عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2115 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ثانيًا: وقوع الحروب في الغرب وشيوع التخنث، عصر الرفاه:

 

ذاك عامل من العوامل التي فكرت فيها، يحتاج مني دراسة أوسع وأضخم، ليس ها هنا محلها، كما أنه قد يشكل عليه كذلك ببعض ما يطيل الرد عليه، لكننا نذكره مختصرًا.

خلاصة هذا العامل، في رأيي: أن إيقاف الحروب وانتشار الترف والرفاه في الأمة، يُشجّع على ظهور أجيال، رجالها أكثر ابتعادا عما يشد عودهم، ويقوي نفوسهم، ونساؤهم أكثر تسلطا على الرجال، وأكثر اعتقادا بأن لا فارق حقيقي بين الجنسين؛ فالكل في الدعة سواء = وهذا يؤدي بالتالي إلى انتشار قيم التخنث في المجتمع، وكذا أفكار النسوية.
 
ولعل هذا يُفسِّر سبب الشيوع الضخم الحالي لأفكار النسوية واللوطية، والذي إذا تتبعته وجدته يكاد يتمركز في دول الرفاهية، دول الغرب التي أوقفت الحروب فيما بين بعضها البعض بعد الحرب العالمية الثانية وظهور القنبلة النووية بشكل خاص، وطوال ما يقارب القرن حاليا، وهو حدث غير مسبوق بتلك الصورة في تاريخ الإنسانية عامة؛ فحسب تلك الرؤية التي تنبّه للربط بين وقف الحروب وشيوع قيم الترف والرفاه في المجتمع، وبين شيوع قيم التخنث والتنسون = يكون تفسير الصعود غير المسبوق للوطية والنسوية، هو الوقف غير المسبوق للحروب.
 
وإذا صح ذلك العامل، يكون أثره على العالم الإسلامي، الواقع في الاحتلال الناعم، الخفي، احتلال الوكالات، فادح الضرر = فإن كان الغرب قد أوقف الحروب وأشاع قيم الرفاه المجتمعي، فقد حدث هذا بعد سيادته وحيازته كافة أسباب القوة؛ أما الشرق المسلم فهو يشيع قيم الغرب بآلة العولمة خاصة، بينما هو غارق في التبعية والضعف.
 
وقد يرد على ذلك العامل إشكالين: الأول، أن اللوطية وُجدت في مجتمع الساموراي المقاتل العسكري، وكذا في الحضارة الإغريقية العسكرية ثم الرومانية، حتى قيل بأن الإسكندر المقدوني كان يلوط، وقيل على يوليوس قيصر أنه رجل كل امرأة، وامرأة كل رجل، كما كان ديّوثًا يأخذ زوجات قياداته، ولا يغار إن فعلت زوجته المثل = ومع هذا كان من أقوى العسكريين في التاريخ كذلك قد يقال أن الغرب بنسويّته ولوطيته يزداد قوة وسيطرة، بينما الشرق المسلم يزداد ضعفا وتبعية، فلو حدث الربط يلزم من ذلك أن اللوطية والنسوية صنعا أكبر قوة عسكرية في التاريخ.
 
ومثل تلك الإشكالات تحتاج، كما أوضحت، لاستعراض وبحث طويل، لكنني لا أتركها دون رد موجز عليها، فأقول: أن الاستشهاد بالساموري وكافة النماذج التي جمعت بين اللوطية والتخنث وبين القوة العسكرية، هو استشهاد بالشاذ النادر في التاريخ الإنساني على قاعدة عامة، كما أن الإمبراطورية الرومانية ظلت حضارة عسكرية تهتم بقيم الأسرة حال صعودها وإن انحدرت في أعصرها المتأخرة مع اضمحلال أخلاقيات المجتمع كله، وقد تنبه لذلك الإمبراطور الروماني أغسطس، وحاول إعادة الحياة الاجتماعية الرومانية إلى صوابها بقوانينه الشهيرة التي بقيت حتى بداية العصر المسيحي، وفيها حرّم الزنا والفجور، وسمح للأب بقتل ابنته الزانية، بل وقتل شريكها معها، وكذلك سمح للزوج بقتل زوجته وعشيقها، وشجع على الزواج، بعدما كان مهجورا في الطبقات المترفة العليا تحديدًا، وأعطى مكافآت لمن يتزوج.
 
فالقول بأن الحضارة الرومانية كانت حضارة خنا وفجور وزنا ولوطية، غير صحيح بذاك الإطلاق؛ فهي لم تكن كذلك حال صعودها، وارتبط انتشار ذلك ببدء الاضمحلال وإن ظل لقرون، وقد انتبه أمثال أغسطس لوجوب استعادة لحظة الصعود بإنهاء مظاهر الفجور المجتمعي.
 
أما اليابان فقد شهدت صعودها الأكبر في عصر سادت فيه قيم الصلاح المجتمعي، النصف الأول من القرن العشرين، وقد ظلت قيم الأسرة والفضيلة هي السائدة دائمًا في المجتمع الياباني وإن شوشها عدم تحريم اللواط والنظر إليه باعتباره آلية لتوثيق الروابط بين بعض الرجال. وهذا كله مع ملاحظة أن الربط حقيقة هو بين آثار وقف الحرب، وشيوع قيم الفجور والزنا والنسوية واللوطية، لا بين العسكرية مطلقا، وبين اللواط والزنا.
 
وعليه يكون القول بأن القيم المجتمعية الغربية، مع انتشار اللوطية والنسوية، هي أقوى من القيم المجتمعية الإسلامية المعاصرة = زعم فارغ، ويطول الرد عليه، هذا والشرق المسلم الضعيف المنهار عسكريًا، لا يمثل إلا القليل من قيم الإسلام الكبرى.
 
كما أن القول بأن الحضارة الغربية قد صعدت إلى الريادة بالنسوية واللوطية، هو محض خرف وجهل = بل صعدت الحضارة الغربية إلى المقدمة وسحقت الجميع، في القرون الخمسة الأخيرة، ولم تسُد فيها قيم النسوية واللوطية إلا في القرن الأخير وحده، وهو في الحقيقة عصر حفاظ على السيادة بإفقار العالم وتمكين الغرب من رقابه = فلا يُقال بأن لزوم ربط اضمحلال الحروب باللوطية والنسوية، يعني صحة موقف الغرب، بل العكس هو الصحيح، إذ أن عصور ظهوره وصعوده وسيادته وتمكّنه كانت أعصر قيم الأسرة وبقايا المسيحية من كراهية اللواط وتحريمه هو والزنا، قبل أن تنتصر قيم الأديان العلمانية وتصبح الأقوى والأسود في مركبات أديان الدولة الغربية

 

ثالثًا: انتشار الإتخام من الجنس

 

وذاك عامل آخر، نوقش في الأدبيات الإسلامية من قبل، وخلاصته أن الانفتاح الجنسي يدفع للتخمة من الجنس الطبيعي، ويوجه الإنسان، بطبيعته الإنسانية الشرهة، إلى أشكال مختلفة للمتع الجنسية؛ وهنا تكون اللوطية شكل من أشكال الاستزادة وإشباع الشره.
 
وقد يعزز هذا العامل وقبوله أن اللواط ارتبط انتشاره في العصر الإسلامي بحركة الاستزادة من الرقيق بصورة كبيرة، وانتهاء المشكلة الجنسية الطبيعية من المجتمع سواء بتعدد الزوجات أو بالرقيق، وهذا كله، وإن لم يكن هو العامل الأوحد لظهور اللواط في المجتمع حينها، إلا أنه كان من الأسباب بلا شك.
 
كذلك نلحظ أن الصعود اللوطي في العصر الحديث مرتبط بعصر الثورة الجنسية، كما ذكرنا قبلًا، وقد انتشر اللواط بكثافة أكبر مع حالة الفوضى الجنسية (فوضى الحب) وإتخام الناس بالمحتوى الجنسي الطبيعي، حتى أن أثر الأفلام الجنسية، صناعة البورن، في الأشخاص الذين لا يمارسون الجنس، صار صانعا للتخمة من الصور الطبيعية للجنس كذلك، فنجد حتى الإنسان الذي لم يمارس الجنس في حياته، يتوجه لرؤية المزيد من الأشكال غير الطبيعية والشاذة من الجنس، وهو ما رأينا مشاكله وآثاره بعد الزواج، إذ لا يكتفي ولا يرضى.
 
فالتخمة من الجنس، ألعن أثرا في المجتمع، وأقوى على نشر اللوطية فيه، من الكتب، الذي قد يدفع للوطية من اتجاه آخر، اتجاه البحث الجنسي عن العزيز المفقود، أي الجنس الآخر، في الجنس المتاح للمخالطة = وكلاهما تطرف وسوء.

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الجندرية

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الأول


النسبوية وإن كانت فلسفة قائمة بذاتها إلا أنها أيضا عماد نظريات ما بعد الحداثة وأثرها عارم في مئات الأفكار الغربية والعالمية وفي اليسار الليبرالي خاصة وسنتخير الحديث عما يوضحها لنا كموثر على المسار الفلسفي اللوطي موضحين كيف كانت تلك الفلسفة أحد أسس التكوين

بقلم: عمرو عبد العزيز
2240
قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام | مرابط
فكر مقالات

قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام


هل كان يدور بخلد الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي ت684 ه أن اسمه سيتردد بعد وفاته بقرون في محاولة التلفيق بين النظام السياسي الإسلامي والعلمانيهل كان القرافي يريد في حديثه عن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة والقضاء ما ذكره بعض المعاصرين عنه أن دليل على أن الأحكام الشرعية السياسية تصرفات غير ملزمة وإنما هي مرتبطة بالأئمة يقيمونها بحسب الأصلح

بقلم: فهد بن صالح العجلان
751
من ذكريات الحج | مرابط
مقالات

من ذكريات الحج


ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار حتى يدور دورته في القلب مجتمعا وفي الرئة منتشرا فيصفو بعد العكر وينقى من الوضر ويعود في الشرايين دما أحمر جديدا بعد أن كان في الأوردة دما أسود فاسدا كذلك الحج يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة أفرادا ثم ينتظمون جماعات ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات وتنقى أوضار الذنوب ويعودون إلى بلادهم أطهارا قد استبدلوا بتلك النفوس نفوسا جديدة كأنها م...

بقلم: علي الطنطاوي
689
موانع قبول الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

موانع قبول الحق


مقتطف رائع لابن قيم الجوزية من كتاب هداية الحيارى يشير فيه إلى موانع قبول الحق التي تحول بين الشخص وبين الانقياد للحق حتى لو أنه ليس جاهلا به فهناك الكثير من المحاور الأخرى أو الأسباب الأخرى التي تمنع ذلك وهنا يستعرضها لنا بشكل دقيق

بقلم: ابن القيم
2158
قواعد في التربية | مرابط
تفريغات ثقافة

قواعد في التربية


وأما المهتدون حقا فيؤمنون بالله على بصيرة ويستعلون على أديان الباطل -وعلى رأسها الأنسنة الجاهلية- بوعي.. ويقول كل منهم: إني آمنت بربكم فاسمعون .. لا يجملون بشاعة الشرك بفضيلة ولا يطمسون نور التوحيد عن حرج!

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
313
المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج3 | مرابط
تفريغات العالمانية

المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج3


ومن الأهداف التي حققها الاستعمار القضاء على التعليم الإسلامي وإيجاد معاهد بديلة عنه تدرس الفكر الأوروبي والفكر العلماني الجديد الذي صار في أوروبا وقصة هذا الموضوع أيضا طويلة لقد وضعوا خططا لذلك مثل: خطة دلوب مثلا في مصر وغيرها وأتوا بجامعات مثل: الجامعة الأمريكية في لبنان وغيرها وأرادوا تربية أكبر عدد من أجيال المسلمين على هذه المبادئ وعلى هذه الأفكار الباطلة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
644