قاسم أمين وتحرير المرأة

قاسم أمين وتحرير المرأة | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

705 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

إن قضية تحرير المرأة التي تولى كبرها قاسم أمين. قضية لها شأن، وتستحق أن نقف عندها بعض الوقت. لما قرأت مذكرات قاسم أمين، ومذكرات سعد زغلول؛ لأن سعد زغلول هو الذي شجع قاسم أمين، وقاسم أمين شاب يشع الذكاء من عينيه، ذهب إلى فرنسا، وأعداؤنا يصطادون المواهب من أمتنا ولا يتصرفون بطريقة تلقائية أو عشوائية كما يظن السذج، يعني: مثلًا: مسألة الدجاج المذبوح أو المقتول، جاء بعض الناس وقال: إنهم يقتلون الدجاج ولا يذبحونها، لماذا؟ قال: لأن نسبة من الدم يتجمد في العروق، فمع ملايين الدجاج المقتول وتجمد الدم فيها يزداد الوزن وبذلك يزداد ويرتفع، وهذا كلام ساذج. لا، هم يريدون أن يطعمونا الميتة التي حرمها الله، والمسألة ليست مسألة مال كما تظن أنت، وإنما لتأكل ما حرم الله عليك: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89].

هذا هو الواقع، ومن عرف عدوه، يجب عليه أن يحذره، لكن نحن ابتلينا بقوم غافلين، تجد الواحد يقول لك: يا أخي! أنت لماذا تسيء الظن بهم؟ وما أدراك؟ نعم. أنا أدري لأن الله عز وجل هو الذي وصف لنا هؤلاء.

وأعداؤنا لا يتصرفون هكذا بعشوائية تلقائية. فحرب الخليج -مثلًا- هم يخططون لها من عشرين سنة، وهذا الكلام لا أخرجه من كيسي، إنما هذا في مذكرات القادة العسكريين، والساسة الغربيين، إنهم يخططون لحرب الخليج من عشرين سنة، فلو أن رجلًا قال: يا جماعة! إنهم يخططون لحربكم من مدة، لضحكوا عليه وقالوا: أنت رجل سيء الظن. مع أن كتاب: بروتوكولات حكماء صهيون، كل كلمة فيه نُفِّذت. وهذا الكتاب ترجم إلى العربية، وكأن العرب قوم لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون. والصهاينة هؤلاء، قالوا: سنفعل بالمسلمين كذا وكذا وكذا. وكل كلمة سطروها في هذا الكتاب فعلوها، فهم قوم لا يلعبون.

 

قاسم أمين إلى فرنسا

ولما ذهب قاسم أمين إلى فرنسا وصل غريبًا، وقابلته فتاة لعبت بعقله وقلبه. تخيل أن رجلًا غريبًا في بلدة بعيدة ووجد من يؤنس وحدته، ومن يكرمه، ومن يدعوه على الغداء والإفطار والعشاء والمبيت، ويقول له: أنا ند لك. هكذا قابلته هذه المرأة، ولم يكن تعرفها على قاسم أمين هكذا، وإنما وضعت عمدًا في طريقه، لقد لعبت به هذه المرأة، وهو يقول: إن علاقتي بهذه المرأة علاقة بريئة، صداقة بريئة. والبراءة التي يقصدها أنه لم تقع بينهم فاحشة الزنا؛ لأنه لو وقع بينهما فاحشة لسقطت المرأة في حسه وقلبه. هذه المرأة أخذته إلى النوادي والمنتديات وانبهر لما رآه، خرج من بلد فيه (حريم)، كان يطلق على النساء (الحريم)، وكان اسمًا جميلًا، الحريم من الحرمة، ولأن النساء كان يحرم عليهن أن يراهن الرجال والعكس، وقديمًا كانوا يسمون الطبيب (حكيمًا).

وهذا أفضل ألف مرة شرعًا وعرفًا من وصف الطبيب؛ لأن الحكيم: هو الذي يضع الدواء في موضعه، هذا هو معنى الحكمة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمى الرجل طبيبًا، كما في الحديث الصحيح: (أنه جاءه رجل ليطبّه فقال له: إني طبيب، قال: لا. أنت حكيم والله الطبيب)؛ لأن حقيقة الطبيب هو الذي يرفع العلة، ولا يرفعها إلا الله. ولهذا لما قيل لـأبي بكر في مرض موته: أنأتيك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. أي الذي يرفع العلة تبارك وتعالى هو الذي قدر عليه الداء..

فخرج قاسم أمين من بلد الحريم، حيث لا يرى النساء، ولا يختلط بالنساء إلى بلد يعج بالسفور، وأول مرة يجد نساء سافرات لطيفات، خفيفات، ظريفات، يتكلمن معه، فهاب في أول الأمر، لماذا؟ لأنه ما اعتاد على ذلك، لكن سرعان ما وجد الجرأة والراحة النفسية، وأقبل على النساء بدون خوف.

 

كتاب تحرير المرأة

لما رجع قاسم أمين إلى بلده، رجع بوجه آخر غير الوجه الذي سافر به، وكتب كتاب: تحرير المرأة.. تحرير المرأة لـقاسم أمين لم يصرح فيه بما يريد؛ لأنه خائف من التقاليد، ولأنه لو قال للرجال: أخرجوا نساءكم، واسمحوا لهن بالكلام مع الرجال لما سمحوا له بذلك، لماذا؟! لأن التقاليد كانت أقوى، ولما سكت عليه رجال الإسلام، قام وذكر في كتابه: تحرير المرأة. فقال مثلًا: لقد أهملنا المرأة فأهملنا تعليمها وتثقيفها، فأخرجت لنا أجيالًا ممسوخة، وقد كان على حق في هذا. فالأمة قررت فعلًا حرمان المرأة من التعليم والتثقيف، حتى كان قائلهم يقول في ذلك الزمان: إن المرأة لا تخرج إلا ثلاث مرات، المرة الأولى: من رحم أمها إلى الدنيا، والمرة الثانية: من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والمرة الثالثة: من بيت زوجها إلى القبر.

أي شرع يقول هذا الكلام، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن معه في السفر، وكن نساء المسلمين يخرجن أيضًا للغزوات يسقين المسلمين، ويضمِّدن الجرحى، ويشاركن بالغزوات؟ من الذي قال: إن المرأة لا تخرج إلا ثلاث مرات؟ كانت المرأة قديمًا تخرج لحاجتها؛ لأن العرب لم تكن تتخذ الكنف في البيوت، وذلك: (لما خرجت سودة رضي الله عنها -زوج النبي عليه الصلاة والسلام- وكانت امرأة بدينة، فخرجت بعدما ضُرب الحجاب، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: انظري يا سودة كيف تخرجين! فوالله ما زلت معروفة، فغضبت سودة، ورجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في بيت عائشة يأكل، فدخلت عليه فشكت له عمر، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ولم تخرج من عنده حتى أوحي إليه، فقال لها: إنه قد أُذِن لكن أن تخرجن لحاجتكن).

فالمرأة ليست كما قال هذا القائل، والحق.. أن الأمة فرطت في تربية النساء فعلًا، فـقاسم أمين استغل هذا التقريط وقال: إن النساء يتكلمن في كل مكان، ولهن حق التعليم، وأنا لا أريد أن تخرج المرأة عن دينها، كما في كتابه: تحرير المرأة.

 

المرأة الجديدة

لـقاسم أمين كتاب آخر كتبه وأسفر فيه عن وجهه، كتاب اسمه: المرأة الجديدة، كتبه بعد كتاب: تحرير المرأة.. فثار الناس عليه فانكمش وانزوى ولزم بيته، لكنها لم تكن بالحدة التي كانت على رفاعة الطهطاوي؛ رفاعة الطهطاوي الذي مجده دعاة تحرير المرأة، وكل شخص يمجده هؤلاء ففتش في سيرته تجد أن له سوءات، لا يمجدون رجلًا عفيفًا أبدًا أبدًا، فكل شخص يمجدونه ويرفعونه تعرف أنه خائن لهذه الأمة، رفاعة الطهطاوي هذا أتى قبل قاسم أمين وبدأ يدعو إلى تحرير المرأة، لكن العلماء والناس وقفوا له بالمرصاد فلم ينجح وماتت دعوة رفاعة الطهطاوي في مكانها، أما قاسم أمين فقد كان البناء الاجتماعي بدأ يتغير، وبدأ التفسخ والانحلال ينتشر، فلما وجد قاسم أمين ذلك أراد أن يبث سمومه، ولكنهم ثاروا عليه فانكمش وانزوى ولزم بيته، فذهب سعد زغلول إليه في بيته وقال له: قل ما تريد، واكتب ما تشاء وأنا أحميك، فلما قال له ذلك كتب كتابًا تحت عنوان: المرأة الجديدة الذي يدعو فيه إلى سفور المرأة وإلى نزع الحجاب، ويقول: نريد امرأة جديدة في هذه الأمة، كالمرأة التي في باريس، والمرأة التي في انجلترا، وبدأ بالدعوة إلى تحرير المرأة.

 

انتقال الدعوة إلى الشرق

ما هي قضية المرأة في الغرب؟ إنها مسألة: المساواة في الأجور، المرأة في الغرب تعمل كالرجل جنبًا إلى جنب، وتنتج نفس الإنتاج، وتشتغل نفس عدد الساعات؛ فلماذا يكون أجرها أقل من أجر كالرجل؟ هذه هي القضية التي كانت في الغرب، لكن ما هي القضية التي أثارها قاسم أمين في بلاد المسلمين بالنسبة للمرأة؟ ما هي القضية التي أراد أن ينقلها من هناك إلى بلادنا؟ هل تعرف ماذا كانت القضية؟ إنها قضية نزع الحجاب. وما علاقة الحجاب بمسألة المساواة في الأجور؟ لقد كانت الدعوى كلها قائمة على السفور، ونزع الحجاب من المرأة المسلمة، وما قرار وزير التعليم من سنتين منكم ببعيد، لما أصدر قرارًا بمنع ارتداء الحجاب في المدارس، وقامت الدنيا ولم تقعد، وتراجع الوزير عن قراره، لكنه قال هذا الكلام قبل دخول المدارس بشهرين!! ماذا يعني هذا؟

يعني: لا تظن أن القرار خرج هكذا!! لا. فقبل دخول المدارس بشهرين، وفي الوقت الذي يفصل فيه أولياء الأمور الزي المدرسي للبنات، نزلت قرارات بلبس الزي، لكن الآباء فقراء، وليسوا على استعداد أن يفصلوا لبناتهم الزي المطلوب، ثم بعد ذلك يفصل لها الحجاب، وكان قد حصل الامتناع في بداية الأمر، لكن ما الذي حصل؟ حصل أنه لا بد أن يلبس البنات الزي المطلوب، ويمنعن البنات من أن يلبسن إلا خمارًا واحدًا، كان قبل ذلك لها أن تلبس خمارًا واثنين، وكان النقاب زيادة على ذلك، فلما أصر الوزير على قراره لبسن البنات كلهن النقاب، ولبسن القميص على حسب التعليمات. وبعد ذلك يقوم الوزير ويصدر القرار بأنه ممنوع على البنت في الابتدائي أن تضع خمارًا على شعرها، لماذا تمنعونها؟ قال: لأن الخمار يؤثر على عقلها: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، استخفاف بالعقول كأننا لا نفهم!! امرأة تضع الحجاب على شعرها يؤثر على عقلها!! انظروا، كل شيء خالٍ من المنطق، وخالٍ من التفكير السديد.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟! | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟!


من احتجاجات الاختلاطيين كثرة قولهم: لماذا تعانون من هذا التشكك والارتياب وبث القلق من نشوء العلاقات المحرمة؟ لماذا تتوهمون أن الناس مهجوسين بالجنس بهذا الشكل؟ لماذا ننظر للمرأة على أنها كائن جنسي؟ لماذا لاتنظرون للأمور نظرة طمأنينة وثقة؟! .. بين يديكم الرد على هذه الشبهات المتكررة على ألسنة العلمانيين ومؤيدي الاختلاط

بقلم: إبراهيم السكران
414
تفسير سورة العصر 3 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 3


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
2359
عقيدة جلال الدين الرومي | مرابط
مناقشات

عقيدة جلال الدين الرومي


وجلال الدين الرومي كان صوفيا كما هو معلوم وقد نسب إليه القول بوحدة الوجود وقد قرأت أنه يدعي أن كتابه المثنوي سماه الله فيقول وله ألقاب أخر لقبه الله تعالى بها

بقلم: قاسم اكحيلات
428
حاجة النبي للوحي وتأخره: دليل على مصدرية القرآن | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

حاجة النبي للوحي وتأخره: دليل على مصدرية القرآن


إذا تأملت الحالات والمواقف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى نزول الوحي ولكنه كان يتأخر ستدرك بشكل قاطع أن هذا القرآن ليس من عند النبي كما ادعى أولياء الشيطان زورا وظلما وبهتانا ولكنه وحي من عند الله وإلا لو كان غير ذلك لسهل على النبي -حاشاه- أن يصدر كلاما من تلقاء نفسه وينسبه للوحي وهذا الكلام المقتطف للدكتور محمد عبد الله دراز يناقش إحدى الحوادث التي كان فيها النبي في حاجة للوحي ولكنه تأخر

بقلم: محمد عبد الله دراز
2074
المرأة ومطاردة الجمال الوهمي | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

المرأة ومطاردة الجمال الوهمي


إن المرأة بهذا الهوس اللا متعقل في مطاردة الجمال الذي يوهمها به الإعلام كل ما تقوم به هو تأخير موعد الخيبة التي تنتظرها تلك المرحلة اليائسة التي ستخامرها حين يسرق الزمن من عمرها السنوات ليقول جسدها الحقيقي كلمته ولينطق وجهها الحقيقي صدقه

بقلم: أمل الصالح
531
التاريخ عظات وعبر | مرابط
اقتباسات وقطوف

التاريخ عظات وعبر


التاريخ علم لا يحتاج إلى معلم يحتاج فقط إلى قدم تسير وعين تنظر قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا ... لا يكاد توجد واقعة إلا ولها نظير في التاريخ ومن المؤسف حقا أن نرى أخطاء التاريخ تتكرر: بسبب الجهل به ... من جهل التاريخ لا بد أن يعيد أغلاطه وأكثر الناس يسقطون بنفس حفر الماضين

بقلم: عبد العزيز الطريفي
618