مناظرة أحمد مع المعتزلة

مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط

الكاتب: سليمان بن عبد الله السجزي

4757 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

عَنْ سليمان بْن عَبْدِ اللَّهِ السجزي قَالَ: أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا عَلَى بابه كيوم العيد فدخلت الدار فرأيت بساطا مبسوطا وكرسيا مطروحا فوقفت بإزاء الكرسي فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل فجلس عَلَى الكرسي ونزع نعله من رجله ووضع رجلا عَلَى رجل ثم قَالَ يحضر أَحْمَد بن حنبل فأحضر فلما وقف بين يديه وسلم عليه
 
وقال له: يا أَحْمَد تكلم ولا تخف
 
فقال أَحْمَد: والله يا أمير المؤمنين لقد دخلت عليك وما فِي قلبي مثقال حبة من الفزع
 
فقال له المعتصم: ما تقول فِي القرآن؟
 
فقال: كلام اللَّه قديم غير مخلوق قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ".
 
فقال له عندك حجة غير هذا؟
 
فقال: أَحْمَد نعم يا أمير المؤمنين قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ "الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ" ولم يقل الرحمن خلق القرآن وقوله عَزَّ وَجَلَّ "يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" ولم يقل يس والقرآن المخلوق.
 
فقال المعتصم: احبسوه..
 
فحبس وتفرق الناس فلما أصبحت قصدت الباب فأدخل الناس فدخلت معهم فأقبل المعتصم وجلس عَلَى كرسيه فقال هاتوا أَحْمَد بن حنبل فجيء به فلما أن وقف بين يديه قَالَ له المعتصم: كيف كنت يا أَحْمَد فِي محبسك البارحة؟
 
فقال: بخير والحمد اللَّه إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين فِي محبسك أمرًا عجبا قَالَ له ما رأيت قَالَ قمت فِي نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين فقرأت فِي ركعة الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وفي الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ثم جلست وتشهدت وسلمت ثم قمت فكبرت وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ وأردت أن أقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلم أقدر ثم أجتهد أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر فممدت عيني فِي زاوية السجن فإذا القرآن مسجى ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته
 
فقال له: ويلك يا أَحْمَد والقرآن يموت؟
 
فقال له أَحْمَد: فأنت كذا تقول إنه مخلوق وكل مخلوق يموت.
 
فقال المعتصم: قهرنا أَحْمَد قهرنا أَحْمَد.
 
فقال ابن دؤاد وبشر المريسي: اقتله حتى نستريح منه.
 
فقال: إني قد عاهد اللَّه أن لا أقتله بسيف ولا آمر بقتله بسيف.
 
فقال له ابن أبي دؤاد: اضربه بالسياط.
 
فقال: نعم، ثم قَالَ: أحضروا الجلادين فأحضروا، فقال المعتصم لواحد منهم: بكم سوط تقتله؟
 
فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين
 
فقال: خذه إليك
 
قَالَ سليمان السجزي: فأخرج أَحْمَد بن حنبل من ثيابه وائتزر بمئزر من الصوف وشد فِي يديه حبلان جديدان وأخذ السوط فِي يده وقال اضربه يا أمير المؤمنين.
 
فقال المعتصم: اضرب، فضربه سوطا
 
فقال أَحْمَد: الحمد لله، وضربه ثانيا فقال: ما شاء اللَّه كان، فضربه ثالثًا فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل ويريد أن يسقط فرفع رأسه نحو السماء وحرك شفتيه وإذا الأرض قد انشقت وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
 
فلما أن نظر المعتصم إلى ذلك قَالَ: حلوه فتقدم إليه ابن أبي دؤاد وقال له: يا أَحْمَد قل فِي أذني إن القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة.
 
فقال له أَحْمَد: يا ابن أبي دؤاد قل فِي أذني إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق حتى أخلصك من عذاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
 
فقال المعتصم: أدخلوه الحبس
 
قال سليمان: فحُمل إلى الحبس، وانصرف الناس، وانصرفت معهم.. فلما كان الغد أقبل الناس، وأقبلت معهم، فوقفت بإزاء الكرسي، فخرج المعتصم، وجلس على الكرسي، وقال: هاتوا أحمد بن حنبل.. فجيء به.
 
فلما وقف بين يديه، قال المعتصم: كيف كنت في محبسك الليلة يا ابن حنبل؟  
 
قال: كنت بخير والحمد لله
 
فقال: يا أحمد، إني رأيت البارحة رؤيا
 
قال: وما رأيت يا أمير المؤمنين؟
 
قال: رأيت في منامي كأن أسدين قد أقبلا إليّ وأرادا أن يفترساني، وإذا ملكان قد أقبلا ودفعاهما عني، ودفعا إلي كتابًا. وقالا لي: هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل في محبسه.. فما الذي رأيت يا ابن حنبل؟
 
فأقبل أحمد على المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، فالكتاب معك؟
 
قال: نعم، وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه.
 
فقال له أحمد: يا أمير المؤمنين، رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، وهو يحاسبهم، فبينما أنا قائم إذ نودي بي، فقدمت حتى وقفت بين يدي الله عز وجل، فقال لي: يا أحمد، فيم ضربت؟ فقالت: من جهة القرآن، فقال لي: وما القرآن؟ فقلت: كلامك اللهم لك. فقال لي: ومن أين قلت هذا؟ فقلت: يا رب حدثني عبد الرزاق.
 
فنودي بعبد الرزاق، فجيء به، حتى أقيم بين يدي الله عز وجل، فقال له: ما تقول في القرآن يا عبد الرزاق؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل: من أين قلت هذا؟ فقال: حدثني معمر.. فنودي بمعمر، فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز جل: ما تقول في القرآن يا معمر؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال له: من أين قلت هذا؟ فقال معمر: حدثني الزهري
 
فنودي بالزهرئ فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا زهري، ما تقول في القرآن؟ فقال الزهري: كلامك اللهم لك، فقال: يا زهري من أين لك هذا؟ قال: حدثني عروة. فجيء به، فقال: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال له: يا عروة من أين لك هذا؟ فقال: حدثتني عائشة بنت أبي بكر الصديق.
 
فنوديت عائشة، فجيء بها، فوقفت بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل لها: يا عائشة ما تقولين في القرآن؟ فقالت: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل لها: من أين لك هذا؟ قالت: حدثني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
 
فنودي بمحمد صلى الله عليه وسلم، فجيء به، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل: يا محمد، ما تقول في القرآن؟ فقال له: كلامك اللهم لك. فقال الله له: من أين لك هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثني به جبريل.
 
فنودي جبريل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: يا جبريل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال: هكذا حدثني إسرافيل. فنودي بإسرافيل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله سبحانه: يا إسرافيل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال له: ومن أين لك هذا؟ فقال إسرافيل: رأيت ذلك في اللوح المحفوظ.
 
فجيء باللوح المحفوظ، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: أيها اللوح، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال اللوح: كذا جرى القلم عليّ. فأتي بالقلم حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا قلم، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله: من أين لك هذا؟ فقال القلم: أنت نطقت وأنا جريت.
 
فقال الله عز وجل: صدق القلم، صدق اللوح، صدق إسرافيل، صدق جبريل، صدق محمد، صدقت عائشة، صدق عروة، صدق الزهري، صدق معمر، صدق عبد الرزاق، صدق أحمد بن حنبل: القرآن كلامي غير مخلوق.
 
قال سليمان السجزي: فوثب عند ذلك المعتصم، وقال: صدقت يا ابن حنبل، وتاب المعتصم، وأمر بضرب رقبة بشر المريسي وابن دؤاد، وأكرم أحمد بن حنبل، وخلع عليه، فامتنع من ذلك فأمر به فحمل إلى بيته

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الدعاء والتقرب إلى الله | مرابط
اقتباسات وقطوف

الدعاء والتقرب إلى الله


مقتطف من الفتاوى السعدية للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي يعلق فيه على الدعاء وكيف أن العبد يجب أن يقصد به التقرب إلى الله بجانب رغبته في حصول مطلوب أو دفع مرهوب فالدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها من الله بل هو مخ العبادة وخلاصتها كما يقول

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
506
القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات العالمانية

القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الأول


عندما يجري الحديث عن القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي فإن الأمر يتجاوز الحديث عن وقائع معينة تمت روايتها وتدوينها في كتب التاريخ ليجري الحديث عن الأرضية التي يجري على أساسها تحليل واستنباط النتائج من الوقائع كما أن هذا يشمل المنهج المتبع في التحقق من تلك الوقائع إنه في المقام الأول حديث عن فلسفة التاريخ عن المنهج الذي يسلكه المحلل في قراءته وتوظيفه للأحداث التاريخية في نسقه التحليلي قبل المنهج المتبع في التحقق من صدق الرواية التاريخية

بقلم: يوسف سمرين
1181
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2292
هل يخشى المسلمون الموت | مرابط
اقتباسات وقطوف

هل يخشى المسلمون الموت


مقتطفات من كتاب وطن الراشدين للكاتب عمرو عبد العزيز وهو من أهم مؤلفات الكاتب ويقدم فيه كما ذكر تصورا مبدأيا عن كليات عدة قضايا معاصرة يتوجب على كل مسلم تكوين تصور عنها مع التزام بإعادة ضبط النغمة السياسية والمجتمعية والمفاهيمية إلى الحالة الأولى لدولة الخلفاء الراشدين العظمى

بقلم: عمرو عبد العزيز
1936
العقل والغيبيات | مرابط
فكر

العقل والغيبيات


أرسل إلي أحد الأصدقاء هذا السؤال: جملة العقل لا يدخل في الغيبيات هل هي هكذا صحيحة على إطلاقها؟ وما التفصيل؟ إليكم الرد

بقلم: د. سلطان العميري
154
خطر البدعة وأهلها | مرابط
تفريغات

خطر البدعة وأهلها


ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم كما قال تبارك وتعالى:ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمالنحل:25 إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان وإنما هو استحسان شيء ظنه قربة إلى الله عز وجل لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرا إلا أن تكون مشروعة

بقلم: أبو إسحق الحويني
545