مناظرة أحمد مع المعتزلة

مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط

الكاتب: سليمان بن عبد الله السجزي

7079 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

عَنْ سليمان بْن عَبْدِ اللَّهِ السجزي قَالَ: أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا عَلَى بابه كيوم العيد فدخلت الدار فرأيت بساطا مبسوطا وكرسيا مطروحا فوقفت بإزاء الكرسي فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل فجلس عَلَى الكرسي ونزع نعله من رجله ووضع رجلا عَلَى رجل ثم قَالَ يحضر أَحْمَد بن حنبل فأحضر فلما وقف بين يديه وسلم عليه
 
وقال له: يا أَحْمَد تكلم ولا تخف
 
فقال أَحْمَد: والله يا أمير المؤمنين لقد دخلت عليك وما فِي قلبي مثقال حبة من الفزع
 
فقال له المعتصم: ما تقول فِي القرآن؟
 
فقال: كلام اللَّه قديم غير مخلوق قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ".
 
فقال له عندك حجة غير هذا؟
 
فقال: أَحْمَد نعم يا أمير المؤمنين قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ "الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ" ولم يقل الرحمن خلق القرآن وقوله عَزَّ وَجَلَّ "يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" ولم يقل يس والقرآن المخلوق.
 
فقال المعتصم: احبسوه..
 
فحبس وتفرق الناس فلما أصبحت قصدت الباب فأدخل الناس فدخلت معهم فأقبل المعتصم وجلس عَلَى كرسيه فقال هاتوا أَحْمَد بن حنبل فجيء به فلما أن وقف بين يديه قَالَ له المعتصم: كيف كنت يا أَحْمَد فِي محبسك البارحة؟
 
فقال: بخير والحمد اللَّه إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين فِي محبسك أمرًا عجبا قَالَ له ما رأيت قَالَ قمت فِي نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين فقرأت فِي ركعة الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وفي الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ثم جلست وتشهدت وسلمت ثم قمت فكبرت وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ وأردت أن أقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلم أقدر ثم أجتهد أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر فممدت عيني فِي زاوية السجن فإذا القرآن مسجى ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته
 
فقال له: ويلك يا أَحْمَد والقرآن يموت؟
 
فقال له أَحْمَد: فأنت كذا تقول إنه مخلوق وكل مخلوق يموت.
 
فقال المعتصم: قهرنا أَحْمَد قهرنا أَحْمَد.
 
فقال ابن دؤاد وبشر المريسي: اقتله حتى نستريح منه.
 
فقال: إني قد عاهد اللَّه أن لا أقتله بسيف ولا آمر بقتله بسيف.
 
فقال له ابن أبي دؤاد: اضربه بالسياط.
 
فقال: نعم، ثم قَالَ: أحضروا الجلادين فأحضروا، فقال المعتصم لواحد منهم: بكم سوط تقتله؟
 
فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين
 
فقال: خذه إليك
 
قَالَ سليمان السجزي: فأخرج أَحْمَد بن حنبل من ثيابه وائتزر بمئزر من الصوف وشد فِي يديه حبلان جديدان وأخذ السوط فِي يده وقال اضربه يا أمير المؤمنين.
 
فقال المعتصم: اضرب، فضربه سوطا
 
فقال أَحْمَد: الحمد لله، وضربه ثانيا فقال: ما شاء اللَّه كان، فضربه ثالثًا فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل ويريد أن يسقط فرفع رأسه نحو السماء وحرك شفتيه وإذا الأرض قد انشقت وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
 
فلما أن نظر المعتصم إلى ذلك قَالَ: حلوه فتقدم إليه ابن أبي دؤاد وقال له: يا أَحْمَد قل فِي أذني إن القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة.
 
فقال له أَحْمَد: يا ابن أبي دؤاد قل فِي أذني إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق حتى أخلصك من عذاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
 
فقال المعتصم: أدخلوه الحبس
 
قال سليمان: فحُمل إلى الحبس، وانصرف الناس، وانصرفت معهم.. فلما كان الغد أقبل الناس، وأقبلت معهم، فوقفت بإزاء الكرسي، فخرج المعتصم، وجلس على الكرسي، وقال: هاتوا أحمد بن حنبل.. فجيء به.
 
فلما وقف بين يديه، قال المعتصم: كيف كنت في محبسك الليلة يا ابن حنبل؟  
 
قال: كنت بخير والحمد لله
 
فقال: يا أحمد، إني رأيت البارحة رؤيا
 
قال: وما رأيت يا أمير المؤمنين؟
 
قال: رأيت في منامي كأن أسدين قد أقبلا إليّ وأرادا أن يفترساني، وإذا ملكان قد أقبلا ودفعاهما عني، ودفعا إلي كتابًا. وقالا لي: هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل في محبسه.. فما الذي رأيت يا ابن حنبل؟
 
فأقبل أحمد على المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، فالكتاب معك؟
 
قال: نعم، وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه.
 
فقال له أحمد: يا أمير المؤمنين، رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، وهو يحاسبهم، فبينما أنا قائم إذ نودي بي، فقدمت حتى وقفت بين يدي الله عز وجل، فقال لي: يا أحمد، فيم ضربت؟ فقالت: من جهة القرآن، فقال لي: وما القرآن؟ فقلت: كلامك اللهم لك. فقال لي: ومن أين قلت هذا؟ فقلت: يا رب حدثني عبد الرزاق.
 
فنودي بعبد الرزاق، فجيء به، حتى أقيم بين يدي الله عز وجل، فقال له: ما تقول في القرآن يا عبد الرزاق؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل: من أين قلت هذا؟ فقال: حدثني معمر.. فنودي بمعمر، فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز جل: ما تقول في القرآن يا معمر؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال له: من أين قلت هذا؟ فقال معمر: حدثني الزهري
 
فنودي بالزهرئ فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا زهري، ما تقول في القرآن؟ فقال الزهري: كلامك اللهم لك، فقال: يا زهري من أين لك هذا؟ قال: حدثني عروة. فجيء به، فقال: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال له: يا عروة من أين لك هذا؟ فقال: حدثتني عائشة بنت أبي بكر الصديق.
 
فنوديت عائشة، فجيء بها، فوقفت بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل لها: يا عائشة ما تقولين في القرآن؟ فقالت: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل لها: من أين لك هذا؟ قالت: حدثني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
 
فنودي بمحمد صلى الله عليه وسلم، فجيء به، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل: يا محمد، ما تقول في القرآن؟ فقال له: كلامك اللهم لك. فقال الله له: من أين لك هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثني به جبريل.
 
فنودي جبريل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: يا جبريل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال: هكذا حدثني إسرافيل. فنودي بإسرافيل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله سبحانه: يا إسرافيل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال له: ومن أين لك هذا؟ فقال إسرافيل: رأيت ذلك في اللوح المحفوظ.
 
فجيء باللوح المحفوظ، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: أيها اللوح، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال اللوح: كذا جرى القلم عليّ. فأتي بالقلم حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا قلم، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله: من أين لك هذا؟ فقال القلم: أنت نطقت وأنا جريت.
 
فقال الله عز وجل: صدق القلم، صدق اللوح، صدق إسرافيل، صدق جبريل، صدق محمد، صدقت عائشة، صدق عروة، صدق الزهري، صدق معمر، صدق عبد الرزاق، صدق أحمد بن حنبل: القرآن كلامي غير مخلوق.
 
قال سليمان السجزي: فوثب عند ذلك المعتصم، وقال: صدقت يا ابن حنبل، وتاب المعتصم، وأمر بضرب رقبة بشر المريسي وابن دؤاد، وأكرم أحمد بن حنبل، وخلع عليه، فامتنع من ذلك فأمر به فحمل إلى بيته

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
وسائل التلاعب بالجماهير | مرابط
اقتباسات وقطوف

وسائل التلاعب بالجماهير


إن ما يسمى بوسائل الإعلام الجماهيرية كالصحافة والراديو والتلفزيون هي في الحقيقة وسائل للتلاعب بالجماهير وبين يديكم مقتطف من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش يدور حول هذه النقطة وكيف يمكن السيطرة على الشعوب بأساليب لا تميل إلى العنف وإنما إلى شل الإرادة والتحكم في العقول

بقلم: على عزت بيجوفيتش
621
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج1 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج1


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
842
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم


مقتطف ماتع من كتاب شفاء العليل لابن قيم الجوزية يعلق فيه على قول الله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ويبين لنا كيف أن من عقاب السيئة السيئة بعدها ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ويضرب مثلا بقصة إبليس وإعراضه عن أمر ربه وكيف كانت عقوبته

بقلم: ابن القيم
1188
ظلم المنقبات في البيئة المختلطة | مرابط
فكر مقالات المرأة

ظلم المنقبات في البيئة المختلطة


جلست مع بعض قريباتي وطلبت منهن المقارنة بين الدراسة والعمل في بيئة مختلطة وفي بيئة غير مختلطة كنت أستمع لهن وأغذي النقاش فقط بالأسئلة المفتوحة وكنت أدون بعض ما أسمع أعترف لكم أنني ومع كل قراءاتي حول هذا الموضوع فإنني وقفت أمام براهينهن وحججهن والتفاصيل الواقعية التي يذكرنها موقف الجاهل كنت كأنني صحفي يقرأ في المستصفى للغزالي كانت جلسة مبهرة سأعرض هاهنا بعض ماتعلمته منهن

بقلم: إبراهيم السكران
730
ابن تيمية ونصرة مذهب السلف | مرابط
اقتباسات وقطوف

ابن تيمية ونصرة مذهب السلف


كان من الممكن لابن تيمية أن يعيش حياته ككثير من غيره من العلماء يشرح كلام العلماء قبله ويقرر المذاهب كما هي وينحاز لأحدها ويعيش مقلدا راضيا بترديد ما أضافه علماء الكلام للعلوم الشرعية من فلسفة وتكلف وكان سيعيش في سلام مع الآخرين وربما نال حظوة كبيرة بسبب قدراته العلمية واعتراف العلماء بفضليه لكنه فضل طريقا غير ذلك الطريق الأقل سلوكا وهو الانحياز للحق والدليل

بقلم: د راشد العبد الكريم
441
الصلاة على النبي.. قصة واقعية | مرابط
مقالات

الصلاة على النبي.. قصة واقعية


يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا أتعرف ما فائدة أن يصلي الله عليك؟ الفائدة هناك في القرآن فإن الله عز وجل يقول: هو الذى يصلى عليكم وملئكتهۥ ليخرجكم من الظلمت إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما. ففائدة صلاة الله عليك أنه بذلك: يخرجك من الظلمات. وكل ضيق وكل مصيبة وكل مشكلة هي ظلمة فإذا أصابك شيء من ذلك فالزم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى متى؟ إلى أن يخرجك الله من هذه الظلمة.

بقلم: خالد بهاء الدين
292