التحدي لا يكفي!
هاتان الآيتان لا تكتفيان بالتحدي، وإنما تختمان التحدي بالتهديد.. أي قوة كاسحة! أنت لست فقط عاجز عن مقابلة هذا التحدي، بل إنك ستواجه العقاب الشديد على كذبك وتدليسك. أنت تدعي أن القرآن بشري، ثم تعجز بقدراتك البشرية عن الإتيان بمثله، ثم تستعين بمن شئت وتعجز أيضا، ومع ذلك تظل مكابرا كاذبا على دعواك بعد أن انكشفت أمام نفسك؟ ألا تستحق العقاب على كذبك ومكابرتك؟ بلى، ولكنه عقاب شديد، وهو أن تكون وقودا لنار جهنم! أليس هذا العقاب دافع مضاعف لكي تستجيب للتحدي؟
الإخبار بالنتيجة
من النادر أن يأتي التحدي مقرونا مع نتيجته، لكن هذا التحدي القرآني يخبرك بالنتيجة مقدما! الإعجاز في العادة هو أن تتحدى القيام بعمل ما، ثم تنتظر النتيجة لتثبت عجز خصومك، لكن القرآن لا يكتفي بذلك، وإنما يخبرك أيضا أنك ستعجز: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا"، فيكشف كبرك وغطرستك أمام نفسك لتدرك عجزك.
أهل العربية
هذا التحدي لم يوجه إلى العرب خاصة، لكنه بالتأكيد معروض عليهم قبل غيرهم، لأنه بلغتهم.
لكن هل العرب فقط هم أهل البلاغة والبيان؟
لقد كانت مجالات المفاخرة عند الأقوام الأخرى كالإغريق والرومان والفرس تتمثل في جوانب قد تكون اللغة مجرد أداة فيها كالفلسفة والميثولوجيا كما عند الإغريق، أو إبداعات لا تعتبر اللغة عنصرا أساسيا فيها كالبناء والتشييد كما عند الفراعنة والرومان والنحت والرسم كما عند الرومان أيضا والعصور الأوروبية الوسطى.
بينما كان العرب هم أهل البلاغة والبيان، اللغة هي صنعتهم الأولى، وإن كان ضعف الانتماء والهزيمة النفسية تزهد بعض المعاصرين بلغتهم وهويتهم، ولكن عند التجرد نجد أن اللغة العربية تفوق اللغات الأخرى، فعدد مفردات اللغة العربية يصل إلى 12 مليون مفردة، أي ما يعادل 25 ضعفا من عدد مفردات اللغة الإنجليزية مثلا. فعلى أي شيء يدل ذلك؟ الجواب ببساطة هو أن ثراء اللغة بالمفردات يدل على قوتها التعبيرية وقوة تأثيرها على المتحدثين بها. بل إن العرب يتفاخرون ببلاغتهم وبيانهم. والجذر اللغوي "عرب" الذي اشتق منه اسم اللغة يدل على الإفصاح والتعبير. وكان يمكن لبيت من الشعر أن يرفع القوم عاليا ويمكن لبيت آخر يخر بهم، ومن أبرز القصص المعروفة قصة بني أنف الناقة الذين علت مكانتهم بين القبائل بعد أن قال بهم الحطيئة قصيدة من أبياتها "قومٌ هم الأنف والأذناب غيرهم :: ومن يسوِّي بأنف الناقة الذنبا"، والأمثلة كثيرة ومتعددة في أغراض الشعر وخصوصا الهجاء والمديح والرثاء.
كما أن المعلقات العشر وتعلق الناس بها في عصر ظهور الإسلام من أكبر الدلائل على جودة اللغة ومهارة العرب في التعبير والبيان والفصاحة.
فعندما يكون القرآن باللغة العربية، وينزل في العصر الذي بلغت فيه اللغة أوج قوتها، ثم يأتي هذا التحدي صريحا قويا مدويا لا مجال فيه للمراوغة، فإنه لا يكون أمام أعداءه إلا الاستسلام أو المكابرة المكشوفة.
الموناليزا؟
الموناليزا لم يستطع أحد أن يقلدها، فهل هي وحي؟ ومع التحفظ على أن أحدا لم يقلدها، أو يأت بمثلها، لكن هذه العبارة فيها تدليس على البسطاء. ومع الفارق لكن لا بأس من التبسط لكشف هذا التدليس.
دافنشي لم يتحدّ أحدا أن يرسم مثل لوحته، والآية تتحدى. بل إنه لم يكن ليجرؤ على التحدي، فاللوحة لم تكتسب قيمتها الحالية في حينها، وإنما اكتسبتها مع مرور الزمن وتداول الحديث عنها.
اكتسبت الموناليزا تفردها عبر خمسة قرون، وصارت تحمل قيمة تاريخية، فقيمتها بعد رسمها مباشرة كانت ضئيلة جدا بالمقارنة مع قيمتها الحالية، بينما التحدي القرآني يحمل صفة ذاتية فيه، وجدت أثناء نزوله واستمرت 15 قرنا، والتحدي مفتوح إلى آخر الزمان.
مع أن هناك من قلّد الموناليزا تقليدا دقيقا للغاية، ولكن تقليدها لا يعني إسقاطها، بينما التحدي القرآني واضح جدا، وهو أن الإتيان بسورة من مثله يعني إسقاطه وانتهاء الدين.
الموناليزا لم يتهمها أحد من معاصري دافنشي بأنها مزورة أو ليست من عمله، بينما تكررت الدعاوى من الكفار بأن القرآن شعر أو سحر أو من أساطير الأولين..
فالخلاصة هي أن المقارنة بين الأعمال البشرية وبين التحدي القرآني ليست صحيحة. لا يوجد أحد من البشر يتحدى الآخرين بالإتيان بجزء من عمله على أن تكون النتيجة هي إسقاط قيمة عمله!
المصدر:
موقع هداية الملحدين