنُّ لِكُلِّ مِنْهُمَا تَحْسِينُ الْخُلُقِ لِصَاحِبِهِ وَالرِّفْقِ بِهِ وَاحْتِمَالِ أذَاهُ!