حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3

حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3 | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

569 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فوائد إيمانية من معركة عين جالوت وأسباب النصر فيها

كانت موقعة عين جالوت من أهم المواقع في تاريخ الأرض، وليس فقط في تاريخ المسلمين، كان للموقعة آثار لا تحصى ولا تعد، أدرك جميع المسلمين أن النصر من عند الله عز وجل، وأن موالاة الكافرين لا تجر على المسلمين إلا الويلات، قتل المسلمون فيها الهزيمة النفسية، وسقط حاجز الخوف من التتار.. وغيرهم، وفنيت القوة العسكرية التترية تمامًا في بلاد الشام وغيرها، وقامت دولة المماليك قيامًا قويًا، وحملت على عاتقها صد الهجمات التترية بعد ذلك، كما قامت بتحرير الشام من الممالك الصليبية، ثم واجهت الاستعمار الصليبي البرتغالي بعد ذلك، وظلت تحمي بلاد المسلمين (270) سنة كاملة، وهكذا عادت الهيبة لبلاد المسلمين ولأمة الإسلام بعد غياب سنوات طوال.

من العجب أن التتار بدءوا يدخلون في دين الله عز جل! وهي من المرات القليلة أو الوحيدة التي يدخل فيها الغزاة في دين من يغزونهم سبحان الله! إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وحدث ذلك بعد عين جالوت.

 

فهذه وقفات مع أسباب النصر في موقعة عين جالوت:

أولًا: الإيمان بأن النصر من عند الله عز وجل وليس من عند غيره.

ثانيًا: التربية الإسلامية للشعب على حب الجهاد في سبيل الله.

ثالثًا: الوحدة بين جيوش المسلمين والقتال تحت راية واحدة.

رابعًا: القدوة المتمثلة في قطز القائد الذي نزل إلى خندق الجنود، فكان فعله أبلغ من ألف خطبة ومقال.

خامسًا: الإعداد الجيد للجيش والخطة، واختيار المكان، وإعداد السلاح، وبذل المال.. وغير ذلك من أمور إعداد القوة.

سادسًا: عدم الاستعانة بالصليبيين.. أو غيرهم.

سابعًا: الشورى الحقيقية الواضحة في منهج قطز رحمه الله، لما جمع الناس واستشارهم في أمر الجهاد.. وغير ذلك.

ثامنًا: رفع الروح المعنوية للجيش، والاهتمام بالجانب النفسي لهم.

تاسعًا: نظافة اليد والبذل من المال وتولية الصالحين، والإعراض عن المفسدين والمنافقين.

عاشرًا: الشكر المباشر لله عز وجل والتواضع له، وسنة الله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].

فتلك عشرة كاملة لو جمعها جيش -والله- لن يهزم قط.

 

وفاة قطز

تبقى في القصة مفاجأة هامة، فإن قطز لم يبق في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهرًا وسبعة عشر يومًا فقط، ولم يكمل السنة، مات قطز بعد انتصاره في عين جالوت بخمسين يومًا فقط، ولكن سبحان الله! قيمة الرجال لا تقاس بطول العمر ولا بكثرة المال ولا بأبهة السلطان، إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغير من وجه التاريخ ومن جغرافية العالم، وهي في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز جل.
يظن كثير من الناس أن زمن المعجزات قد انتهى، ولكن أخطئوا، فإن الله عز وجل قد ترك بين أيدينا معجزة لا تنتهي ولا تندثر، تلك هي كتاب الله عز وجل القرآن، ومن أعظم معجزات القرآن صناعة الرجال، فالقرآن هو الذي بث هذه الروح في الرجال من أمثال قطز وصلاح الدين ويوسف بن تاشفين وخالد بن الوليد.. وغيرهم من قادة المسلمين.

والكتاب القرآن ما زال في أيدينا وسيبقى إلى يوم القيامة، فهو معين الأمة الذي لا ينضب، وسيخلق الله عز وجل للأمة دائمًا رجالًا في كل زمن يجددون لها الدين، ويبعثون في نفوس أبنائها الأمل، ويقودونها إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، ويحققون وعد الله عز وجل الذي سطره في كتابه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].

وبعد إخواني في الله! انتهت قصة التتار، وانتهت قصة عين جالوت، ومات جنكيز خان وهولاكو لعنهما الله، وكذلك مات قطز والظاهر بيبرس رحمهما الله، ومات الجند الظالمون، ومات الجند المؤمنون، ومرت الأعوام والأعوام، والقرون والقرون، ولكن الذي بقي ولم ينته هو الدرس والعبرة، الذي بقي هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، الذي بقي هو السنة الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160].

والله أسأل أن يجعل لنا في التاريخ عبرة.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].

وجزاكم الله خيرًا كثيرًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


 

المصدر:

محاضرة للدكتور راغب السرجاني، بعنوان: التتار وغزو العراق

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
لن تسرقوا منا رمضان | مرابط
فكر مقالات

لن تسرقوا منا رمضان


لماذا لم نتفكر بجدية في سر هذا السعار الفني والإعلامي في رمضان؟! لماذا يغرسون تلك المفاهيم الخفية التي تغير من طبيعة رمضان في الوجدان المسلم؟! لماذا يتحول رمضان إلى شهر مسلسلات وبرامج مسابقات وتفاهات وفوازير وسهرات؟! ما علاقة رمضان بالدورات الرياضية أو بالخيام الترفيهية؟!

بقلم: محمد علي يوسف
278
العجمة وظهور البدع | مرابط
تفريغات

العجمة وظهور البدع


ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفهم مسائل الدين أصولا وفروعا أن يرجع إلى أقوال أهل العربية من أهل العلم والفضل وصدر ذلك هم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المدينة ومكة وكذلك أيضا الأجلة من فقهاء التابعين في المدينة ومكة فينبغي له أن يعرف أقوالهم وأن يتبصر بها ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل أصحابه لهذا الباب وكذلك أيضا إنما جاء تفضيل المدينة وأهلها وفضل سكناها باعتبار أن البدع فيها أقل من غيرها.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
447
الاجتماع بالأصحاب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاجتماع بالأصحاب


وبالجملة فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنفس الأمارة وإما للقلب والنفس المطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقاحها من الشيطان وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات وعكس ذلك

بقلم: ابن القيم
390
العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العلم


مقتطفات متفرقة عن أربعة من العلماء يظهر فيها قدر العلم عندهم وحقيقته التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فليس العلم أبدا هو كثرة الرواية أو كثرة الحفظ ولا يكون العلم علما إلا إذا أثمر طاعة وانقيادا إلى الله عز وجل وهربا من الهوى والبدعة وأصحابهما

بقلم: مجموعة علماء
1522
الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني | مرابط
فكر الليبرالية

الليبرالية الاستئصالية الجزء الثاني


مقال تفصيلي يسير بشكل موجز بين أروقة التاريخ ليحدثنا عن الليبرالية الاستئصالية التي ترفع شعار الحرية والمساواة ولكنها على أرض الواقع أبعد ما يكون عن شعاراتها ومبادئها هنا سترى الليبرالية منذ بداياتها مراحل الضعف والانهزام أمام الاشتراكية ثم انهيار الأخيرة وصعود موجات الليبرالية وبداية حقبة جديدة تمتد موجاتها إلى عالمنا الإسلامي

بقلم: إبراهيم بن محمد الحقيل
2207
أنواع الربا | مرابط
تفريغات

أنواع الربا


لكي يكشف عليه الصلاة والسلام أنواع الربا ولكي يضبط الأمر ويحدده قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى فإن اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد رواه مسلم وغيره.

بقلم: محمد صالح المنجد
363