لا يستطيع من يدرس علم الحديث ألّا يلحظ بوضوح التوجه الأخلاقي في بنية هذا العلم، ليس مرتكزًا يدور حول الصفات الشخصية للمتعلم والدارس والباحث فقط كما هو العصر الحاضر، أي متعلق بالأمانة والصدق ونحو ذلك، إنما مرتكزًا للنشاط العلمي أيضًا..
يمكن أن ندلل على ذلك على سبيل المثال من خلال ظواهر "التهذيب" و "التذييل" و "الاستخراج" و "الاستدراك"؛ التي استخدمها علماء المسلمين وأكثروا منها في مؤلفاتهم وتصانيفهم تحت مسميات مختلفة، ففي حين كان مجال علم الرجال هو أخصب المجالات التي شهدت التهذيب والتذييل؛ كان مجال علم الحديث هو أخصب المجالات التي كانت موضوعًا للمستخرجات والمستدركات، بهدف خدمة المعرفة الحديثية..
وفيها ما فيها من التخلي عن حظ النفس والبحث عن الذات والفردانية، بما يضمن ازهار "قيمة التواصل" في البنية العلمية الإسلامية، ويضمن تحاشي "التكرارية" و "النمطية" في التأليف الإسلامي على حساب الإبداع الفردي.
فالتوجه الأخلاقي في الحركة العلمية حول الحديث النبوي يُفهم بمعنى أوسع بكثير مما عليه في النسق الغربي أو الحديث؛ معنىً مؤثرًا في كل عناصر النشاط العلمي، لأنه فرع عن مسئولية دينية كان يستشعرها كل من العالم والمتعلم، ما ساهم في ذاته في نشأة علوم فرعية في العلوم الكبرى وفي مقدمتها علوم الحديث، وظهور تآليف جديدة من خلال التعليق والتحشِّية وإعادة الترتيب والوصل والتذييل والتلخيص والنَّظْم والبسط والإدماج والفهرسة والتكشيف.
فالعالم أو المحدِّث لا يتمحور حول ذاته إنما قيمته من قيمة الآخرين؛ من فوقه ومن دونه، لذلك ومن ناحية أخرى كان ثمة حرص على الاعتراف بنقاء الآخرين حين يكونوا أهلًا لذلك.