أخي العزيز! يا من أذنبت وعصيت، أتعلم أن الله يفرح بتوبتك، تقول: أنا الذي أقلب المجلات، وأنظر إلى الصور، وطالما إذا صليت التهيت بالدنيا، وطالما أفتح التلفاز للأغاني والمسلسلات، وطالما اغتبت الناس وفعلت وفعلت.. هل إذا رجعت إلى الله عزَّ وجلَّ يفرح؟
نقول لك: نعم. بل يحبك الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
الله يفرح بتوبة عبده
يقول ابن القيم: خرج أحد العارفين إلى سكة من السكك، فإذا به ينظر إلى بابٍ يدفع دفعًا فيفتح، فيرى طفلًا صغيرًا يخرج من البيت وأمه خلفه تسبه وتشتمه فهرب الصبي، يقول هذا الرجل: فإذا بالصبي يبحث يمنة ويسرة عن مكان يأوي إليه فلا يجد.. ماذا يفعل؟ لا يدري، إذا به لا يعرف طريقًا إلا بيته، فيرجع إلى البيت ويفتح الباب فإذا الباب مقفل، فيضع رأسه على عتبة الباب على التراب وينام، وفي منتصف الليل تفتح الأم الباب -الأم التي طردته من البيت- فتنظر إلى ولدها فتبكي وتضمه وتحضنه، وتقول له: يا ولدي! لم حملتني على مخالفة ما جبلت به لك؟ لم حملتني على ضربك وحبسك وقد جبلت على رحمتك؟
يقول ابن القيم: سبحان الله! ما أحسن هذا الفعل بحديث رسول الله (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) والله إن الأمر لشديد لمن يعصي الله، فيطرده الله من رحمته، ويغضب ويسخط عليه، فعندما يرجع يفرح الله به ويحبه ويبدل سيئاته حسنات.
تبديل السيئات حسنات
أتى شيخٌ كبير قد أذنب وأسرف على نفسه بالمعاصي، يمشي على عصى وقد سقط حاجباه على عينيه، فأتى إلى رسول الله فقال: (يا محمد! إن لي خطايا لو وزعت على أهل الأرض لأهلكتهم جميعًا، فهل لي من توبة؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ فيقول الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: تفعل الحسنات وتجتنب السيئات يبدلها الله عزَّ وجلَّ لك حسنات، فيقول الرجل: وغدراتي؟! وفجراتي؟! قال: يبدلها الله لك حسنات).. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135].
كن من الأوابين
أخي العزيز: لا تكثر على نفسك الذنوب والمعاصي، فإن الله عزَّ وجلَّ في كل يومٍ وليلة يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وفي النهار ليتوب مسيء الليل، فلماذا تعرض؟
ألا تعلم أن الله في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا ينادي: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟).. (الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها) قد يشغل قلبك أمرٌ طالما أخبر به الكثير من الناس، تقول: أذنب فأتوب ثم أرجع فأذنب ماذا أفعل؟
أتى الناس إلى الحسن البصري فقاقوا له: يا أبا سعيد! إننا نرى في أنفسنا أننا نتوب ثم نعاود الذنب، ثم نتوب ثم نعاود الذنب، فقال الحسن رحمه الله: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، ثم قال: إذا عاودتم الذنب فعاودوا التوبة، فإن الله لا يمل حتى تملوا: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25] الأوابون: الذين إذا تابوا ثم عادوا وعصوا، ثم يتوبون، ثم يعودون يعصون ثم يتوبون: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الاسراء:25].
ما أرحم الله! وما أجوده وما أكرمه! حقًا إنه رحيمٌ غفور ودود يتقرب إلى عباده، فوالله لو تقربت إليه ذراعًا لتقرب إليك باعًا، وإذا أتيته تمشي لأتاك هرولة.
ما أرحم الله! دمعة واحدة، تتوضأ، فتحسن الوضوء، فتقوم فتصلي ركعتين لا تحدث بهما نفسك، ثم تتوب من ذنبك، يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك.
ما أرحم الله! لا تقل: أسرفت وأذنبت وفعلت، فإن الله أرحم منك؛ بل أرحم من الوالدة بولدها.
المصدر:
محاضرة التوبة للشيخ نبيل العوضي