عليك بدين الصبي

عليك بدين الصبي | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

1028 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

روى الآجري في الشريعة واللالكائي في شرح الأصول وغيرهما عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لرجل سأله عن الأهواء:
"عليك بدين الصبي الذي في الكتاب والأعرابي، واله عما سواهما".

وهذا الذي قاله عمر بن عبدالعزيز رحمه الله هو أصل عظيم، وبه يتميز الدين الواضح البين الذي أراده الله من جميع عباده على اختلاف مراتبهم في الفهم عن الشذوذات البدعية التي يدعي أصحابها التفرد بالحق مع مخالفتهم لمحكمات الدين وما يشترك في العلم به المخاطبون الذين لم يتلوثوا بشبهاتهم.

وإلا فكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخطابين الذين سلمت فطرهم عن شذوذات المبتدعة أن الإيمان بالله مقيد بما أحدثوه من دليل الحدوث وناقضوا به دلالة الحدوث الفطرية، فزعموا اشتراط إثبات الجواهر والأعراض وما ركبوه بعد ذلك من الاستدلال النظري على حدوثها بمقدمات هي في غاية العسر والإشكال حتى حصل لأذكياهم بسبب خفائها التوقف والحيرة في كثير منها، ثم إذا جاء الكلام في معاني نصوص الصفات جعلوا تلك المقدمات المخالفة للمنهج الفطري حاكمة على النصوص بما يؤدي إلى تأويلها أو تفويضها، بل يصل الأمر إلى تسويغ القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه، مع الجهل بحقيقة ما يؤول إليه هذا الافتراء الشنيع الذي لا يقبله عقل عاقل بقي على الفطرة التي خلقه الله عليها.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن تكون قدرة العبد بلا تأثير، وأن يكون المكلف مضطرا في صورة مختار، مع أن الناس يدركون بالضرورة التي يجدونها من نفوسهم أن أفعالهم مترتبة على اختيارهم وما أودعه الله في قدرهم من التأثير، وأنه لا يعقل تكليف وثواب وعقاب مع كسب لا حقيقة له إلا القول بالجبر واستحالة التكليف.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن حقيقة الإيمان تدور على  التصديق الباطن وأن حقيقة الكفر هي التكذيب، مع ما يعلمونه ضرورة من أن الله تعالى لا يمكن أن يكون قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الغاية.

وليتأمل المنصف حال الذين دخلوا في دين الإسلام في عصرنا من ثقافات مختلفة، وكيف أن الخطاب القرآني وما فيه من البراهين التي تخاطب العقل والوجدان كانت هي التي حملهتم على قبول الإسلام والرضا به دينا من بين جميع الديانات التي شابها من التحريف والتشويه ما أخرجها عن الأصل الذي كانت عليه، وما المتوقع من حالهم لو تمت دعوتهم إلى الإسلام بتوسط مقدمات كلامية أصبحت في علوم العصر من النظريات البالية، وتركت مع ما ترك من موروث الفلسفة اليونانية الوثنية.

والبلاء الوبيل أن هذه الأصول الفاسدة المخالفة لمحكمات الدين ومعهود الخطاب الفطري المعقول لم تبق محصورة فيما أحدث في الإسلام من كتب علم الكلام والتصوف، بل قد انتشرت في كثير من التفاسير وشروح الأحاديث مما هو عائق عن فهم الدين على الوجه الذي أراده الله تعالى، وانحراف عن حقيقة البلاغ النبوي الذي هو حجة الله على الناس أجمعين، وأنه لابد لتجديد الدين وإحيائه من كشف بطلان هذه الأصول الفاسدة وإظهار المعاني الصحيحة للنصوص، وبيان أن ذلك هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما تواتر عليه الفهم والعمل من العلماء المعتبرين الذين لم يقعوا في تلك الشذوذات والشبهات، وأن من أراد السلامة لدينه فليس له إلا أن يتمسك بطريقتهم، ويبقى على الأصل الذي به نزل الخطاب وقامت به الحجة على المخاطبين، ويحذر من كل ما يخالف ذلك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#دين-الصبي
اقرأ أيضا
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1301
الصلاة على النبي.. قصة واقعية | مرابط
مقالات

الصلاة على النبي.. قصة واقعية


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا أتعرف ما فائدة أن يصلي الله عليك؟ الفائدة هناك في القرآن فإن الله عز وجل يقول: هو الذى يصلى عليكم وملئكتهۥ ليخرجكم من الظلمت إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما. ففائدة صلاة الله عليك أنه بذلك: يخرجك من الظلمات. وكل ضيق وكل مصيبة وكل مشكلة هي ظلمة فإذا أصابك شيء من ذلك فالزم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى متى؟ إلى أن يخرجك الله من هذه الظلمة.

بقلم: خالد بهاء الدين
372
حكم الأنام إذا عمهم الحرام | مرابط
اقتباسات وقطوف

حكم الأنام إذا عمهم الحرام


مقتطف هام لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني من كتاب غياث الأمم في التياث الظلم يتحدث فيه عن حكم الأنام إذا عمهم الحرام هل يؤول الأمر إلى المساواة بينهم وبين حكم المضطر في تعاطي الميتة وما مآلات هذا القول إذا طبق بشكل عملي في الواقع

بقلم: أبو المعالي الجويني
2037
قضية اللغة العربية الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات لسانيات

قضية اللغة العربية الجزء الثاني


منذ أربعة قرون ماضية كان العالم العربي والإسلامي أرضا واحدة تحيي حضارة واحدة تمدها ثقافة واحدة من أقصى المغرب إلى حدود الصين ومن أطراف تركية إلى دار الخلافة في أغوار أفريقية وآسية أمة واحدة وارثة لأسلافها ولكن الورثة كانوا في غفلة استناموا إلى ميراثهم الجليل الضخم فهمدوا همود الجمرة تحت الرماد وفي زمان غفلتهم واستنامتهم دبت الحياة دبيبها في ناحية أخرى على أطراف دولتهم

بقلم: محمود شاكر
2011
هم يوسف عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات

هم يوسف عليه السلام


من الشبهات التي يروجها أعداء الإسلام أن القرآن قد نسب إلى الصديق يوسف عليه السلام الهم في الخطيئة مع زوجة العزيز وزعموا أن كتب التفسير مليئة بصور مشينة لهذا الهم الفاسد الذي لا يليق بنبي كريم وبين يديكم الرد المفصل على هذه الشبهة

بقلم: منقذ السقار
706
أصول أربعة عند الصحابة | مرابط
فكر

أصول أربعة عند الصحابة


وهذه الأربعة هي أخص ما ينبغي أن يحيا في شباب أمة الإسلام فأكثرهم غرته الحياة الدنيا وألهته وشغلته عن طلب العلم بدينه والاستقامة عليه وإرادة الله والدار الآخرة. وكثير منهم لا يطلب الهدى في دينه وعمله من القرآن والسنة أصلا وإذا بلغه حكم عنهما اعترض وجادل فيه وألقى الشبهات والإشكالات عليه فلا يسلم له ولا يحكمه على نفسه.

بقلم: حسين عبد الرازق
484