هل الفكر الإسلامي يتقدم أم يتأخر؟
هذا السؤال من الأسئلة المحورية في الفكر الإسلامي، وهو لا يقل أهمية عن غيره من الأسئلة الحاضرة في المجال الفكري، كسؤال: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وسؤال: ماذا خسر العالم بانحطاط المسئمين؟
وقد اختلفت الأنظار في الجواب على سؤال: هل الفكر الإسلامي يتقدم أم يتأخر؟ وطرحت في الجواب عليه أطاريح متعددة، فمنهم من يقرر بأنه يتأخر، وأصحاب هذه الأطروحة اختلفوا في تحديد وجه التقدم وزمنه ورموزه، ومنهم من يقرر بأنه يتقدم ويتصاعد وأصحاب هذا الطرح اختلفوا في عدد من تفاصيله
ولا أريد هنا أن أقدم جوابا مفصلا على هذا السؤال المهم جدا، ولكن أريد أن ألفت النظر إلى ضرورة الوعي في التعامل مع الأسئلة ثنائية الأطراف "الأسئلة الثنائية" إما كذا أو كذا.
فهذه الأسئلة المؤطرة للتفكير لها أثر بليغ في توجيه الفكر وتحديد الاختيارات، وقد كانت من إبداعات ابن تيمية المنهجية العميقة: تفكيك الثنائيات الكلامية والفلسفية المنطقية، ولها أمثلة متعددة في خطابه وتقريره. وأصول المنهجية التي يمكن أن يعتمدها الخائض في الجواب على سؤال: هل الفكر الإسلامي يتقدم ام يتأخر؟ ترجع إلى ثلاثة أمور:
مفهوم التقدم والتأخر
الأمر الأول: تحديد مفهوم التقدم والتأخر، وإثبات أن هذه المعاني لها جهات متعددة، ومفاهيم متنوعة، فهي من قبيل الألفاظ المجملة، التي لا بد فيه من التزام منهجية "التفصيل والتفريق"، وهي منهجية علمية بالغة التأثير في مسالك العقل والنظر، وقد اعتمدها عملاق التفكير الإسلامي ابن تيمية الإمام.
معيار التقدم والتأخر
الأمر الثاني: معيار التقدم والتأخر، وإثبات أن النظر إلى التقدم والتأخر مدحا وذما سعة وضيقا يتأثر بشكل كبير بطبيعة المعايير التي يعتمدها المجيب على ذلك السؤال، وقد كان مرجع الاختلاف في الجواب على ذلك السؤال متأثرا بشكل كبير على الاختلاف في مرجعية المجيبين عليه في معاييرهم.
مجالات التقدم والتأخر
الأمر الثالث: مجالات التقدم والتأخر وتنوعها، فبناء على تحديد مفهوم التقدم والتأخر ومعياره يمكن أن تحدد المجالات التي يحكم من خلالها على كون الأمر متقدمًا أم متأخرًا، ونحدد تنوعها وانقسامها.
بهذه الأصول المنهجية يمكن أن نخرج بجواب مفصل حول سؤال: هل الفكر الإسلامي يتقدم أم يتأخر؟ من غير أن تكون عقولنا محصورة في خيارين لا ثالث لهما: إما التقدم وإما التأخر، بل يمكن أن نقول بخيارات أخرى أكثر دقة وتحريرًا ونفعًا وثراء للفكر الإسلامي.