مش متدين لكنه طيب

مش متدين لكنه طيب | مرابط

الكاتب: د إياد قنيبي

2189 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

 

من المفاهيم التي تحتاج تصحيحًا -وبشدة!:
 
(فلان أو فلانة مش متدين لكنه طيب، محترم، "جنتل"، مستقيم، مُتقن لعمله)..
 
وكأنَّ هذه الصفات كلها ليست جزءًا من التدين!
 
وهذا ناتج عن تصور "التَّدَيُّن" وكأنه محصور في شعائر معينة كالحجاب واللحية، واجتناب العلاقات غير المنضبطة بين الجنسين وما إلى ذلك.
 
والصحيح أن علينا أن نوسع دائرة التدين في حِسِّنا وتَصَوُّرنا لتشمل كل خُلق جميل وكل معنىً من المعاني السامية كالخيرية والطيبة وحسن التعامل ومعونة الناس وإتقان العمل.
 
ألم تسمع قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكم لعلكم تذكَّرون}..
 
ورسولُنا صلى الله عليه وسلم وسَّع الدائرة في الحديث الذي صححه الألباني: مر على النبي رجلٌ فرأى أصحابُ النبي من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: (يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله)!
 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخرًا فهو في سبيل الشيطان}.
 
لا شك أن المهم في هذا كله أن يكون الذي نتكلم عنه مسلمًا أو مسلمة، بحيث لم يفعل ما يحبط عمله أو يخرجه من دائرة الإسلام، المسلم الذي يعظم الله ويحب الله ورسوله ويُقر بأن المرجعية هي لشرع الله عز وجل، ويعترف لله بأخطائه وذنوبه ولا يبررها..

المسلم الذي يقوم بأركان الإسلام لا يهدمها، فهو أو هي يصلي ويصوم ويزكي وإن استطاع حجَّ، ولا يقلل من شأن هذه الأمور بدعوى أن المهم حسن التعامل مع الناس، بل هو معترف بحق رب الناس سبحانه وتعالى. هذا المسلم كل خُلق طيب لديه وكل عمل صالح يعمله هو "تَدَيُّن"، حتى وإن كان عاصيًا مذنبًا في جانب من الجوانب.

في المقابل، من العبارات الخطيرة: (فلان متدين لكنه جلف في التعامل مع والديه/مهمل لأبنائه/"عواطلي" أو اتكالي لا يسعى على رزق عياله/يستدين من الآخرين ولا يهتم بسداد الدَّين/حقود...إلخ). (فلانة متدينة لكنها تغتاب زميلاتها، تحسدهن، تعاملها سيئ...إلخ)..
 
وكأن هذه الذنوب لا تقدح في وصف "التدين"!  
 
كما أن كبائر الجوارح تقدح في "التدَيُّن" فكذلك كبائر القلوب تقدح في التدين، بل كثيرًا ما تكون أسوأ من كبائر الجوارح كما نص ابن القيم، رحمه الله... فكم من شخص يوصف بأنه "متدين" وعنده حسد/سوء ظن بالمسلمين/عُجب/كبر...
 
وكم من شخص لا يصنف –بالتعريف الضيق- ضمن دائرة المتدينين وعنده من خيرية القلب وسلامة الصدر وحسن الخلق ما يجعله يسبق "المتدين" في عرف الناس، ففي الحديث الصحيح قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لَيبلّغُ العبدَ بحُسنِ خُلُقِه درجةَ الصومِ والصلاةِ».

ولا يُقصد به طبعًا أنه يكفيه حسن الخلق ولو هَدَم ركنين من أركان الإسلام (الصوم والصلاة)! بل فيه التأكيد على أهمية شمول حسن الخلق في دائرة الطاعة و"التدين".
 
حصر التدين في شعائر معينة خلل فكري كبير يكرس للعلمانية. وصحيح أن علينا الحذر من التهوين من شأن المعاصي وإجراء المقارنات التي لا معنى لها (فلانة متبرجة وأحسن من كثير من المتحجبات)..فهي مقارنات تُذكر في سياق التهوين من شأن هذه المعاصي.
 
لكن في الوقت ذاته، علينا الحذر من تضييق دائرة "التدين"...فكل خير يجب أن يكون مشمولًا فيها، وكل صفة سيئة فإنها تنتقص منها وإن تمسك المسلم أو المسلم ببعض شعائر الدين: قال الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)}

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إياد-قنيبي
اقرأ أيضا
لماذا يكرهون ابن تيمية؟ | مرابط
فكر

لماذا يكرهون ابن تيمية؟


من أجل هذا ونحوه يصدكم أهل الأهواء ودعاة الشرك بالله عن القراءة لابن تيمية لأنه لا يسلم بالمحدثات وهم المحدثون المبتدعون ولأنه يسأل كل قائل عن إسناده إلى الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت عبادة ودينا مما يسع فيها الاختلاف.. فكيف إن كان الأمر جنة ونارا وشركا وإيمانا مما لا يجوز فيه اختلاف ولا نزاع؟

بقلم: خالد بهاء الدين
641
أيديولوجية المساواة | مرابط
النسوية

أيديولوجية المساواة


مبادئ أفلاطون جعلت أحد علماء الغرب يصف ويوضح خطورتها ومفاسدها على المرأة فأي انزلاق وخطر أعظم من تخلي المرأة عن مسؤوليتها تجاه الأسرة والتربية وحفظ النسل والأمومة بل والتخلي عن أنوثتها لتتساوى وتتماثل -رغم الفروق الداخلية والخارجية- مع الرجل

بقلم: سامية بنت مضحي بن فهد العنزي
695
التحذير من الاختلاف | مرابط
اقتباسات وقطوف

التحذير من الاختلاف


مقتطف لابن قيم الجوزية من كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين يدور حول الاختلاف وقد أخبرنا الرسول أنه سيقع اختلاف كبير في هذه الأمة كما ذم الشرع سلوك المختلفين وحذر من اتباع سبيلهم وأرشدنا الحق تبارك وتعالى إلى مآلات هذا الأمر من الفرقة والشتات وفي هذا الاقتباس يقدم لنا ابن القيم خلاصة الأمر

بقلم: ابن القيم
1198
نماذج لشخصيات ناقدة للجندر: دكتور ليناردو ساكس | مرابط
الجندرية

نماذج لشخصيات ناقدة للجندر: دكتور ليناردو ساكس


بين يديكم مقال يعرض لنا أحد النماذج الغربية الناقدة للجندرية الجديدة وهو الدكتور ليوناردو ساكس الذي تنبه لهذه المشكلة منذ ما يزيد عن عشرين سنة وأصدر عددا من المؤلفات والمقالات يحلل فيها هذه الأزمة ويحذر منها ويشير إلى مآلاتها ومخاطرها

بقلم: مجلة أوج
708
دين الكوكتال | مرابط
تفريغات العالمانية

دين الكوكتال


دين الكوكتال.. قد تأخذ منه الولاء وتترك البراء وربما تترك الولاء والبراء على أساس التوحيد لتوالي وتعادي على أساس العرق أو الأرض أو الوطن أو المزاج الليبرالي.. دين الكوكتال قد تأخذ منه الصوم وتترك الصلاة وربما تترك الصوم والصلاة هو دين قد تأخذ منه الحجاب وتترك حرمة الاختلاط وربما تترك الحجاب وتقبل الاختلاط

بقلم: د. سامي عامري
463
تحريم الخمر بين وازع السلطان ووازع الإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

تحريم الخمر بين وازع السلطان ووازع الإيمان


مقتطف من كتاب لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة للأستاذ محمد قطب يقارن فيه بين المجتمع المسلم الأول والدول المعاصرة فيما يخص تحريم الخمر والفارق الشاسع بين الاستناد إلى الوازع الإيماني داخل الناس وبين اللجوء فقط إلى وازع السلطان والقانون في التحريم والتحليل

بقلم: محمد قطب
513