التوبة الصادقة

التوبة الصادقة | مرابط

الكاتب: نبيل العوضي

525 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أخي العزيز! يا من أذنبت وعصيت، أتعلم أن الله يفرح بتوبتك، تقول: أنا الذي أقلب المجلات، وأنظر إلى الصور، وطالما إذا صليت التهيت بالدنيا، وطالما أفتح التلفاز للأغاني والمسلسلات، وطالما اغتبت الناس وفعلت وفعلت.. هل إذا رجعت إلى الله عزَّ وجلَّ يفرح؟

 

نقول لك: نعم. بل يحبك الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].

 

الله يفرح بتوبة عبده

 

يقول ابن القيم: خرج أحد العارفين إلى سكة من السكك، فإذا به ينظر إلى بابٍ يدفع دفعًا فيفتح، فيرى طفلًا صغيرًا يخرج من البيت وأمه خلفه تسبه وتشتمه فهرب الصبي، يقول هذا الرجل: فإذا بالصبي يبحث يمنة ويسرة عن مكان يأوي إليه فلا يجد.. ماذا يفعل؟ لا يدري، إذا به لا يعرف طريقًا إلا بيته، فيرجع إلى البيت ويفتح الباب فإذا الباب مقفل، فيضع رأسه على عتبة الباب على التراب وينام، وفي منتصف الليل تفتح الأم الباب -الأم التي طردته من البيت- فتنظر إلى ولدها فتبكي وتضمه وتحضنه، وتقول له: يا ولدي! لم حملتني على مخالفة ما جبلت به لك؟ لم حملتني على ضربك وحبسك وقد جبلت على رحمتك؟

 

يقول ابن القيم: سبحان الله! ما أحسن هذا الفعل بحديث رسول الله (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) والله إن الأمر لشديد لمن يعصي الله، فيطرده الله من رحمته، ويغضب ويسخط عليه، فعندما يرجع يفرح الله به ويحبه ويبدل سيئاته حسنات.

 

تبديل السيئات حسنات

أتى شيخٌ كبير قد أذنب وأسرف على نفسه بالمعاصي، يمشي على عصى وقد سقط حاجباه على عينيه، فأتى إلى رسول الله فقال: (يا محمد! إن لي خطايا لو وزعت على أهل الأرض لأهلكتهم جميعًا، فهل لي من توبة؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فيقول الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: تفعل الحسنات وتجتنب السيئات يبدلها الله عزَّ وجلَّ لك حسنات، فيقول الرجل: وغدراتي؟! وفجراتي؟! قال: يبدلها الله لك حسنات).. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135].

 

كن من الأوابين

أخي العزيز: لا تكثر على نفسك الذنوب والمعاصي، فإن الله عزَّ وجلَّ في كل يومٍ وليلة يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وفي النهار ليتوب مسيء الليل، فلماذا تعرض؟

 

ألا تعلم أن الله في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا ينادي: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟).. (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) قد يشغل قلبك أمرٌ طالما أخبر به الكثير من الناس، تقول: أذنب فأتوب ثم أرجع فأذنب ماذا أفعل؟

 

أتى الناس إلى الحسن البصري فقاقوا له: يا أبا سعيد! إننا نرى في أنفسنا أننا نتوب ثم نعاود الذنب، ثم نتوب ثم نعاود الذنب، فقال الحسن رحمه الله: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، ثم قال: إذا عاودتم الذنب فعاودوا التوبة، فإن الله لا يمل حتى تملوا: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25] الأوابون: الذين إذا تابوا ثم عادوا وعصوا، ثم يتوبون، ثم يعودون يعصون ثم يتوبون: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الاسراء:25].

 

ما أرحم الله! وما أجوده وما أكرمه! حقًا إنه رحيمٌ غفور ودود يتقرب إلى عباده، فوالله لو تقربت إليه ذراعًا لتقرب إليك باعًا، وإذا أتيته تمشي لأتاك هرولة.

ما أرحم الله! دمعة واحدة، تتوضأ، فتحسن الوضوء، فتقوم فتصلي ركعتين لا تحدث بهما نفسك، ثم تتوب من ذنبك، يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك.

ما أرحم الله! لا تقل: أسرفت وأذنبت وفعلت، فإن الله أرحم منك؛ بل أرحم من الوالدة بولدها.

 


 

المصدر:

 

محاضرة التوبة للشيخ نبيل العوضي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التوبة
اقرأ أيضا
جيل الصحابة ومن بعدهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

جيل الصحابة ومن بعدهم


مقتطف ماتع لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى المجلد الرابع يتحدث فيه عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم وكيف أنهم يفوقون من جاء بعدهم في كل شيء وفي كل فضيلة وعلم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هم يفوقون الناس جميعا في كل خصلة من خصال الخير

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1942
إن الحلال بين وإن الحرام بين | مرابط
اقتباسات وقطوف

إن الحلال بين وإن الحرام بين


قد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر وهو أن من الأشياء ما يعلم سبب حله وهو الملك المتيقن. ومنه ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه. فالأول لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه اللهم إلا في الأبضاع عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك أو إذا غلب على الظن وقوعه كإسحاق بن راهويه. والثاني: لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه.

بقلم: ابن رجب
359
آداب النوم | مرابط
تفريغات

آداب النوم


عبد الله إذا كنت لا تدري إذا صعدت روحك إلى بارئها حال النوم أتكون ممن تمسك روحه فلا يقوم أم ممن ترسل لتكمل بقية أجلها فليس يليق بك أن تودع الدنيا بالفجور والعصيان أو يكون آخر ما يقرع سمعك ألحان وغناء وأصوات الموسيقى والتخيلات الباطلة بل ودع الدنيا بخير ما ينبغي أن تودع به ثم نم على ذكر الله تبارك وتعالى واحتسب نومتك عبادة عند الله وتذكر دائما أنها ربما تكون آخر نومة تنامها فاشكر الله على عافيته وكفايته وإيوائه لك

بقلم: خالد الراشد
714
أسباب سقوط الأندلس الجزء الأول | مرابط
تاريخ فكر

أسباب سقوط الأندلس الجزء الأول


في هذا المقال نعود إلى تاريخ الأندلس لنقف على أهم الأسباب التي أدت إلى سقوطها في النهاية ولنعتبر بكل ما جرى في تلك المرحلة التاريخية الهامة ونستخلص عوامل الانهيار والانحدار التي أوصلت المسلمين إلى فقد هذه الحضارة الزاهية فالمستقبل لا يبنيه إلا من علم أخطاء الماضي وتحاشاها وتجنبها قدر طاقته واستطاعته وإدراك أسباب سقوط الأندلس يعيننا على فهم السنن الكونية وفهم عوامل الصعود وعوامل السقوط

بقلم: علي محمد الصلابي
3941
من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع أهله | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع أهله


وأنت أيتها المرأة إذا صدرت من الزوج كلمة هل تحسبينها له في ملف وسجل ثم لا تنسين هذه الإساءة والخطأ؟ وإذا كان لك خادمة أو أنت أيها الرجل كان لك سائق خادم فأخطأ في حقك وقصر فلو كسرت الخادمة إناء كيف تصنعين بها؟ هذا النبي ﷺ كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما جاءه رجل فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت ثم أعاد عليه فصمت فلما كان الثالثة قال: اعف عنه في كل يوم سبعين مرة الحديث أخرجه أبو داود

بقلم: خالد السبت
442
اهضم مبدعا | مرابط
فكر ثقافة

اهضم مبدعا


هناك فكرة جميلة يسمونها في الغرب اسرق مبدعا وليس معنى ذلك أن تسطو على أعماله وتنسبها لنفسك وإنما معناه أن تقصد إلى نتاج مبدع في مجاله وفنه وتعكف عليه عكوف المتبتل لا تدير وجهك عنه حتى تتشربه وتقف عليه وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه حتى تهضمه ويسلس لك قياد أعماله.

بقلم: د. طلال من فواز الحسان
360