يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند كلامه عن بعض الحنابلة الذين لهم ميل إلى الأشاعرة:
(وكان من أعظم المائلين إليهم التميميون أبو الحسن التميمي، وابنه، وابن ابنه، ونحوهم؛ وكان بين أبي الحسن التميمي وبين القاضي أبي بكر الباقلاني من المودة والصحبة ما هو معروف مشهور، ولهذا اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد -لما ذكر اعتقاده- اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي، وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه؛ ولم يذكر فيه ألفاظه، وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه، وجعل يقول: وكان أبو عبد الله، وهو بمنزلة من يصنف كتابا في الفقه على رأي بعض الأئمة، ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده، فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة).
وأبو الفضل التميمي هذا كان صديقا وموادا لأبي بكر الباقلاني كما ذكر الذهبي في ترجمته له، ولهذا حصل له التأثر بمذهب الأشاعرة والميل إليهم.
والذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية هنا يبين أهمية الحذر من الخطأ في نسبة الأقوال البدعية إلى الأئمة نتيجة الاعتماد على ما يرويه من تأثر ببعض البدع المحدثة، حتى يصير يفسر كلام إمام من أئمة أهل السنة والأثر -كما حصل هنا مع الإمام أحمد- على قواعد أهل الكلام المناقضة لمنهجه وما علم عنه بالضرورة، فلا هو حكى أقوال الإمام بألفاظها كما وردت عنه، ولا هو فسرها على وفق ما علم عنه، وإنما ابتكر أقوالا لا تصح عند التحقيق نسبتها إليه.
ثم يأتي من لا يحرر نسبة الأقوال إلى أصحابها فيجد في مثل هذا التحريف مدخلا لنسبة بعض العقائد البدعية إلى الإمام أحمد الذي هو من أبعد الناس عنها، ويتجاوز ذلك فيجمع إشكالات إلى إشكالات وأوهاما إلى أوهام لتكون النتيجة هي دعوى ارتباط العقيدة الأشعرية بالمذاهب الفقهية الأربعة، وأن من يثبتون الصفات على الوجه المشروع ليسوا إلا شواذ في الأمة لا اعتبار بهم، وهذا تزييف للتاريخ ومصادمة لقواعد المنهج العلمي في البحث والنظر، وكأن السلف ومنهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة ليس لهم كلام في تفسير آيات الصفات ولا في الأحاديث الواردة فيها، وعلى هؤلاء أن يدركوا أن الوهم لا ينقلب علما وتحريرا، وأن حقائق التاريخ ستبقى صامدة أمام كل محاولة للتزييف.