عين الخصم!

عين الخصم! | مرابط

الكاتب: د. طارق عنقاوي

317 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

عندما تحاور من يستشكل أو يشكك في أحكام الإسلام، فلا يفوتنك شيء مهم، وهو أن لدى بعض من تحاورهم خللا منهجيا يجب أن تسلط الضوء عليه لتظهر قوة موقفك، فمثلا قد يسألونك عن سبب التحريم للحم الخنزير، وفي خلفية سؤالهم أنهم يطلبون مصدرا معينا من المعارف، وهو المصدر الحسي والتجريبي، والواقع أن اختزال المعرفة في الحس والتجريب خلل منهجي سائد في الغرب، فيجب أن تبين أنك ابتداء تعتقد أن هذا خلل، وأن المعرفة لها مصادر متعددة تتكامل ولا تتعارض، ونحن كمسلمين عندنا موقف مبرهن هو أن الوحي مصدر معرفي عظيم لأنه من عند الله ﷻ، وموقفنا من هذا المصدر مبني على أدلة عقلية قاطعة تدل على صحة الإسلام وأن ما جاء به النبي ﷺ حق ووحي من عند الله

والفائدة من هذا أنك تقطع طريقتهم في تعجيزك، لأنهم ضمنيا يحصرونك في مصدر واحد هو التجريب، ثم يطالبونك بالدليل من هذا المصدر، وعندما تسترسل معهم فكأنك تسلم لهم بصحة اختزاليتهم المعرفية وأنت لا تشعر، فتخسر أحد أقوى منطلقاتك، ويفوتك التنبيه على أعظم خلل في منطلقاتهم.

وأيضا لو قررت أنت تصحيح ذلك الخلل، فغاية ما عندهم بعدها أنهم يعارضون باختزاليتهم وجهلهم شموليتك وعلمك، وهذا في غاية الضعف، ففي مثال الخنزير مثلا سيطالبونك ببيان أضراره الصحية، وكأن الحكم بني على هذا فقط، دون اعتبار لوصف الله تعالى للخنزير بالرجس واحتمال تضمن ذلك لعدة معان كالخبث أو النجاسة أو غيرها، فينبغي لك أن لا تقبل بالاختزال، فغاية ما عندهم أن يختزلوا الحكمة في أثر محسوس، ثم يحتكمون لجهلهم،وهو قولهم: "لم يثبت!" أي تجريبيا.. وفي الحقيق أن عدم الثبوت ليس ثبوتا للعدم، أي قد يثبت ذلك مستقبلا، فهم إذا ينزلون الجهل منزلة العلم!

وصحيح أنك في هذه الحالات قد تنازعهم بالتجريب وتثبت بعض الأضرار التي يكثر وقوعها، ثم قد تشرح لهم أن الشرع يغلب جانب المفسدة إذا عظمت ويحكم بحكم يكون شرعاً يجب امتثاله طاعة لله، هذا كله صحيح، لكن من المفيد جدا أن تهز أساسهم الاختزالي وتكشف حقيقة موقفهم المستند للجهل والمنصرف عن الشمولية المعرفية الحقّة.

وقس على ذلك أوجه الخلل المنهجية الأخرى التي تبرز في صور المسائل المتنوعة الأخرى، كاتخاذ معايير غير مطلقة للحكم بالصواب والخطأ، كتأليه الإنسان وجعله مركز الوجود بدلا من سبب الوجود وهو الله الرب المعبود وحده سبحانه، وغير ذلك.

وأخيرا تنبه رعاك الله ﷻ إلى أن لا تقيس صحة الأمور بمدى اقتناع الخصم، فعدم اقتناعه لا يرجع بالضرورة لضعف موقفك وخلوه من الحجة، بل قد يرجع لخلل في طريقتك في سياق الحجة، أو قد تكون حجتك قوية لكن يرجع عدم الاقتناع لخلل منهجي ومرجعي وسابق وعميق عند الخصم، وقد يكون معه الهوى والاستكبار ونحوه مما ذكر الله ﷻ أنه من أسباب مخالفة الحق، فلا يصح أن نغفل هذه القضية ونوقع أنفسنا في حيرة بسبب عدم قبول المخالف أو ما يظهره من عدم اقتناع، ونبدأ ننظر ونقيّم من خلال عين الخصم العوراء!

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المناظرات
اقرأ أيضا
العلاج بالطاقة وقانون الجذب | مرابط
مقالات

العلاج بالطاقة وقانون الجذب


المعالجون بالطاقة الكونية وقانون الجذب والتأمل واليوجا وقوانين الاستحقاق هؤلاء لصوص آخرة يسرقون آخرتك ويدعونك لعبادة العجل الذهبي.. فهم يغرونك ببريق الدنيا ولذة الدنيا وتضخيم هوى نفسك ويسلبون في المقابل آخرتك يجعلون منك إلها صغيرا تغير الأقدار وتصنع الاستحقاق.

بقلم: د. هيثم طلعت
683
الحياة العريضة | مرابط
مقالات

الحياة العريضة


إن كثيرا من الناس إذا ذكرت عنده البركة انصرف ذهنه إلى بركة المال والولد ويغفل عن البركة في العمر فمن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة

بقلم: د. طلال الحسان
322
مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2 | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج2


من المقدمات المنهجية الأساسية التي ينبغي التنبه لها في البدء أن قضايا النهضة والإصلاح والتغيير يجب أن يكون منطلقها منطلقا إسلاميا شرعيا وإذا كان المنطلق غير إسلامي ولا شرعي فإنه لن يتحقق شيء من ثمراتها بمعناها الشامل والمشروع والمرضي لله تعالى وربما تتحقق بعض المكاسب الدنيوية والانتصارات المؤقتة لكنها ليست النهضة والإصلاح المطلوبة من المسلم

بقلم: الدكتور عبدالرحيم بن صمايل السلمي
1198
الدنيا تغيرت الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الدنيا تغيرت الجزء الأول


الدنيا تغيرت توظف هذه المقولة للاعتراض على بعض المقررات الشرعية بذريعة أن النصوص الشرعية ثابتة والواقع متغير ولذا لا يمكن أن نجمد على الثابت وقد يسعى بعضهم إلى مقاربة تظهره بمظهر المعظم للشريعة فهو يتحدث عن حجم استجابة الشريعة لمتغيرات الواقع وتقلباته فهي ليست مجرد نصوص جامدة صلبة لا تقبل الزحزحة أو التطوير بل هي تتطور مع تتطور الواقع للتفاعل معه والذي يؤول في الحقيقة إلى جعل الواقع حكما على الوحي وفي المقال فحص لهذه الشبهة ورد عليها

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1269
كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟ | مرابط
أبحاث

كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟


يعتمد كثير من الباحثين في الحديث عن نشأة العلوم وتطورها على التدوين والكتابة في العلوم فتراه يحدد نشأة العلوم ومراحلها بناء على حالة التدوين فيها فيحكم على أن علما ما نشأ في وقت كذا لأجل أن كتابا معينا ألف في مسائله ويحكم على أنه تطور إلى مرحلة ما لأجل أن نوعا من الكتب ظهر في معالجة مسائله. ولا شك أن حالة التدوين والكتابة في العلم تعد معلما من أهم المعالم المفسرة لنشأة العلوم وتطورها ولكنها ليست المعلم الوحيد فهناك مكونات أخرى لا بد من مراعاتها في دراسة نشأة علم العقيدة وتحديد مراحل تطوره.

بقلم: سلطان العميري
341
الحياد الأجوف | مرابط
فكر مقالات

الحياد الأجوف


لا يجد المتابع صعوبة ليدرك حجم الاختلاف وتعدد الرؤى وكثرة الأطروحات في واقعنا المعاصر بصورة هي من سمات هذا العصر ومن المؤثرات الكبيرة على أهله بالطبع هذه الأطروحات الكثيرة متباينة وواسعة المدى من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ولكل مقالة منها منتصرون ومنظرون وهؤلاء من لا أريد الحديث عنهم هنا وإنما أريد أن يكون حديثي عن الجمهور المشاهد الذي تلقى هذه الأفكار على رأسه في حرب لم يكد يشهد لها التاريخ مثالا في الضراوة والتتابع هذا المستمع والمتابع كيف يصنع مع هذه الحرب ومع أي قوم يصطف

بقلم: الشيخ حسن بن علي البار
1075