اعلم رحمني الله وإياك أن العلاقة الزوجية لا تحتاج إلى كل هذا، فهي تقوم على المحبة والود وكل يفعل ما فطر عليه وجُبل، لكن الدعوة المعاصرة التي تأثرت بالفكر النسوي تريد هدم البيوت وإيقاع المسلمات في حرج كبير كما سترى.
الفقه يؤخذ بشموليته، ولا يحل الانتقاء، وإلا وقع المرء في الفسق واللعب بأمور دينه، قال الإمام الشاطبي:«فإذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب، وكل قول وافق فيها هواه؛ فقد خلع ربقة التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه، وأمثال ذلك كثيرة». [الموافقات (3/ 123)].
ومسألة خدمة المرأة لزوجها نأخذها بهذا الشمول:
- المذاهب الأربعة على أنه لا يجب على الزوجة خدمة زوجها، لكن المالكية لم يطلقوا هذا، وإنما فرقوا بين الشريفة والوضيعة.
فالشريفة عندهم هي ذات القدر من ذوات الحسب كبنات الأمراء والأعيان ممن لها خدم تأمرهم وتنهاهم في بيت والدها. والوضيعة عسكها. ولا يعتبر وصفا قدحيا فهو مصطلح فقهي عندهم لا يحمل على المصلطح المعاصر.
وهذا ما لا يقوله فقهاء المالكية في عصرنا مراعاة لمشاعرها، ولن تحب سماعه المرأة الداعية المتأثرة بالفكر التغريبي، قال الحطاب: «يعني أنه يجب على الزوج إخدام الزوجة إذا كانت أهلا للإخدام لشرف قدرها وكون مثلها لا يخدم». [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (4/ 184)].
فالمالكية يقولون أن التي كانت لا تخدم في بيتها أبيها هي التي لا يجب عليها. قال زروق: «(وإخدام أهله) بأن يجعل متسع الحال لزوجته من يخدمها إن كانت أهلا لذلك بأن تكون من ذوات القدر اللاتي خدمتهن في البيت الأمر والنهي». [شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (4/ 441)]. فمن العجيب أن تأتي من تعمل في بيت أبيها تطبخ وتكنس ثم لا تريد خدمة زوجها وتدعي أنها مالكية !.
- يرى جماهير الفقهاء أن الزوج لا يجب عليه علاج زوجته، وهذا من شمولية الفقه، وهذا قول المذاهب الأربعة ومنهم المالكية، جاء في الفواكه: «ولا يلزمه لها الدواء لمرضها ولا أجرة نحو الحجامة ولا المعالجة في المرض». [الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 23)]. فانظر كيف يعالج الفقهاء الأمر بشمول تام، الشريفة عند المالكية لا تخدم وفي المقابل لا يلزمه علاجها، لكن في مقابل الفكر الدعوي النسوي لا تخدمه ويعالجها أيضا !.
- يرى المالكية أن التي لها حق السكن المستقل هي ذات القدر، أما الوضيعة فلا حق لها، قال خليل: «ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا الوضيعة». [مختصر خليل (ص136)]. قال الشارح: «(إلا) الزوجة (الوضيعة) بالضاد المعجمة والعين المهملة، أي الدنية القدر فليس لها الامتناع من سكناها مع أقاربه المتيطي إلا أن يتحقق الضرر فيعزلها عنهم». [منح الجليل شرح مختصر خليل (4/ 395)].
فالداعيات المتأثرات بالنسوية ممن يدعين تمسكهن بالمذهب المالكي في الحقيقة يهدمن البيوت، ولو تركن البيوت على ما عهدناه عليها من وفاء وتضحية دون مبالاة بهذه الأمور ما وقعت المسلمة المسكينة في هذا الحرج الكبير، حتى صارت العلاقة بين المسلم والمسلمة علاقة صراع. فإن كن مالكيات فهذا هو المذهب المالكي الذي ألزمن به أنفسهن، بيناه للمسلمة حتى تعلم الحرج الذي أوقعنها فيه، إذ الغرض ليس هو المذهب وإنما خراب البيوت بانتقاء نصف المذهب