عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

2197 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

ثانيًا: وقوع الحروب في الغرب وشيوع التخنث، عصر الرفاه:

 

ذاك عامل من العوامل التي فكرت فيها، يحتاج مني دراسة أوسع وأضخم، ليس ها هنا محلها، كما أنه قد يشكل عليه كذلك ببعض ما يطيل الرد عليه، لكننا نذكره مختصرًا.

خلاصة هذا العامل، في رأيي: أن إيقاف الحروب وانتشار الترف والرفاه في الأمة، يُشجّع على ظهور أجيال، رجالها أكثر ابتعادا عما يشد عودهم، ويقوي نفوسهم، ونساؤهم أكثر تسلطا على الرجال، وأكثر اعتقادا بأن لا فارق حقيقي بين الجنسين؛ فالكل في الدعة سواء = وهذا يؤدي بالتالي إلى انتشار قيم التخنث في المجتمع، وكذا أفكار النسوية.
 
ولعل هذا يُفسِّر سبب الشيوع الضخم الحالي لأفكار النسوية واللوطية، والذي إذا تتبعته وجدته يكاد يتمركز في دول الرفاهية، دول الغرب التي أوقفت الحروب فيما بين بعضها البعض بعد الحرب العالمية الثانية وظهور القنبلة النووية بشكل خاص، وطوال ما يقارب القرن حاليا، وهو حدث غير مسبوق بتلك الصورة في تاريخ الإنسانية عامة؛ فحسب تلك الرؤية التي تنبّه للربط بين وقف الحروب وشيوع قيم الترف والرفاه في المجتمع، وبين شيوع قيم التخنث والتنسون = يكون تفسير الصعود غير المسبوق للوطية والنسوية، هو الوقف غير المسبوق للحروب.
 
وإذا صح ذلك العامل، يكون أثره على العالم الإسلامي، الواقع في الاحتلال الناعم، الخفي، احتلال الوكالات، فادح الضرر = فإن كان الغرب قد أوقف الحروب وأشاع قيم الرفاه المجتمعي، فقد حدث هذا بعد سيادته وحيازته كافة أسباب القوة؛ أما الشرق المسلم فهو يشيع قيم الغرب بآلة العولمة خاصة، بينما هو غارق في التبعية والضعف.
 
وقد يرد على ذلك العامل إشكالين: الأول، أن اللوطية وُجدت في مجتمع الساموراي المقاتل العسكري، وكذا في الحضارة الإغريقية العسكرية ثم الرومانية، حتى قيل بأن الإسكندر المقدوني كان يلوط، وقيل على يوليوس قيصر أنه رجل كل امرأة، وامرأة كل رجل، كما كان ديّوثًا يأخذ زوجات قياداته، ولا يغار إن فعلت زوجته المثل = ومع هذا كان من أقوى العسكريين في التاريخ كذلك قد يقال أن الغرب بنسويّته ولوطيته يزداد قوة وسيطرة، بينما الشرق المسلم يزداد ضعفا وتبعية، فلو حدث الربط يلزم من ذلك أن اللوطية والنسوية صنعا أكبر قوة عسكرية في التاريخ.
 
ومثل تلك الإشكالات تحتاج، كما أوضحت، لاستعراض وبحث طويل، لكنني لا أتركها دون رد موجز عليها، فأقول: أن الاستشهاد بالساموري وكافة النماذج التي جمعت بين اللوطية والتخنث وبين القوة العسكرية، هو استشهاد بالشاذ النادر في التاريخ الإنساني على قاعدة عامة، كما أن الإمبراطورية الرومانية ظلت حضارة عسكرية تهتم بقيم الأسرة حال صعودها وإن انحدرت في أعصرها المتأخرة مع اضمحلال أخلاقيات المجتمع كله، وقد تنبه لذلك الإمبراطور الروماني أغسطس، وحاول إعادة الحياة الاجتماعية الرومانية إلى صوابها بقوانينه الشهيرة التي بقيت حتى بداية العصر المسيحي، وفيها حرّم الزنا والفجور، وسمح للأب بقتل ابنته الزانية، بل وقتل شريكها معها، وكذلك سمح للزوج بقتل زوجته وعشيقها، وشجع على الزواج، بعدما كان مهجورا في الطبقات المترفة العليا تحديدًا، وأعطى مكافآت لمن يتزوج.
 
فالقول بأن الحضارة الرومانية كانت حضارة خنا وفجور وزنا ولوطية، غير صحيح بذاك الإطلاق؛ فهي لم تكن كذلك حال صعودها، وارتبط انتشار ذلك ببدء الاضمحلال وإن ظل لقرون، وقد انتبه أمثال أغسطس لوجوب استعادة لحظة الصعود بإنهاء مظاهر الفجور المجتمعي.
 
أما اليابان فقد شهدت صعودها الأكبر في عصر سادت فيه قيم الصلاح المجتمعي، النصف الأول من القرن العشرين، وقد ظلت قيم الأسرة والفضيلة هي السائدة دائمًا في المجتمع الياباني وإن شوشها عدم تحريم اللواط والنظر إليه باعتباره آلية لتوثيق الروابط بين بعض الرجال. وهذا كله مع ملاحظة أن الربط حقيقة هو بين آثار وقف الحرب، وشيوع قيم الفجور والزنا والنسوية واللوطية، لا بين العسكرية مطلقا، وبين اللواط والزنا.
 
وعليه يكون القول بأن القيم المجتمعية الغربية، مع انتشار اللوطية والنسوية، هي أقوى من القيم المجتمعية الإسلامية المعاصرة = زعم فارغ، ويطول الرد عليه، هذا والشرق المسلم الضعيف المنهار عسكريًا، لا يمثل إلا القليل من قيم الإسلام الكبرى.
 
كما أن القول بأن الحضارة الغربية قد صعدت إلى الريادة بالنسوية واللوطية، هو محض خرف وجهل = بل صعدت الحضارة الغربية إلى المقدمة وسحقت الجميع، في القرون الخمسة الأخيرة، ولم تسُد فيها قيم النسوية واللوطية إلا في القرن الأخير وحده، وهو في الحقيقة عصر حفاظ على السيادة بإفقار العالم وتمكين الغرب من رقابه = فلا يُقال بأن لزوم ربط اضمحلال الحروب باللوطية والنسوية، يعني صحة موقف الغرب، بل العكس هو الصحيح، إذ أن عصور ظهوره وصعوده وسيادته وتمكّنه كانت أعصر قيم الأسرة وبقايا المسيحية من كراهية اللواط وتحريمه هو والزنا، قبل أن تنتصر قيم الأديان العلمانية وتصبح الأقوى والأسود في مركبات أديان الدولة الغربية

 

ثالثًا: انتشار الإتخام من الجنس

 

وذاك عامل آخر، نوقش في الأدبيات الإسلامية من قبل، وخلاصته أن الانفتاح الجنسي يدفع للتخمة من الجنس الطبيعي، ويوجه الإنسان، بطبيعته الإنسانية الشرهة، إلى أشكال مختلفة للمتع الجنسية؛ وهنا تكون اللوطية شكل من أشكال الاستزادة وإشباع الشره.
 
وقد يعزز هذا العامل وقبوله أن اللواط ارتبط انتشاره في العصر الإسلامي بحركة الاستزادة من الرقيق بصورة كبيرة، وانتهاء المشكلة الجنسية الطبيعية من المجتمع سواء بتعدد الزوجات أو بالرقيق، وهذا كله، وإن لم يكن هو العامل الأوحد لظهور اللواط في المجتمع حينها، إلا أنه كان من الأسباب بلا شك.
 
كذلك نلحظ أن الصعود اللوطي في العصر الحديث مرتبط بعصر الثورة الجنسية، كما ذكرنا قبلًا، وقد انتشر اللواط بكثافة أكبر مع حالة الفوضى الجنسية (فوضى الحب) وإتخام الناس بالمحتوى الجنسي الطبيعي، حتى أن أثر الأفلام الجنسية، صناعة البورن، في الأشخاص الذين لا يمارسون الجنس، صار صانعا للتخمة من الصور الطبيعية للجنس كذلك، فنجد حتى الإنسان الذي لم يمارس الجنس في حياته، يتوجه لرؤية المزيد من الأشكال غير الطبيعية والشاذة من الجنس، وهو ما رأينا مشاكله وآثاره بعد الزواج، إذ لا يكتفي ولا يرضى.
 
فالتخمة من الجنس، ألعن أثرا في المجتمع، وأقوى على نشر اللوطية فيه، من الكتب، الذي قد يدفع للوطية من اتجاه آخر، اتجاه البحث الجنسي عن العزيز المفقود، أي الجنس الآخر، في الجنس المتاح للمخالطة = وكلاهما تطرف وسوء.

 


 

المصدر:

  1. عمرو عبد العزيز، دين المؤتفكات
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
وصايا للآباء | مرابط
تفريغات

وصايا للآباء


هذه وصية إلى والدين إلى أبوين حليمين كريمين إلى أب يخاف الله ويتقيه ويعلم أنه مسئول بين يديه وملاقيه وإلى أم تخاف ربها وترعى صغيرها وتكرم بعلها إلى أم صالحة مصلحة هادية مهدية ما أمست ولا أصبحت إلا هدت ودلت وأرشدت

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
454
دعاة تحرير المرأة | مرابط
تفريغات المرأة

دعاة تحرير المرأة


قاسم أمين صاحب الدعوة الباطلة المنحرفة لما جاء بدعوى تحرير المرأة أخذ يدعو إلى باطله السنوات الطوال حتى حصل على مراده في تغيير البنية الاجتماعية بعد سنة ثمانية وعشرين وإلى الآن ما زلنا نتجرع غصص هذا التحرر وهذا الكتاب والتوصيات فهذا صاحب دعوة باطلة فكيف بدعوة الحق فكن طويل النفس ولا تكن مستعجلا تنظر تحت قدمك سيأتيك الفرج لو صدقت النية

بقلم: أبو إسحق الحويني
676
كن طبيبا لنفسك | مرابط
اقتباسات وقطوف

كن طبيبا لنفسك


اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه لم يحسن أن يؤدب نفس غيره. واعلموا أن من لم يعرف ما لله عزوجل عليه في نفسه مما أمر به ونهاه عنه ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده وقد أخذ الله عزوجل عليه تعليمهم ما جهلوه؟! وما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه وعلم ما أمره الله عزوجل به وما نهاه عنه وصبر على مخالفة نفسه واستعان بالله العلي العظيم.

بقلم: الآجري
254
في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير | مرابط
اقتباسات وقطوف

في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير


والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان التفسير والتحريف فتأويل التفسير هو الحق وتأويل التحريف هو الباطل فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها وتارة يكون بإنكار المسمى بها وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا

بقلم: ابن القيم
834
حقوق الإنسان ونسبية الأخلاق عند عدنان إبراهيم | مرابط
فكر مقالات مناقشات

حقوق الإنسان ونسبية الأخلاق عند عدنان إبراهيم


وفي القرون السالفة كان نمط الأفكار والتقنية الصناعية بما تفرزه من حربية واتصالات بدائية تمنع من اعتبار العبيد طبقة ذات بال إنهم يجدون أن من الإحسان عدم إطلاقهم أحيانا في ظل صعوبة الاندماج في المجتمع هدى شعراوي تذكر في مذكراتها أن الجواري كن يبكين إن قيل لهن سنطلق سراحكن فتقول: الجواري عندما تعطي لهن ورقة العتق من الرق كن يبكين على حياة العبودية والأسر ماذا سيعملن أين سيبتن كأن الأمر أشبه بإلقائهن إلى المجهول كان من قمة الإحسان إلى الأمة جعل عتقها مهرها ويزوجها لسنفه موفرا عليها الاستغلال في...

بقلم: يوسف سمرين
1349
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج1 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج1


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
938