التعامل مع نقص اليقين

التعامل مع نقص اليقين | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

756 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

بل إن القرآن لم يرسم لقارئه درب اليقين فقط، وإنما أضاف طريقة التعامل مع الشريحة التي تعاني من نقص اليقين، فنهانا القرآن أن نتأثر بإرجاف مرضى الحيرة والشكوك، كما قال الله عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}.

وفي واقعة شهيرة جدًا في تاريخ الإسلام رواها البخاري ومسلم، بل غالب كتب السنة، وجمع العلامة ابن حجر العسقلاني روايات هذه الواقعة من كتب السنة، والفروق بينها، في أول كتابه (فتح الباري:1/ 142، طبعة دار الريان)، وفي هذه الواقعة الشهيرة جاء جبرائيل - عليه السلام - إلى مجلسٍ اجتمع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكان جبرائيل قد تمثل بصورة رجل بشري، وكان شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، وفي بعض الروايات: (إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسها دنس)، وفي رواية أخرى: (شديد سواد اللحية)، وفي رواية أخرى: (ليس عليه سحناء السفر، وليس من البلد).

وهذا كان في غاية الغرابة بالنسبة للصحابة، حتى إنه علاهم الوجوم كما جاء في بعض الروايات: (فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: ما نعرف هذا)! إذ إن هذا الرجل ليس من أهل المدينة فهم يعرفون أهلها جيدًا، وفي ذات الوقت لا يمكن أن يكون رجلًا مسافرًا قدم للمدينة لأن هيئته وملابسه ليست هيئة وملابس المسافر!

وفي مرأى من الناس جاء هذا الرجل - الذي هو جبريل في حقيقة الأمر - يتخطى بين الصحابة، حتى وصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس أمامه، وصارت ركبتا جبريل تلامس ركبتي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وزاد جبريل في الاقتراب فوضع يديه على فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والناس لا يعرفون من هذا الرجل!

ثم بدأ جبريل يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسئلة مرتبة هرميًا، تدور حول أصول الإسلام، والصحابة مشدودة أعناقهم إلى هذا المشهد. فاستفتح جبريل أول سؤال بالاستفسار عن (مفهوم الإسلام)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب عن السؤال، ويستعرض تعريف مفهوم الإسلام، فيجعل الإسلام هو الأركان الخمسة التي تدور حول التوحيد والشعائر الأربع الكبرى.

ثم ينتقل جبريل ويسأل عن مرتبة أعلى وهي (مفهوم الإيمان)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجيب فيستعرض تعريف الإيمان، ويجعله يدور حول التصديق بالغيبيات أساسًا، ثم ينتقل جبريل ويسأل عن مرتبة أعلى من الإسلام والإيمان، وهي أعلى مراتب الدين، وهي (مفهوم الإحسان)، فيعرفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعريف في غاية الروعة، إذ يجعل الإحسان هو اليقين المطلق الذي تنهار فيه الفوارق بين الغيب والشهادة، حيث يقول جبريل: «فأخبرني عن الإحسان»؟ فيقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

انظر .. أين وصل اليقين؟! حيث أصبح الأمر الغائب الذي لا تراه كأنه الأمر الحاضر الذي تراه. إنها تلك اللحظة التي يصبح فيها ما يراه بصر رأسك حِسًا، بنفس المستوى الذي تراه بصيرة قلبك إيمانًا. عيون الموقن في رأسه وقلبه تسيران جنبًا إلى جنب في هذه الحياة، ولا يتخلف أحدهما عن الآخر، ويبصران المرئي وغير المرئي بذات الحدة البصرية: «أن تعبد الله كأنك تراه». ثم كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين .. !

 


 

المصدر:

إبراهيم السكران، رقائق القرآن، ص160

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران #اليقين
اقرأ أيضا
خرافة قانون الجذب | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

خرافة قانون الجذب


إن الشريعة جاءت ببيان أن مجرد ما يتردد في النفس من الخواطر والأفكار فليس محلا للمؤاخذة أو المحاسبة ما لم ينتج عنه عمل وهؤلاء يريدون أن يجلعوا الخواطر السيئة بمجردها سببا لنزول المصائب والبلايا مطلقا مناقضين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوسوت به صدورها ما لم تعمل أو تكلم فأصحاب قانون الجذب الفاسد يقلبون الموازين بحصر سبب المصيبة في تفكير من وقعت عليه مغفلين بذلك الأسباب الحقيقية التي أثبتتها نصوص الشرع وقواعد العقل الصحيح

بقلم: عبد الله العجيري
446
أيديولوجية المساواة | مرابط
النسوية

أيديولوجية المساواة


مبادئ أفلاطون جعلت أحد علماء الغرب يصف ويوضح خطورتها ومفاسدها على المرأة فأي انزلاق وخطر أعظم من تخلي المرأة عن مسؤوليتها تجاه الأسرة والتربية وحفظ النسل والأمومة بل والتخلي عن أنوثتها لتتساوى وتتماثل -رغم الفروق الداخلية والخارجية- مع الرجل

بقلم: سامية بنت مضحي بن فهد العنزي
695
مش متدين لكنه طيب | مرابط
أباطيل وشبهات فكر تفريغات

مش متدين لكنه طيب


يناقش الدكتور إياد قنيبي العبارة الرائجة على ألسنة عوام الناس فلان مش متدين لكنه طيب في محاولة لتوضيح مفهوم التدين وكيف أنه يشمل كل خلق حميد وكل صفة حسنة وأن على المسلمين التحلي بكل هذه الصفات وإدخالها في مفهوم التدين لديهم وعدم حصره في بعض الشعائر والمظاهر فقط

بقلم: د إياد قنيبي
2189
بين الأصل والاستثناء | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

بين الأصل والاستثناء


إنها ظاهرة الخلط بين الأصل و الاستثناء تتشابك معها القضايا في ذهن المتحدث فيدخل في أحكام الشريعة أمورا ويبرهن عليها ويكون دليله على ذلك النظر في حالات الضرورة والمنهجية الصحيحة أن يقرر أولا الحكم الشرعي الأصلي الذي يريده الله ويريده النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتحدث بعدها عن ما يطرأ في الواقع من حالات ضرورة أو حاجة معينة تعطي نوعا من الاستثناء للحكم لا أن تتداخل فلا يعلم القارئ هل هو أمام حكم استثنائي خاص أم حكم شرعي دائم

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2169
مفاهيم تحتاجها الأمة ج2 | مرابط
تفريغات

مفاهيم تحتاجها الأمة ج2


وأنا سأطرح بعض المفاهيم التي أشعر أن الأمة بحاجة لها وأخاطب بها كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا حاكما كان أو محكوما عربيا كان أو عجميا قريبا كان أو بعيدا يعيش في بلد محتل أو حر

بقلم: د راغب السرجاني
675
إشكالية المصطلح النسوي | مرابط
اقتباسات وقطوف النسوية

إشكالية المصطلح النسوي


تظهر إشكالية المصطلح النسوي فيما يتعلق برخاوة الدلالة كحال مصطلح الأدوار النمطية والمقصود به طريقة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة فهناك ضبابية شديدة في استعمالاته ويستعمل بدون ضبط لدلالاته والسبب في ذلك أنه لا يمكن ضبط دلالته بشكل دقيق

بقلم: د خالد عبد العزيز
801