من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير

من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير | مرابط

الكاتب: د إسماعيل عرفة

431 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

من أجل استمرار تدفق اللايكات إلى حسابك، أو في سبيل أن تصبح إنسانا عاديا في 2020م، ينبغي عليك أن تتايع التريندات أولا بأول، أو تطور أجهزتك الإلكترونية باستمرار، أو أن تقرأ المنشورات الحديثة للشخصيات والصفحات المشهورة يشكل يومي، نحن نعيش في حالة مجنونة من السرعة، كل لحظة هناك شيء جديد وأمر متغير.

يقول ثيودور زورن، أستاذ التواصل المؤسسي بجامعة نورث كارولينا: إننا جيل نقدس التغيير، ننفق عشرات الثواني والدقائق والساعات في هوس البحث عما هو جديد، وصرنا كائنات تعبد السرعة: القهوة الفورية، الحميمية الفورية، الفيديو الفوري، والإشباع الفوري لاحتياجاتنا. نريد أن ننجز كل شيء في أسرع وقت.

هذه الحالة من التغير المستمر أصبحت هوسا لدينا: هوس التصفح عن الجديد، هوس البحث عن الإثارة، هوس السخرية من كل شيء من أجل إضافة لمسة جديدة، هوس السفر وتغيير محل الإقامة، هوس التقاط السيلفي الأمثل في النزهة أو في البيت.. لقد أصبح التغيير قيمة بذاتها نسعى إليها كل دقيقة.

أما على الناحية الأخرى، فإن التركيز والثبات والروتين فهي أمور، حسنا، مملة، لنكن واقعيين أمام أنفسنا. يقول زورن: (هوس التغيير أصبح سريعا جدا وساخنا جدا وغير عقلاني بالمرة لدرجة أننا بالكاد نمتلك وقتا للتفكر في حياتنا وللتأمل في المعاني العميقة للمفاهيم التي نؤمن بها... ورغم أننا لا ندرك ذلك لكن يصبح التغيير مشكلة عندما يصبح التغيير هدفا من أجل التغيير لا وسيلة لأجل شيء آخر، هذا العائم السريع لا يعطيئا وقتا لملاحظة مقدار الحياة التي نفقدها بسبب هذا الهوس بالتغير).

ويستكمل: (يبدو أن هناك مللا في ثقافتنا العامة حيث لا يمكننا التقيد بتقليد معين ولا أن نكتفي بالحالي. من يريد أن يكون تقليديا وهو يستطيع أن يكون متطورا؟ من يريد أن يكتفي بالوضع الراهن الذي بين يديه وهناك إمكانية أن يحصل على شيء جديد فقط على بعض خطوات أو نقرات؟).

لكن ما هو ضرر هذا التغيير المستمر في كل شيء في حياتنا؟ يقول: (البرامج التليفزيونية التي تعرض في نصف ساعة فقط أزمة ما والحل لها، تخلق انطباعا خاطئا عن كيفية التعامل مع أغلب المشاكل الحياتية).

يوضح ريتشارد سيئيت، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيويورك، أن ثقافة التغيير المستمرة هذه مضرة للإنسان: (السمة الملموسة لثقافة التغيير هي أنه «لا يو جد أمر طويل المدى».. وهذا أمر يفسد الثقة، والولاء، والالتزام المتبادل).

وبسبب تحول كل مؤسساتنا ومجتمعاتنا إلى حالة مستمرة من التغيير، أصبحت أفكارنا (تتطاير بسرعة، غير يقينية، غامضة) بتعبير كارين فاريس، الكاتبة الأسترالية. كما تسبب الثبات على التغيير في تطعيم نفسياتنا بحالة دائمة من التوقعات المرتفعة جدا والإحباطات المتكررة جدا، فالجميع يشعر بالاستحقاق، والجميع يشعر بالملل. يتوقع جيل المراهقين بالإنجاز السريع والنجاح الفوري في كل شيء، وأمام صدمة الحياة، يبدأ في التململ من الحياة عامة والدخول في دوامة اكتئاب وهروب من تحمل أي مسئولية لا يعلم مداها إلا الله.

وهذا التغيير المستمر منعنا من التغير الحقيقي للأحسن في حياتنا، وهو ما أشار إليه الداعية البريطاني حمزة تزورتيس بقوله: (إن أغلبنا صار كالكراسي الهزازة، نتحرك كثيرا لكنا لا نذهب إلى أي مكان. هناك الكثير من الأفعال لكن لا يوجد تحولات في حياتنا).

وبسبب سرعة الملل فقدنا أي قدرة حقيقية على الإنجاز، فكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: آفة المتعلم الملل وقلة صبره على الدرس والنظر، والملول لا يكون حافظا، إنما يحفظ من دام درسه وكد فكره، وسهر ليله، لا من رفه نفسه)!


المصدر:
د. إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية، ص112

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الهشاشة-النفسية #سوشيال-ميديا
اقرأ أيضا
الغاية من الوجود | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الغاية من الوجود


إذا كان كل شيء في هذا الكون -ابتداء من أصغر ذرة في جسم الإنسان مرورا بالمجرات وانتهاء بما لا يزال يكتشف إلى اليوم في هذا الكون الفسيح- يدل على أنه ليس نتاج الصدفة فإنه يدل -كذلك- على وجود الغاية وانتفاء العبثية وراء إيجاده وإثبات الغاية ونفي العبثية هو أمر زائد على مجرد نفي الصدفة والعشوائية فإن نفي الصدفة يعني أن هناك سببا مناسبا وراء الشيء الذي حدث -فقط- وأما نفي العبثية فيعني أن هذا السبب كان له حكمة وغاية وقصد في إيجاد ما أوجد وليس لمجرد العبث

بقلم: أحمد يوسف السيد
2267
من جرائم العبيديين في الشمال الأفريقي | مرابط
تاريخ

من جرائم العبيديين في الشمال الأفريقي


عمل حكام الدولة الفاطمية في المغرب الإسلامي على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين فقد أصدر عبيد الله أمرا بإزالة أسماء الحكام الذين بنو الحصون والمساجد وجعل اسمه بديلا منهم واستول هذا الشيعي الرافضي الباطني على أموال الأحباس وسلاح الحصون وطرد العباد والمرابطين بقصر زياد الأغلبي وجعله مخزنا للسلاح

بقلم: علي الصلابي
502
النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الجندرية

النسبوية وما بعد الحداثة الجزء الأول


النسبوية وإن كانت فلسفة قائمة بذاتها إلا أنها أيضا عماد نظريات ما بعد الحداثة وأثرها عارم في مئات الأفكار الغربية والعالمية وفي اليسار الليبرالي خاصة وسنتخير الحديث عما يوضحها لنا كموثر على المسار الفلسفي اللوطي موضحين كيف كانت تلك الفلسفة أحد أسس التكوين

بقلم: عمرو عبد العزيز
2245
من قصص المرأة الغربية | مرابط
تفريغات المرأة

من قصص المرأة الغربية


إن جولة واحدة في مجتمعات الانحلال تكفي لإدراك ذلة النساء للرجال فالمرأة هناك تشتغل حمالة حقائب في المطار وعاملة نظافة في الطريق ومنظفة حمام في الشركة وإن كانت جميلة اشتغلت في مرقص أو بار فهذا سكير يعربد بها وذاك فاجر يعبث بجسدها والثالث يتخذها سلعة يتكسب منها فإذا قضوا حاجتهم منها صفعوا وجهها أو ركلوها بأقدامهم وإذا كبرت ألقيت في دار العجزة التي هي أشبه بالسجون أو المقابر

بقلم: محمد العريفي
324
الديمقراطية في ميزان الإسلام | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

الديمقراطية في ميزان الإسلام


الديمقراطية هي في الأصل كلمة لاتينية مكونة من شقين وهما demos وتعني الحكم أو السلطة و kratos وتعني الشعب وبذلك فإن الديمقراطية هي حكم أو سلطة الشعب ويقصد بها حكم الشعب بواسطة الشعب أو من خلال اختيار الشعب لمن ينوب عنه في الحكم ويمكن القول بأن تداول كلمة الديمقراطية في أوروبا ازداد منذ القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر وذلك من خلال ازدهار الليبرالية السياسية أما بالنسبة للعرب فلم تدخل كلمة الديمقراطية اللغة العربية إلا من خلال الغرب في أواخر القرن التاسع عشر

بقلم: مجموعة كتاب
868
أعمال القلب وأعمال الجوارح | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

أعمال القلب وأعمال الجوارح


إن الله تعالى رب القلوب والألسن وليس رب القلوب فقط والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وهذا الحديث يفسد كل دعوى يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمر من الأمور مما أتى الله به قال لك: التقوى هاهنا وهي كلمة حق أريد بها باطل والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلا

بقلم: ابن عثيمين
443