التوبة الصادقة

التوبة الصادقة | مرابط

الكاتب: نبيل العوضي

633 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أخي العزيز! يا من أذنبت وعصيت، أتعلم أن الله يفرح بتوبتك، تقول: أنا الذي أقلب المجلات، وأنظر إلى الصور، وطالما إذا صليت التهيت بالدنيا، وطالما أفتح التلفاز للأغاني والمسلسلات، وطالما اغتبت الناس وفعلت وفعلت.. هل إذا رجعت إلى الله عزَّ وجلَّ يفرح؟

 

نقول لك: نعم. بل يحبك الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].

 

الله يفرح بتوبة عبده

 

يقول ابن القيم: خرج أحد العارفين إلى سكة من السكك، فإذا به ينظر إلى بابٍ يدفع دفعًا فيفتح، فيرى طفلًا صغيرًا يخرج من البيت وأمه خلفه تسبه وتشتمه فهرب الصبي، يقول هذا الرجل: فإذا بالصبي يبحث يمنة ويسرة عن مكان يأوي إليه فلا يجد.. ماذا يفعل؟ لا يدري، إذا به لا يعرف طريقًا إلا بيته، فيرجع إلى البيت ويفتح الباب فإذا الباب مقفل، فيضع رأسه على عتبة الباب على التراب وينام، وفي منتصف الليل تفتح الأم الباب -الأم التي طردته من البيت- فتنظر إلى ولدها فتبكي وتضمه وتحضنه، وتقول له: يا ولدي! لم حملتني على مخالفة ما جبلت به لك؟ لم حملتني على ضربك وحبسك وقد جبلت على رحمتك؟

 

يقول ابن القيم: سبحان الله! ما أحسن هذا الفعل بحديث رسول الله (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) والله إن الأمر لشديد لمن يعصي الله، فيطرده الله من رحمته، ويغضب ويسخط عليه، فعندما يرجع يفرح الله به ويحبه ويبدل سيئاته حسنات.

 

تبديل السيئات حسنات

أتى شيخٌ كبير قد أذنب وأسرف على نفسه بالمعاصي، يمشي على عصى وقد سقط حاجباه على عينيه، فأتى إلى رسول الله فقال: (يا محمد! إن لي خطايا لو وزعت على أهل الأرض لأهلكتهم جميعًا، فهل لي من توبة؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فيقول الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: تفعل الحسنات وتجتنب السيئات يبدلها الله عزَّ وجلَّ لك حسنات، فيقول الرجل: وغدراتي؟! وفجراتي؟! قال: يبدلها الله لك حسنات).. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135].

 

كن من الأوابين

أخي العزيز: لا تكثر على نفسك الذنوب والمعاصي، فإن الله عزَّ وجلَّ في كل يومٍ وليلة يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وفي النهار ليتوب مسيء الليل، فلماذا تعرض؟

 

ألا تعلم أن الله في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا ينادي: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟).. (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) قد يشغل قلبك أمرٌ طالما أخبر به الكثير من الناس، تقول: أذنب فأتوب ثم أرجع فأذنب ماذا أفعل؟

 

أتى الناس إلى الحسن البصري فقاقوا له: يا أبا سعيد! إننا نرى في أنفسنا أننا نتوب ثم نعاود الذنب، ثم نتوب ثم نعاود الذنب، فقال الحسن رحمه الله: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، ثم قال: إذا عاودتم الذنب فعاودوا التوبة، فإن الله لا يمل حتى تملوا: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25] الأوابون: الذين إذا تابوا ثم عادوا وعصوا، ثم يتوبون، ثم يعودون يعصون ثم يتوبون: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الاسراء:25].

 

ما أرحم الله! وما أجوده وما أكرمه! حقًا إنه رحيمٌ غفور ودود يتقرب إلى عباده، فوالله لو تقربت إليه ذراعًا لتقرب إليك باعًا، وإذا أتيته تمشي لأتاك هرولة.

ما أرحم الله! دمعة واحدة، تتوضأ، فتحسن الوضوء، فتقوم فتصلي ركعتين لا تحدث بهما نفسك، ثم تتوب من ذنبك، يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك.

ما أرحم الله! لا تقل: أسرفت وأذنبت وفعلت، فإن الله أرحم منك؛ بل أرحم من الوالدة بولدها.

 


 

المصدر:

 

محاضرة التوبة للشيخ نبيل العوضي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التوبة
اقرأ أيضا
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج2


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1145
قانون لتدمير الأسرة | مرابط
فكر مقالات المرأة

قانون لتدمير الأسرة


وها نحن في هذه الأيام نمر بفترة عصيبة من حياة الأمة تستورد فيها الأمة القوانين من هنا وهناك غير مبالين بمخالفة الشريعة الإسلامية وغير عابئين بالآثار الوخيمة التي ستعود على المسلمين من جراء تطبيق هذه القوانين المستوردة ومن آخر هذه القوانين وأخطرها قانون الطفل الجديد

بقلم: د راغب السرجاني
2401
التحدي الأعظم ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

التحدي الأعظم ج2


جوانب الإعجاز في القرآن الكريم لا تكاد تنقضي وكلما تأملته وتدبرته ظهرت لك تفاصيل إعجازية لم تعلم عنها من قبل سواء في لغته أو بنائه أو محتواه العلمي أو تنبؤاته إلخ وهذا الأمر ليس محصورا على العرب والمسلمين وإنما متاح لكل من يتدبر بل إن من أشهر الآيات المعبرة عن هذا الجانب قوله تعالى في سورة فصلت: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ۗ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد 53 ومن السياق يتضح أن الآية تتحدث عن الكفار والحاصل فعلا هو أن الإعجاز العلمي في العصور المتأخرة يقوم غا...

بقلم: موقع هداية الملحدين
1553
شبهة حول الكسوف والخسوف | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

شبهة حول الكسوف والخسوف


يقول بعض المشككين: الواضح أنه ليس الهدف من البرق أن يخوف الله البشر أو الهدف من الكسوف ما ظنه البعض بجهالة أنه لموت إبراهيم ابن النبى أو خشية قيام الساعة بل الأمر مجرد ظواهر طبيعية عادية وهذا هو فضل العلم الحديث على البشرية جمعاء ولكنهم لم يكونوا يدركون ذلك بعد وكان تفسيرهم لتلك الظواهر نابعا من استنتاجات محدودة وبين يديكم مقال مختصر وموجز في الرد على هذه الفرية

بقلم: محمد الغزالي
811
لا خير في كثير من نجواهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا خير في كثير من نجواهم


قرأ الإمام اليوم فينا آية انهمرت مع حروفها أمام ناظري كثير من السجالات الفكرية المعاصرة يسكبون ساعات المقاهي في نقاشات فكرية متشعبة تسمع شرارتها الأولى وتغيب البقية وسط الضجيج والله يقول: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فيا ضيعة الأعمار

بقلم: إبراهيم السكران
510
الساعة الخامسة والسابعة صباحا | مرابط
تعزيز اليقين

الساعة الخامسة والسابعة صباحا


في الساعة الخامسة صباحا والتي تسبق تقريبا خروج صلاة الفجر عن وقتها تجد طائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر إما تسبح وإما تستاك في طريقها بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصلون ويدعون فتيان المنزل وفتياته في سباتهم وما إن تأتي الساعة السابعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج- وبدأ وقت الدراسة والدوام إلا وتتحول الرياض وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار حركة موارة وطرقات تتدافع ومتاجر يرتطم الناس فيه...

بقلم: إبراهيم السكران
1835