النظر نوعان:
أحدهما: النظر الطلبي، وهو النظر في المسألة التي هي القضية المطلوب حكمها ليطلب دليلها، فالناظر هنا ينظر في المطلوب حكمه، هل يظفر بدليل يدل على حكمه أو لا يظفر، كطالب الضالة، والمقصود قد يجده وقد لا يجده، فهذا النظر هو الذي لا يجامع العلم بل يضاده؛ ﻷن الناظر هنا طالب للعلم بالقضية، ولو كان عالما بها لم يطلب العلم؛ ﻷن ذلك تحصيل حاصل.
الثاني: النظر الاستدسلالي، وهو النظر في الدليل والعلم به، المستلزم للعلم بالمدلول عليه، فإذا تصور الدليل، وتصور استلزامه للحكم على الحكم، وهو تصور الحد الأوسط المستلزم لثبوت الأكبر للأصغر، مثل من يعلم أن الخمر حرام، وأن كل مسكر خمر، فيلزم أن يعلم أن كل مسكر حرام، وهذا النظر هو ترتيب المقدمتين في النفس، وهذا النظر هو الذي يوجب العلم ولا يضاده.
وهذان النوعان للنظر العقلي مثالهما نظر العين، فإنه نوعان:
أحدهما: التحديق لطلب الرؤية، وهو بمنزلة تحديق القلب في المسألة ليعلم حكمها، وهذا قد يحصل معه العلم وقد لا يحصل، ولا يكون طالب العلم حين الطلب عالما بمطلوبه، كما أن المحدق لا يكون رائيًا لمراده حال التحديق.
والثاني: نفس الرؤية، فهي بمنزلة رؤية الدليل، كترتيب المقدمتين والظفر بالحد الأوسط، فهذا يوجب العلم كما توجب رؤية العلم العلم بالمرئي
المصدر:
- شيخ الإسلام ابن تيمية، الرد على المنطقيين، ص353