إنّ أيديولوجية المساواة الباطلة التي تبنتها الحركة النسوية، التي صفّق لها الكثير من المفكرين الغربيين نصرةً ومؤازرة لقضيَّة حقوق المرأة قد رفضتها العقول السّويَّة ومجّتها الألسن النقيَّة، لمخالفتها الطبيعة الإنسانيَّة والفطرة الغريزيَّة والصفات التَّكوينيَّة التي خُلقت في الذكر والأنثى وميزت كل منهما الأخرى، والتي لا يمكن لأي مخلوق بشري تغييرها والتَّحكم فيها سواء البيولوجيَّة، العضويَّة، أو النفسيَّة، والتي أراد الله وجودها وتمييزها في كل جنس عن الآخر، ليتمثل كلٌّ منهما بمهامه التي أرادها الله منهما، في بناء الحياة الأسريَّة ونهضة المجتمع، وأنّ في تحمل كل فرد مسؤوليته حتى يتكاتف كل منهما ويتكامل مع الآخر، كلٌّ حسب وظيفته في الحياة، وهذا كلّه، حتى تسير الحياة الخاصة والعامة على التَّكامل والتَّكاتف الوظيفي، ففي كل من الجنسين فروق كامنة تجعل منهما الصلاحيَّة نحو عمل معين، وهو الدور الطبيعي والشرعي المناط منهما.
ولكن، عندما تنحرف المفاهيم عن تلك الحقيقة الوظيفيَّة والخلقة الربّانيَّة، فإنّ الموازين تنقلب، والفطرة تنحرف عن مسارها ليحدث التَّخبط العشوائي في الحياة، فلا هدف تتخذه، ولا قوانين تحكمها، فلا تقيم أسرة، ولا تنهض لمجتمع، بل تفكك وضياع كالبهيمة، بل البهيمة لم تتخلَّ عن أسرتها ووظيفتها الأموميَّة.
إنّ أوّل من نادى بهذا المبدأ الممقوت، وتبعه كثير من الفلاسفة، والمفكرين، ورجال الدين المسيحي؛ أفلاطون، عندما أقام مدينته الفاضلة من خلال مشاعيته للنّساء والأطفال، من خلال مشاركة المرأة في بناء تلك المدينة، وبمساوتها مع الرجل في خوض ميدان التَّدريب العسكري، وميدان الرياضة، وفي ميدان حراسة الدولة.
لم يفرق أفلاطون في مبادئه بين تحمل المرأة البيولوجي، الجسدي، والعضوي لتلك المهام، وبين تحمل الرجل، فبمشاعيته للمرأة؛ ألغى الأسرة، وأخرج المرأة من دائرة الأمومة والزوجية وحفظ النسل، وجعلها ملكيَّة للجميع في حدود مدينته الفاضلة.
على أية حالٍ، فمبادئ أفلاطون جعلت أحد علماء الغرب يصف ويوضح خطورتها ومفاسدها على المرأة فأي انزلاق وخطر أعظم من تخلي المرأة عن مسؤوليتها تجاه الأسرة والتربية وحفظ النسل والأمومة، بل والتخلي عن أنوثتها لتتساوى وتتماثل -رغم الفروق الداخلية والخارجية- مع الرجل. وعليه، يمكننا هنا وضع مقابلة بين رؤية أفلاطون لجسد المرأة وتهميشه، وسيمون دي بوفوار من أهميَّة الجسد في تحديد وضع المرأة الاجتماعي، وإذا كانت سيمون دي بوفوار ترى أن جسد المرأة هو أحد العناصر الرئيسية في تشكيلها وتحديد وضعها في العالم فإن أفلاطون قرر إلغاء الجسد وجعلها مجرد أداة للإنجاب وأراد لها أن تكون كصفات الرجل في ميدان القتال وممارسة التَّمرينات.
المصدر:
سامية بنت مضحي بن فهد العنزي، الاتجاه النسوي في الفكر المعاصر: دراسة نقدية