هل كانت زوجة عمر ترفع صوتها عليه؟

هل كانت زوجة عمر ترفع صوتها عليه؟ | مرابط

الكاتب: الإسلام سؤال وجواب

409 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل ثبت أن زوجة عمر رضي الله عنه كانت ترفع صوتها فيسكت عنها ويصبر عليها؟

السؤال
أفيدوني يرحمكم الله في صحة الخبر المنتشر في الآونة الأخيرة على الإنترنت، وفيه أن رجلا غضب من زوجته؛ لأنها ترفع صوتها عليه، فذهَب إلى عـُمـر بن الخـَطـاب ليشكُوها، وعندما وصل وهمّ بطرق الباب، سمع زوجة عمر صوتها يعلو على صوته! فرجع يجر أذيال الخيبة. فما صحة هذا الخبر؟ وإذا صح: فهل يستدل به على جواز رفع صوت الزوجة على زوجها؟

الجواب
الحمد لله..
أولا:
هذه القصة والتي مفادها أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ يَشْكُو إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَائِلًا: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ: مَا حَاجَتُك يَا أَخِي؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئتُ أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت: إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا تَحَمَّلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ: إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي؟ قَالَ: فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ.

فهذه القصة لم نجد لها أصلا، ولا وجدنا أحدا من أهل العلم بالحديث تكلم عليها بشيء، وإنما ذكرها الشيخ سليمان بن محمد البجيرمي الفقيه الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (3/ 441-442)، كما ذكرها أيضا أبو الليث السمرقندي الفقيه الحنفي في كتابه "تنبيه الغافلين" (ص: 517)، وكذا ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (2/80) ولم يذكر واحد منهم إسنادها، بل صدروها كلهم بصيغة التمريض التي تفيد التضعيف عادة: " ذُكر أن رجلا "، " روى أن رجلا "، وهذا مما يدل على أن القصة لا تصح.

ويؤيد ذلك ما يلي:
- مخالفتها للمشهور عن عمر رضي الله عنه في سيرته من كونه كان مهابا في الناس، فكيف بزوجاته؟ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: " مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له " رواه البخاري (4913) ومسلم (1479).
وقال عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: " شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إِلَّا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلًا مَهِيبًا " "حلية الأولياء" (4/151).

- رفع صوت زوجة عمر عليه رضي الله عنهما حتى يسمعها من بالخارج وهو ساكت منكَر غير محتمل، والذي يعرف حال أمير المؤمنين ينكر ذلك بالقطع، وهو الذي كان يخاف الشيطان منه، ولو سلك فجا لسلك الشيطان فجا غير فجه، ورَفْعُ النساء أصواتهن واستطالتهن على أزواجهن لا يعرف في السلف.

- قوله " إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا " قول غير صحيح، وخدمة المرأة زوجها واجبة عليها بالمعروف، راجع جواب السؤال رقم: (119740) وخاصة الرضاع، فإنه يجب عليها إرضاع أولادها إذا كانت في عصمة زوجها بلا أجرة، راجع جواب السؤال رقم (130116).

والخلاصة: أن هذه القصة لا أصل لها، ومتنها ينادي عليها بالنكارة وعدم الصحة.. وعلى ذلك: فلا يصح الاستدلال بها على جواز رفع الزوجة صوتها على زوجها.

ثانيا:
رفع الزوجة صوتها على زوجها من سوء الأدب وسوء العشرة، فلا يجوز ذلك.
سئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم الزوجة التي ترفع صوتها على الزوج في أمور حياتهم الزوجية؟

فأجاب رحمه الله تعالى: " نقول لهذه الزوجة إن رفع صوتها على زوجها من سوء الأدب؛ وذلك لأن الزوج هو القوام عليها وهو الراعي لها فينبغي أن تحترمه وأن تخاطبه بالأدب؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما وأن تبقى الألفة بينهما.
كما أن الزوج أيضاً يعاشرها كذلك، فالعشرة متبادلة، قال الله تبارك وتعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ).

فنصيحتي لهذه الزوجة أن تتقي الله عز وجل في نفسها وزوجها، وأن لا ترفع صوتها عليه لا سيما إذا كان هو يخاطبها بهدوء وخفض الصوت ". انتهى من"فتاوى نور على الدرب" (19/ 2) - بترقيم الشاملة.
والله تعالى أعلم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#عمر-بن-الخطاب
اقرأ أيضا
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1304
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1


الديمقراطية لما كانت تعني باختصار حكم الشعب - سواء في وضعها البدائي عند اليونان أو في تطبيقاتها المعاصرة - صار الشعب عندهم هو مصدر السلطات بما فيها أهم وأكبر السلطات وهي السلطة التشريعية التي تعد في الإسلام خالص حق الله وحده لاشريك له وبذلك أصبح الشعب في الوضع الديمقراطي المرجع الوحيد في التحليل والتحريم فالمحرم ما حرمه الشعب والمباح ما أباحه بقطع النظر عن وجود حكم شرعي مغاير بالكلية لاختيار الشعب في القرآن والسنة وإجماع الأمة عبر القرون

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
2910
إياك نعبد وإياك نستعين | مرابط
تفريغات

إياك نعبد وإياك نستعين


العبودية في قوله: إياك نعبد الفاتحة:5 العبودية هي التذلل والخضوع ولهذا تقول العرب: طريق معبد أي: مذلل إذا ذلل الناس الطريق بشيء من توطينه وتهيئته للسير يقول: طريق معبد كذلك العبد يسمى عبدا إذا كان متذللا بين يدي سيده. وهنا قال: إياك نعبد الفاتحة:5 لا نتذلل إلا لك سبحانك وتعاليت في هذا التذلل إلا لله جل وعلا والعبادة في ذلك مختلفة: ظاهرة وباطنة فالباطنة هي أعمال القلب من المحبة والخوف والرجاء والتوكل على الله سبحانه وتعالى والاستعانة والخشية وغير ذلك من أمور العبادة.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
844
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
1033
توجيه النشء بين الأمس واليوم | مرابط
تفريغات

توجيه النشء بين الأمس واليوم


من المؤسف أن تجد كثيرا من الآباء والأمهات اليوم لا يعتنون بتوجيه الناشئة بآداب الإسلام لا في الطعام ولا في الشراب ولا في الدخول ولا في الخروج ولا في دخول الخلاء ولا عند المبيت ولا عند الاستيقاظ لقد تعلمنا كما قلت من عجائز جدات وأمهات ما عرفوا الدراسة ولا يعرفون الألف من الباء.

بقلم: سعد البريك
325
عن الولاء والبراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

عن الولاء والبراء


مقتطف لشيخ الإسلام من مجموع الفتاوى يتحدث عن الولاء والبراء ووجوب الموالاة في الله والمعاداة فيه كما أنه يقف على نقطة هامة وهي وجود الظلم هل هو حائل دون الولاء الحقيقة أن الظلم لا يمنع الولاء ولا يقطع الموالاة الإيمانية وهذا ما يناقشه شيخ الإسلام

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1375