إن الرجل قد يصرع الرجل وقد يصرع الرجلين وقد يصرع الآحاد والعشرات، ولكن هل من الناس من يقف في وجه العالم كله فيقهر الأمم أفرادًا وجماعات؟ وأنت تستطيع أن تطفئ المصباح وأن توقده حين تشاء، ولكن هل يستطيع الناس جميعًا أن يطلعوا الشمس قبل وقتها، أو يؤخروها عن ساعتها، أو يطفئوا نورها، أو يأتوا بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا؟ إنهم لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه. فأنى لهم أن يضاهئوا تلك الكائنات العلوية التي لا تنالها أيديهم ولا قذائفهم، والتي لا يملكون من أمرها سوى النظر إليها والإعجاب بها والاستفادة منها والخضوع لها. فذلك العجز العام عن مضاهاة الخلق وعن محاكاة الصنعة هو آية ليست من صنع الناس، وذلك هو الطابع الإلهي والمظهر السماوي الذي تمتاز به صنعة الخالق عن صنعة المخلوق، وهذا هو المثل الذي نريد أن نطبقه على القرآن الكريم.
المصدر:
محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم، ص107