المرأة المسلمة ج2

المرأة المسلمة ج2 | مرابط

الكاتب: سلمان العودة

500 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

نموذج المرأة المسلمة

وإننا حين نلتفت إلى الواقع نجد الأمثلة والنماذج التي نتطلع إليها، قليلة في كثير من الأحيان، ونجد أن كثيرًا من المجتمعات قد اندفعت وراء تقليد المستعمر الكافر اندفاعًا أعمى، فلا تكاد تجد الأمثلة والنماذج، التي تعتبر قدوة ومثلًا أعلى لغيرها.

وفى مثل هذه الظروف والأحوال، يفزع الإنسان إلى التاريخ، يحاول أن يستلهم العبر من الأحداث والوقائع التي حدثت عبر التاريخ، ولذلك فإنني أجدني مسوقًا إلى استعراض بعض الصور والنماذج، التي ضربت فيها المرأة المسلمة أروع الأمثلة في الصبر، وفي القوة، وفي الاعتزاز بدينها، وفي معايشتها السراء والضراء مع زوجها.

أيها الإخوة والأخوات: لقد أشاد الله عز وجل في القرآن الكريم بموقف عدد من النسوة، فها نحن نجد أن الله عز وجل يضرب لنا المثل بقصة امرأة فرعون التي نشأت في هذا القصر المليء بالمغريات، المليء بالملذات الذي يقف فيه هذا الطاغية الأكبر المتأله، فرفعت رأسها في وسط هذه الظلمات تقول: "رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [التحريم:11].

لقد أعرضت عن هذا القصر الذي تعيش فيه، وزهدت في زينته، فطلبت من الله عز وجل أن يبنى لها عنده قصرًا في الجنة، وهذه المرأة قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع -منهن-مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون}.

فهذا أنموذج للمرأة المسلمة وبجواره أنموذج آخر يَمُت إليه بسبب، ألا وهو أنموذج ماشطة بنت فرعون.

 

ماشطة بنت فرعون

فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه شأن هذه المرأة وأولادها، تُرى ما شأن هذه المرأة، التي وجد النبي صلى الله عليه وسلم طيب ريحها وزكاه في السماء، وهو في الملأ الأعلى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قلت: وما شأنها يا جبريل؟ فقال جبريل: إن هذه الماشطة، بينما كانت تمشط ابنة فرعون، إذ سقط المدرار -وهو المشط- من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: (أبي) -تربَّت هذه البنت على أن أباها هو الله فلم تكن تعرف غيره وفق التربية، وإن كانت الفطرة موجودة- فلما قالت هذه المرأة: بسم الله، فسألتها: أهو أبي، فقالت الماشطة: لا، ربي وربك ورب أبيك هو الله الذي في السماء.

فقالت: هل أخبر أبي بذلك؟ قالت: نعم. أخبريه -هذا التحدي من امرأة خادمة في قصر فرعون، تتحدى هذا الفرعون الطاغي، ولا تأبه فتقول: نعم أخبريه- فتذهب البنت إلى أبيها وتقول له: يا أبتي إن الماشطة تقول: إن ربى وربها وربك هو الله، فدعا فرعون الماشطة وسألها: أو لك رب غيري؟ قالت نعم. ربي وربك الله، فأمر هذا الطاغية المتأله بنقرة من نحاس -أي قدر- فأحمي عليه في النار حتى أحمر، ثم أتى بأولادها وبدأ يقذف بهم في هذا القدر واحدًا بعد الآخر، على مرأى من أمهم المؤمنة المحتسبة، وتجلدت هذه المرأة في وجه الطغيان وصبرت ولم تهن عزيمتها، أو تضعف قوتها، حتى كان معها صبي يرضع فكأنها أشفقت عليه ورحمته وترددت هي بعض التردد..

فأنطق الله عز وجل هذا الصبي فقال: يا أماه اصبري فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فتقدمت وألقت بنفسها في هذا القدر، وقالت لفرعون: لي إليك حاجة، قال: ما حاجتك؟ قالت: إذا قتلتنا أن تضع عظامي وعظام بني في بيت أو قبرٍ واحد، فقال: ذلك لكِ علينا من الحق}.

يقول ابن عباس -رضي الله عنه وأرضاه: [[تكلم في المهد أربعة -أربعة صغار- عيسى بن مريم، وابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب قريش]] والحديث رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورواه بإسناد آخر ابن ماجة في سننه.

هذه الصورة العظيمة، التي لا تكاد تتكرر على مدار التاريخ، إنما صنعتها امرأة لم تصنعها بقوتها، بل بقوة الله، ولولا أنها تملك من قوة الإيمان، ورباطة الجأش ما تملك، لما استطاعت أن تقف هذا الموقف الذي ينهزم فيه أكابر الرجال وليس هذا الموقف فريدًا أو يتيمًا في تاريخ المرأة المسلمة، فإننا نجد في هذه الأمة المختارة المصطفاة، امرأة جددت لنا موقفًا شبيهًا بهذا.

 

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها

يروي الإمام مسلم في صحيحه [[أن الحجاج حين صلب عبد الله بن الزبير، وضعه على جذع في عقبة المدينة وهو موضع في مكة، وكانت تمر به قريش ويمر به الناس، فمر به عبد الله بن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- فوقف عليه -أسيفًا حزينًا- فقال: السلام عليك يا أبا خبيب، السلام عليك يا أبا خبيب، السلام عليك يا أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، ثم قال: أما والله إنك إن كنت ما علمتك إلا صوامًا قوامًا وصولًا للرحم، والله لأمة أنت أشرها لأمة خير. ثم نفذ عبد الله بن عمر في طريقه، فسمع الحجاج بالخبر، فأمر بإنزال عبد الله بن الزبير من الجذع فأنزل وألقى به في مقابر اليهود، والحجاج طاغية آخر من الطغاة الذين حفل بهم التاريخ.

فألقى هذا الصحابي الجليل الذي له من المآثر العظيمة، التي لا يتسع المجال لذكرها وهو أول مولود بعد الهجرة في المدينة، وأول ما وصل إلى بطنه هو ريق النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح، ومع ذلك يجرؤ هذا الرجل على أن يلقي به بين قبور اليهود، ثم يرسل هذا الطاغية رسولًا إلى أمه أسماء رضي الله عنها يرسل إليها رسولًا لتأتي إليه، فترفض أسماء وتقول: لا آتى إليه، وحين يأتيه الرسول، يقول له: ارجع إليها وقل لها لتأتيني أو لأبعثن إليكِ من يسحبك بقرونكِ، فتقول: لا والله لا آتيه، فليبعث إلي من يسحبني بقروني. فلما رأى الحجاج صلابتها قال: أروني سبتيتي -أي أعطوني حذائي- فلبس نعاله وذهب إليها، فدخل عليها مغاضبًا مستفزًا لها يقول: هل سرك ما صنعنا بعدو الله؟ وهو يعلم أنه ليس بعدو الله؟!

وهو يعلم أنه ابنها الذي غذته بلبنها، وفرحت به صغيرًا وربته كبيرًا، ويعلم أن فقده عليها عزيز، ومع ذلك يقول: هل سرك ما صنعنا بعدو الله؟ -قالت: " أما والله إن كنت أفسدت عليه دنياه، فلقد أفسد عليك دينك" فانظر إلى حكمة هذه المرأة وقوة منطقها وغلبتها لمثل هذا الطاغية بالحجة والبيان، ثم قالت رضي الله عنها: بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين -كأنه يعيره بهذا- وأنا ذات النطاقين، كان لي نطاقٌ فشققته نصفين، أحدهما أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر على الدواب وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه -وكأنها تقول: فكيف تعيره بهذه الفضيلة والمحمدة، فيصبح الأمر كما قيل:

إذا ما محاسني اللاتي أدل بها          صارت عيوبًا فقل لي كيف أعتذر

ولقد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه سيكون في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد عرفناه -وتعنى بذلك والله أعلم المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي نسب إليه ادعاء النبوة- "وأما المبير" -ومعنى المبير: الذي يكثر القتل في الناس- فوالله ما أحسبه إلا أنت، فخرج الحجاج من عندها يجر ثوبه منكسرًا ولم يرد عليها، بل إنه قال في بعض الروايات: جئنا لنعلمها فعلمتنا أو نحو ذلك]] فهو يشعر بأنه جاء ليوبخها فوبخته هي، وخرج من عندها بهذه الصورة!

فهذه صورة امرأة فقدت ابنها فلم تتزعزع ولم تتزلزل، بل إن بعض الروايات تقول: إن ابن الزبير حين حصر بمكة جاء إلى أمه يقول لها: [[يا أماه أنت ترين الآن وقد حاصرني العدو، وقَلَّ من معي من الجند، ولا بد من الهزيمة، فما رأيك أن أستسلم لهم وأدع القتال، فقالت له: إن كنت إنما تقاتل في سبيل الله، فلا يسعك أن تتخلف عن القتال ما دامت روحك في جسدك، وإن كنت تقاتل في سبيل الدنيا فبئس العبد أنت، فقال لها: والله يا أم ما قلت ذلك إلا لأختبر صبرك فقد عرفت]] وفعلًا حققت هذه الأم من الصبر ما حققت.

أيها الإخوة: هذه صورة من صور القوة، تُطالب المرأة المسلمة اليوم بأن تجعلها نصب عينيها، وأن تدرك أن بإمكانها أن تقاوم الفساد والانحراف، وأن تقف في وجه المغريات الكثيرة التي تضج بها المجتمعات.

وهناك صور أخرى تعبر عن جوانب غير جانب القوة والصبر الذي سبق فمن ذلك جانب القيام بالمهمات، والأعمال الطبيعية التي أنيطت بالمرأة، فالمرأة خلقت لمهمات محددة واضحة، تتعلق بمشاركة الزوج في البيت وخدمته، ورعاية الأولاد، وبناء الأجيال، وما أشبه ذلك من الأعمال.

وانظروا إلى صورة أخرى، وهى صورة امرأة من أفاضل النساء، وكفاها فخرًا وشرفًا أنها ابنة محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل الأولين والآخرين.

 

فاطمة رضي الله عنها

يروي أبو داود في سننه، عن علي بن أعبد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال له: {ألا أحدثك عني وعن فاطمة، قال: بلى، قال: إنها كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أهله إليه، وكانت عندي -أي أنه تزوجها- قال: فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وطبخت بالقدر حتى دكنت ثيابها، فسمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه رقيق أو خدم، فقلت لها: لو ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادمًا.

فذهبت فاطمة رضي الله عنها إلى بيت أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد أن تسأله خادمًا، فلم تجده، أو وجدت عنده حُداثًا -أي: قومًا يتحدثون- فاستحيت فرجعت إلى بيتها، فلما أخذا هي وعلي مضاجعهما، طرقهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى جلس بينهما، فقال: ما الذي جاء بك يا بنت رسول الله؟ فاستحيت وسكتت، فقال علي -رضي الله عنه وأرضاه- أنا أخبرك يا رسول الله، إن فاطمة قد جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، وأوقدت على القدر حتى دكنت ثيابها، وإني سمعت أن خدامًا أو أعبدًا جاءوك، فقلت لها: اسأليه صلى الله عليه وسلم خادمًا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى مضاجعكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين فإنه خير لكم من خادم} والحديث أصله في الصحيح، وخرج من عندهما صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن هذه الأذكار قد جربت لمن حافظ عليها عند النوم أنه يجد من القوة والقدرة على معاناة الأعمال ما لا يجد غيره" وهذا سر فيها، يدل عليه توجيه النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعلي إلى ذلك، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه [[فوالله ما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين قال: ولا ليلة صفين]].

وهذه القصة أيضًا ليست هي الوحيدة، بل إنني أقول: إن معظم نساء الصدر الأول من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أو زوجات الصحابة كن على مستوى قريب من هذا المستوى.

 

جانب آخر من حياة أسماء رضي الله عنها

وهذه صورة أخرى لأسماء رضي الله عنها وهي تتعلق بجانب آخر من حياتها، فإذا كنا عرفنا قبل قليل نموذجًا لتحملها وصبرها، فإن هذه القصة تدلنا على جانب آخر من عمل هذه المرأة، وهو البيت وقيامها بالواجبات، ومشاركتها لزوجها في أفراحه ومسراته وأحزانه.

يروي الإمام مسلم في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: [[تزوجني الزبير رضي الله عنه وليس له في الأرض من مال ولا مملوكٍ ولا شيء، غير الفرس الذي كان يستعمله، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز، فكن نساء صدق من الأنصار جيرانًا لي يساعدنني في ذلك، قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهذه الأرض على مساحة ثلثي فرسخ من بيت الزبير -أي بقدر ميلين- قالت فجئت ذات يومٍ وقد حملت النوى على رأسي، فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره فهمَّ صلى الله عليه وسلم لينيخ بعيره ليركبها خلفه إلى دارها.

قالت: فاستحييت وعرفت غيرة الزبير فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يجول في نفسها، فواصل المسير وتركها]] وفى رواية أخرى لمسلم أضاف: [[أن رجلًا فقيرًا قال لأسماء: يا أم عبد الله إنني رجل فقير، وأريد أن أبيع في ظل دارك، يريد أن يتخذ من ظل بيتها مكانًا يبسط فيه بضاعته- فقالت له: إن رخصت لك في ذلك أبى الزبير ولكن ائتني وأنا عند الزبير فاطلب مني ذلك، فجاءها وعندها الزبير فقال: لها يا أم عبد الله إنني رجل فقير وأريد أن أبيع في ظل دارك، فقالت له: مستنكرة عليه -وهي تتظاهر بذلك أمام الزبير- أما لك في المدينة إلا داري؟ فقال لها الزبير: مالكِ أن تمنعي رجلًا فقيرًا أن يبيع في ظل دارك، فقالت: فكان يبيع إلى أن كسب فبعت عليه أمة -أي عبدة- كانت عندي. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أبو بكر أرسلها إليها، قالت: فكانت تحمل عني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني قالت: فبعت عليه هذه الأمة، فدخل علي الزبير وثمنها في حجري، فقال: ألا تهديه إلي؟ قالت: إني قد تصدقت به]].

هذه صورة أولئك النسوة، على رغم المستوى الإيماني الرفيع الذي وصلن إليه، وعلى رغم المهمات الجسام التي قمن بها، سواء مشاركة المسلمين في الأعمال الجهادية المتعلقة بسقي الجرحى ومداواتهم، وحملهم وما أشبه ذلك من الأعمال المساندة، أو في حمل العلم ونقله، أو في غير ذلك، مع كل هذه المهمات الجسام، لم تنس أولئك النسوة، أن من مقتضى جبلة المرأة وطبيعتها، أن تمارس أعمالها الفطرية التي جبلت عليها، فتؤدي من هذه الأعمال ما تستطيع وتظل محتفظة بقدر من ذلك.

 

المرأة وطلب العلم

إخواني وأخواتي: إن هذه النماذج المتعلقة لعرض صور من الحياة الطبيعية التي كان يعيشها الجيل الأول يقابلها نماذج في الجانب الثاني أو الثالث وهو عناية المرأة بطلب العلم وتحصيله، فلم يلهها هذا عن هذا، وأكتفي بعرض صورتين ناطقتين معبرتين عن ذلك:-

 

عائشة رضي الله عنها

فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، على رغم صغر سنها يوم دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت تسع سنين، كما في الصحيح وتوفى عنها وعمرها (18) سنة، ومع ذلك فقد كانت أنموذجًا للحفظ والضبط والعلم، حتى إنها حفظت للأمة خيرًا كثيرًا، وقال أبو موسى -رضي الله عنه وأرضاه-: [[ما سألنا عائشة رضي الله عنها عن شيء إلا وجدنا عندها منه علمًا]] فهي معلمة الرجال.

 

أم أيمن رضي الله عنها

والأنموذج الثاني: هو ما ورد في الصحيح أيضًا عن أنس بن مالك -رضي الله عنه وأرضاه- قال: [[لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن -وكانت أم أيمن حاضنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم- انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فذهبا إليها فلما دخلا عليها بكت! -وكانوا حدثاء عهد بقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: والله إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنني أبكي انقطاع الوحي من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها! ]].

 

تأثر الصحابة بموت الرسول صلى الله عليه وسلم

انظر هذا الفقه الدقيق من هذه المرأة، إن فقد الرسول صلى الله عليه وسلم أمر ليس بالهين على أناس قد عايشوه مدة طويلة وحل منهم محل الروح من الجسد صلى الله عليه وسلم، وأحبوه أشد ما يكون الحب وأذكاه، ولما مات صلى الله عليه وسلم أنكروا أنفسهم حتى أظلم كل شيء في المدينة، وحتى كانوا كالغنم المطيرة، وبلغ التأثر بهم مبلغه، مع كل هذا تقول: إنني لم أبك فقط لفقد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنني أعلم أنه انتقل إلى خير مما كان فيه، ولكنني أبكي انقطاع الوحي من السماء! إنها تدرك أن الوحي هو الطريق الوحيد لمعرفة دين الله، وشرعه، وأن السماء لن تفتح أبوابها أبدًا.

هذه أيها الإخوة والأخوات ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: جانب قوة المرأة وصبرها وتحملها لما تلقى في سبيل الله.
والجانب الثاني: إن المرأة مع ذلك، ومع اشتغالها بشئون دينها ودعوتها، فإن هذا لم يصرفها عن القيام بأعمالها الطبيعية التي كلفت بها.
والجانب الثالث: أن هذا وذاك لم يصرفاها عن السعي في طلب العلم وجمعه وتحصيله.

أسأل الله عز وجل أن يصلحنا جميعًا رجالًا ونساءً وأن يحمينا من كيد أعدائنا، وأن يبصرنا بمواطن الضعف في أنفسنا. وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرأة-المسلمة
اقرأ أيضا
ضغط اللحظة الراهنة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

ضغط اللحظة الراهنة


كان القلق ناتجا من هبوب موجة استنكارات عنيفة من المثقفين الغربيين عن حال المعجزات التي ما عادت جذابة للعقل الغربي فهي لديهم أقرب لفكر الخرافات والأساطير التي تجاوزها الزمان فما عادت مستساغة في زمن تأليه العقل وتقديس الفكر المادي التجريبي غدت معه المعجزات مادة تندر واستهجان من رجالات الغرب هذا المزاج الغربي صاحبه حال إلحاد وجحود عن الدين لدى أوساط كثير من المثقفين المسلمين بما عزز في وعي كثير من المؤلفين ضرورة تقديم خطاب عقلاني مناسب يحفظون فيه الدين الإسلامي من سياط النقد الغربي ويحمون شباب...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1884
أصلان ثابتان في الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

أصلان ثابتان في الإسلام


ودين الإسلام مبنى على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب فيعبد فى كل زمان بما أمر به فى ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين وكذلك شريعة الإنجيل.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
324
رد الإمام أحمد على الحلولية | مرابط
اقتباسات وقطوف

رد الإمام أحمد على الحلولية


مقتطف من كلام الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أثناء رده على الحلولية حينما زعموا أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان ونتعلم هنا كيف يلزمهم بلوازم تفضي كلها إلى نتائج محددة ونستقي من كلامه أسلوب المناظرة والمحاورة لأهل الفرق الضالة الأخرى

بقلم: أحمد بن حنبل
2003
مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني | مرابط
مناظرات

مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني


مناظرة هامة جرت بين أحد علماء النصارى واشتهر بالذكاء والتحقيق والتمحيص والنظر وبين فخر الدين الرازي ودار الحديث حول ألوهية المسيح التي يقول بها النصارى وما يترتب على ذلك من لوازم فاسدة واستلزامات يتنزه عنها الإله جل في علاه وسنرى كيف ألزمه فخر الدين بهذه اللوازم التي تنكرها العقول والفطر السوية

بقلم: فخر الدين الرازي
2152
الدفاع عن السنة الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الدفاع عن السنة الجزء الأول


النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان جاء النبي فخالف كثيرا من أعراف العرب وأهواء الجاهلية ولذلك رموه عن قوس واحدة وجاء يقول لهم: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها وقتلت أشراف الناس فيها وسبيت النساء وكان العرب أصحاب غيرة إذا هم فهموا معنى: لا إله إلا الله وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

بقلم: أبو إسحق الحويني
644
بين حضارة الجسد وحركات تحرير المرأة | مرابط
فكر مقالات

بين حضارة الجسد وحركات تحرير المرأة


في الغرب يتحدثون عن حقوق المرأة في الوقت الذي تتصاعد فيه معدلات الإباحية والعري ومحاصرة المرأة بمعايير تؤكد أهمية جسدها وتختزلها تماما فيه. في مقال متميز للأستاذ مصطفى المرابط بعنوان صناعة الأنوثة جاء فيه أن الصورة النمطية التي يتم تثبيتها تختزل المرأة في جسدها لم يعد يكتفى بتشيؤ هذا الجسد أي تحويلها إلى شيء إنما جعله في خدمة الشيء حيث يقدم طعما للترويج لسلعة أو منتوج. فالجسد يقدم تارة على أنه مادة للاستهلاك وتارة أخرى وسيلة للاستهلاك.

بقلم: عبد الوهاب المسيري
241