اللسان العربي والعلوم العقلية

اللسان العربي والعلوم العقلية | مرابط

الكاتب: البشير عصام المراكشي

607 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تغيرت طبيعة التعبير اللغوي بتأثير من العلوم العقلية المتغلغلة في الأمة، وقد ظهر هذا الأثر في مجالين كبيرين: الأدب والعلوم الشرعية.

أما في الأدب، فمجال القول في ذلك واسع، وهو يحتاج إلى إطالة في شرح التطور التاريخي للأدب العربي، ورصد أوجه التأثر بالعلوم الواردة من الأمم الأخرى، ويكفي استحضار العلاقة الوطيدة بين الاعتزال والأدب، فقد كان كثير من الأدباء من متكلمي المعتزلة أيضًا.

ويكفينا هنا نموذجان مشتهران عند أهل الأدب:

الحكم المنقولة من فلاسفة اليونان

أولهما: الحكم المنقولة عن فلاسفة اليونان وأطبائه في كتب الأدب العربي المؤلفة في العصر العباسي. وأنت إذا طالعت مؤلفات الجاحظ أو كتب العقد الفريد لابن عبد ربه، أو عيون الأخبار لابن قتيبة، أو البصار والذخائر والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، وجدت نقولا كثيرة عن أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس وأبقراط.

وهذه الحكم وإن كانت معرّبة لا تخلو من احتفاظ ببعض أساليب التعبير الأصلية.

قدامة بن جعفر وعلوم اليونان

والثاني: في مجال النقد الأدبي، وهو ما اشتهر من تأثر قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر بعلوم اليونان.

فمن ذلك: تكلفه وضع تعريف للشعر، على طريقة الحدود المنطقية الأرسطية، المكونة من جنس وفصول؛ فيعرفه بأنه: كلام موزون مقفى يدل على معنى. ولذلك يقول د. إحسان عباس: ومنذ البداية يبدو قدامة متأثرًا بالمنطق الأرسطي، متجاوزًا المفهوم اليوناني للشعر في آن معًا.

ومن ذلك: عنايته بالتقسيمات والمقابلات، واستعمال المقاييس المنطقية في النقد الشعري وقد كان الدافع له إلى ذلك: التخلص من فوضى الأذواق ومحاولة ضبط الحس النقدي.

يقول إحسان عباس أيضًا: كان الرجل يحس بما انتشر في مجال النقد من فوضى ذوقية، وكان حريصًا على أن يعلم النقد، مثلما كان حريصًا على أن يكون علمه قائمًا على منطق لا يختل، ولذلك حول النقد -مخلصًا في محالته- إلى منطقية ذهنية وقواعد مدرسة ووضع لها مصطلحًا.

وهنالك أمور أخرى ذكرها بعض النقاد المعاصرين حول تأثر قدامة باليونان، أراها محل نقاش ونظر

هذا ما يتعلق بالأدب، وأما سائر علوم الشريعة من تفسير وفقه وتاريخ وغيرها، فأثر العلوم العقلية من المنطق والفلسفة في أسايبها التعبيرية واضح جدًا.

كتب العلوم الشرعية

فتأمل مثلا كتب التفسير التي صنفها المتأخرون، مثل: تفسير الرازي والنسفي وأبي السعود والألوسي، وغيرهم؛ وقارن أساليبهم بأساليب الصحابة والتابعين وأئمة السلف في تفسير آيات القرآن الكريم

وتأمل أيضًا بعض ما صنفه المتأخرون في علم مصطلح الحديث، مثل: نخبة الفكر وشرحها، أو في شروح الحديث، مثل فتح الباري، وقارن ذلك بالمأُثور عن المتقدمين من المحدّثين.

وتأمل كتب الفقه المذهبي المتأخرة وقارنها بالمنقول في الفقه عن المجتهدين الأولين. أما أصول الفقه فالأمر فيه أجلى وأوضح، فأين أسلوب رسالة الشافعي من أسلوب محصول الرازي مثلًا؟

وهكذا فإنك تجد في العلوم الشرعية كلها، شواهد لا تحصى على تغير اللسان، وابتعاده عن اللسان الأول، بسبب تأثر العبارة الشرعية بالمنطق اليوناني خصوصًا وبالعلوم العقلية عمومًا.


المصدر:
د. البشير عصام المراكشي، تكوين الملكة اللغوية، ص38

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه | مرابط
اقتباسات وقطوف

في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه


واجتمعت بطائفة بدمشق من الله بهم علي فوجدتهم عارفين بأيام النبوة والسير الصحابية ومعاني التنزيل وأصول العقائد المستخرجة من الكتاب والسنة.عارفين بأذواق السالكين وبداياتهم وتفاصيل أحوالهم يرونها من كمال الدين لا يتم الدين إلا بها ولا تشبه أنفاسهم أنفاس أهل العصر من فقهائهم وصوفيتهم.

بقلم: عماد الدين الواسطي
485
بطلان نظرية داروين وأتباعه | مرابط
اقتباسات وقطوف

بطلان نظرية داروين وأتباعه


مقتطف للشيخ أحمد شاكر رحمه الله يرد فيه على دارون وأتباعه ويستدل بآي الكتاب المحكم وعلى الرغم من أن العلم نفسه أثبت ما فيه هذه النظرية من الأخطاء وظهرت العديد من النسخ الداروينية المعدلة على يد العلماء المؤيدين إلا أن الوقوف على الدليل الشرعي المثبت لبطلانها ضروري وواجب

بقلم: أحمد شاكر
1263
مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط
مناظرات

مناظرة أحمد مع المعتزلة


جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي رحمه الله: قال علي بن المديني رحمه الله: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة وبين يدينا مناظرة الإمام أحمد مع المعتزلة في حضور المعتصم وموضوع المناظرة هو قولهم بخلق القرآن

بقلم: سليمان بن عبد الله السجزي
8846
المهرجانات والراب | مرابط
فكر

المهرجانات والراب


من النتائج المخيفة التي يسببها التساهل في سماع هذه الأغاني وتعود الشباب عليها.. أنها تزكي صراعاتهم النفسية وتؤجج احتقانهم الداخلي واضطراباتهم الاجتماعية وتوغر صدورهم وتشعل غضبهم تجاه الآخرين كل الآخرين مهما كانت قرابتهم وتقوي الإحساس بشجاعة متوهمة وقدرة لا محدودة على التمتع..! فيصبحون تربة خصبة لبذور التفكك الاجتماعي والتمرد على الأسرة والثورة على القيم والتمرد على أحكام الدين وربما المروق منه جملة..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
318
أمريكا التي رأيت | مرابط
تفريغات

أمريكا التي رأيت


أنا أعرف أن غالبية الناس يقولون: الأمريكان من أذكى الناس ولا يمكن أن يكون الأمريكي إلا ذكيا الذي يعرف وينقل مثلما نقله مختار المسلاتي: أن العقول المنتجة ليست من أمريكا أصلا إنما استوردت والعجيب أنهم يقولون: إن عقل الأمريكي كالبيضة لا يعرف ما وراءه ولذلك الدكتور في الجامعة لا يهتم حتى بالصحف اليومية ولا يدري ما العالم فيه بل يهتم بمادته ويعود إلى بيته ومن بيته إلى هناك حتى أنه لا يعرف الولاية التي بجانبه وهذا أمر معلوم.

بقلم: عائض القرني
534
مختصر قصة التتار الجزء الثالث | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الثالث


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1338