في زِحام الفتن وأيام التغير الاجتماعي المُريب، يجدر بالأسرة أن تكون سياج الاحتواء الأول، وحاضنة العقول والقلوب للأفراد صغارًا وكبارًا؛ فأي صدع في جلمود هذا الحصن عِبارة عن منفذ جاذب يتغلغل خلاله العدو، وتنسل مِنه سموم الأفكار والمُمارسات؛ مما يرنو بالجهد نحو الخذلان ويسر الخيبة، وتجلي الهزيمة، وتجد أنك في حالةِ دفاعٍ وَعرة، وجِهاد ضد الأعداء على ثغور عدة.
وجُل الحسرة أن يداهمك دعم المُتوارين خلف أمن الحصن ذاته، حتى يُخيل إليك أن مِنهم مُروج لأهداف العدو، ومُستنجد بِه خلسة من الشقوق والثقوب، وإن أجدت إحكام غيرها مِن المنافذ.
فالله الله بأهل بيتكم، والأقرب فالأقرب، كي لا يتخطفهم التيه، وتتلقفهم شوارد الانحطاط والسطحية والخلل؛ والسبب قِلة النباهة تارة، والانشغال بما هو دون تارة أخرى وإن عَظُم نفعه، فالأولوية بيتك وأهلك ثم مُجتمعكَ القريب ما وهَبك الله مِن قدرة في التأثير؛ وإن ضعف الأثر القريب لا يخيب الرجاء في الأثر البعيد.
وكي لا تكون في ما بعده أضعف، فإن الفرد مِنا حال جِهاده مع أهل بيته أولى بأن يكون عام النجاح مع غيرهم وأكثر أمانًا وانطلاقا لبطولات أوسع وأغدق بركة؛ ومِمّا يُعينه في صولاته وجولاته الداخلية، القرب منهم حسيا بوفرة الجلوس معهم، والنزهات العائلية، والسفر المُشترك، واللُحمة المعنوية قبل الجسدية، وسد فجوة المكانة، والسن، والاهتمامات المتفاوته بين الوالدين والأولاد، عن طريق فتح حِوارات جماعية وفردية، وسؤالهم عن شؤونهم ومشاكلهم اليومية والمُستقبلية، وغرس الأمان والود داخل المنزل.
وأن تكون مشورة الأهل الملجأ الأول عند أي مشكلة يتعرض لها أحد أفراد الأسرة؛ كما أن بعض المُمارسات تُدعم هذا التقارب وتشد أزره ولا يلتفت لها إلا حصيف، ومِنها الكَرم وعدم تمرير الحاجة وكسرة النفس لدى الأهل _حسب قدرة رب الأسرة _ لاسيما مع الطفرة الاستهلاكية الحديثة، كذلك حال وجود عثرة مادية مثلًا لظرف طارئ يتوجب الجلوس معهم وشرح طبيعة الوضع وطرح الحلول، وطُرق التعامل مع المتغير الجديد وطلب الدعم.
والأهم مِن هذا وذاك إشراكهم في الأنشطة الدعوية والثقافية والإجتماعية، وتجاذب بعض هواياتهم وتنميتها، والاستخدام النافع للتقنية، من خلال المشاركة في المنصات النافعة والدورات التدريبية عن بعد، والأداء النافع فيها، مثل إنشاء القنوات الدعوية والعلمية في قنوات للتواصل الحديثة، مع الإشراف عليها وتحميلهم هم هذا الدين والدعوة إليه، والإصلاح مهما كان الدور يسيرًا.
صغارك أمانة في عنقك، فقلوبهم وأرواحهم وعقولهم هي أدواتهم نحو النجابة، وكُل قيمة غرست بذورها في الصغر ستنمو حسب عِنايتك ومُراقبتك.
فأحسن اختيار التُربة ثم الغرس والتقليم والسقاية؛ ولن تنالك خيبة الثمر -بإذن الله- وقبل هذا كله وبعده اللجوء إلى الله والاستعانة به والدعاء بصلاح النفس والزوج والذرية.
أصلح الله لنا ولكم الأهل والذرية.