التعامل مع نقص اليقين

التعامل مع نقص اليقين | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

657 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بل إن القرآن لم يرسم لقارئه درب اليقين فقط، وإنما أضاف طريقة التعامل مع الشريحة التي تعاني من نقص اليقين، فنهانا القرآن أن نتأثر بإرجاف مرضى الحيرة والشكوك، كما قال الله عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.

وفي واقعة شهيرة جدًا في تاريخ الإسلام رواها البخاري ومسلم، بل غالب كتب السنة، وجمع العلامة ابن حجر العسقلاني روايات هذه الواقعة من كتب السنة، والفروق بينها، في أول كتابه (فتح الباري:1/ 142، طبعة دار الريان)، وفي هذه الواقعة الشهيرة جاء جبرائيل - عليه السلام - إلى مجلسٍ اجتمع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكان جبرائيل قد تمثل بصورة رجل بشري، وكان شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، وفي بعض الروايات: (إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنس)، وفي رواية أخرى: (شديد سواد اللحية)، وفي رواية أخرى: (ليس عليه سحناء السفر، وليس من البلد).

وهذا كان في غاية الغرابة بالنسبة للصحابة، حتى إنه علاهم الوجوم كما جاء في بعض الروايات: (فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: ما نعرف هذا)! إذ إن هذا الرجل ليس من أهل المدينة فهم يعرفون أهلها جيدًا، وفي ذات الوقت لا يمكن أن يكون رجلًا مسافرًا قدم للمدينة لأن هيئته وملابسه ليست هيئة وملابس المسافر!

وفي مرأى من الناس جاء هذا الرجل - الذي هو جبريل في حقيقة الأمر - يتخطى بين الصحابة، حتى وصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس أمامه، وصارت ركبتا جبريل تلامس ركبتي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وزاد جبريل في الاقتراب فوضع يديه على فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والناس لا يعرفون من هذا الرجل!

ثم بدأ جبريل يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسئلة مرتبة هرميًا، تدور حول أصول الإسلام، والصحابة مشدودة أعناقهم إلى هذا المشهد. فاستفتح جبريل أول سؤال بالاستفسار عن (مفهوم الإسلام)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب عن السؤال، ويستعرض تعريف مفهوم الإسلام، فيجعل الإسلام هو الأركان الخمسة التي تدور حول التوحيد والشعائر الأربع الكبرى.

ثم ينتقل جبريل ويسأل عن مرتبة أعلى وهي (مفهوم الإيمان)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب فيستعرض تعريف الإيمان، ويجعله يدور حول التصديق بالغيبيات أساسًا، ثم ينتقل جبريل ويسأل عن مرتبة أعلى من الإسلام والإيمان، وهي أعلى مراتب الدين، وهي (مفهوم الإحسان)، فيعرفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعريف في غاية الروعة، إذ يجعل الإحسان هو اليقين المطلق الذي تنهار فيه الفوارق بين الغيب والشهادة، حيث يقول جبريل: «فأخبرني عن الإحسان»؟ فيقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

انظر .. أين وصل اليقين؟! حيث أصبح الأمر الغائب الذي لا تراه كأنه الأمر الحاضر الذي تراه. إنها تلك اللحظة التي يصبح فيها ما يراه بصر رأسك حِسًا، بنفس المستوى الذي تراه بصيرة قلبك إيمانًا. عيون الموقن في رأسه وقلبه تسيران جنبًا إلى جنب في هذه الحياة، ولا يتخلف أحدهما عن الآخر، ويبصران المرئي وغير المرئي بذات الحدة البصرية: «أن تعبد الله كأنك تراه». ثم كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين .. !

 


 

المصدر:

إبراهيم السكران، رقائق القرآن، ص160

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #اليقين
اقرأ أيضا
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين تفريغات

ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر الجزء الأول


القدر مما تعبدنا الله به استسلاما له فلابد أن نعرف حكم القضاء والقدر وأن الإيمان بالقضاء والقدر واجب لنتعبد الله بالاستسلام لهذا القضاء والقدر وفي هذا المقال بجزئيه استعراض ماتع من الشيخ محمد صالح المنجد لفوائد وثمرات الإيمان بالقدر مثل حسن الظن بالله والتسليم لحكمه سبحانه

بقلم: محمد صالح المنجد
1305
وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار | مرابط
تاريخ تفريغات المرأة

وضع الحجاب في الأندلس بعد الاستعمار


حظر اللباس الموريسكي الموريسكيون هم المسلمين الذين دخلوا في المسيحية حظر اللباس الموريسكي على الرجال والنساء وإلزام النساء بالإضافة إلى ذلك بكشف الوجه -لأنهن كن قد غطين الوجوه- في الزفاف وفي كل أنواع الاحتفالات تمنع رقصة السمرة وإقامة الليالي أي: تقوم الليالي بمصاحبة الآلات الغنائية ويجب أن تضل أبواب البيوت مفتوحة وتمنع النساء من التخضيب بالحناء ويحظر استعمال الأسماء والألقاب الإسلامية

بقلم: عبد العزيز الطريفي
314
إظهار المنكرات | مرابط
اقتباسات وقطوف

إظهار المنكرات


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن المظهرين للذنوب فالرجل من المسلمين لو جاهر بالذنب وجب على المسلمين أن يبغضوه بقدر ما أظهر من الذنب وأن يظهروا له الخير إذا تاب إلى الله وتراجع عن ذنبه وفي المقتطف نماذج عملية من السيرة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
505
عوامل الصعود اللوطي الجزء الأول | مرابط
مقالات الجندرية

عوامل الصعود اللوطي الجزء الأول


تستند الموجة اللوطية الجديدة على عدد من العوامل في صعودها السريع وانتشارها الملحوظ في بعض المجتمعات ومن أبرز هذه العوامل: التقدم الطبي الذي أتاح للشواذ واللوطيين إجراء تعديلات جسدية وتجميلية وظاهرية موافقة للميول الجندرية الجديدة وكذلك الإتخام الجنسي وإتاحته بكل الصور في كل مكان عبر الشبكة مثلا أحدث نوعا من الملل والتخمة لدى مشاهدي ومدمني البورنو وهو كا دفعهم إلى أشكال جديدة من الجنس مثل اللوطية وفي هذا المقال يناقش الكاتب عمرو عبد العزيز هذه العوامل وغيرها بشكل موجز

بقلم: عمرو عبد العزيز
2410
مقصود طلب العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود طلب العلم


كثير من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرئ ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم: إن طلبه لله عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبد ويمجد الله ويوحد

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
375
تهاوي المقدس | مرابط
فكر مقالات

تهاوي المقدس


لما قرأ الغربيون مثل هذا الكلام في كتابهم الذي قيل لهم طوال ألف عام إنه مقدس تخلخلت ثقتهم فيه وفي كل ما بني عليه من عقائد وتشريعات وأخلاقيات وبدأ البناء يتهاوى شيئا فشيئا وبدا لهم أن كتابهم المقدس لم يكن إلا أشبه ببالون منفوخ بالهواء وإن لمسة دبوس كانت كافية لإفراغه من كل ما فيه

بقلم: د أحمد إدريس الطعان
1747