مناظرة أحمد مع المعتزلة

مناظرة أحمد مع المعتزلة | مرابط

الكاتب: سليمان بن عبد الله السجزي

8843 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

عَنْ سليمان بْن عَبْدِ اللَّهِ السجزي قَالَ: أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا عَلَى بابه كيوم العيد فدخلت الدار فرأيت بساطا مبسوطا وكرسيا مطروحا فوقفت بإزاء الكرسي فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل فجلس عَلَى الكرسي ونزع نعله من رجله ووضع رجلا عَلَى رجل ثم قَالَ يحضر أَحْمَد بن حنبل فأحضر فلما وقف بين يديه وسلم عليه
 
وقال له: يا أَحْمَد تكلم ولا تخف
 
فقال أَحْمَد: والله يا أمير المؤمنين لقد دخلت عليك وما فِي قلبي مثقال حبة من الفزع
 
فقال له المعتصم: ما تقول فِي القرآن؟
 
فقال: كلام اللَّه قديم غير مخلوق قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ".
 
فقال له عندك حجة غير هذا؟
 
فقال: أَحْمَد نعم يا أمير المؤمنين قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ "الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ" ولم يقل الرحمن خلق القرآن وقوله عَزَّ وَجَلَّ "يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ" ولم يقل يس والقرآن المخلوق.
 
فقال المعتصم: احبسوه..
 
فحبس وتفرق الناس فلما أصبحت قصدت الباب فأدخل الناس فدخلت معهم فأقبل المعتصم وجلس عَلَى كرسيه فقال هاتوا أَحْمَد بن حنبل فجيء به فلما أن وقف بين يديه قَالَ له المعتصم: كيف كنت يا أَحْمَد فِي محبسك البارحة؟
 
فقال: بخير والحمد اللَّه إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين فِي محبسك أمرًا عجبا قَالَ له ما رأيت قَالَ قمت فِي نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين فقرأت فِي ركعة الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وفي الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، ثم جلست وتشهدت وسلمت ثم قمت فكبرت وقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ وأردت أن أقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلم أقدر ثم أجتهد أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر فممدت عيني فِي زاوية السجن فإذا القرآن مسجى ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته
 
فقال له: ويلك يا أَحْمَد والقرآن يموت؟
 
فقال له أَحْمَد: فأنت كذا تقول إنه مخلوق وكل مخلوق يموت.
 
فقال المعتصم: قهرنا أَحْمَد قهرنا أَحْمَد.
 
فقال ابن دؤاد وبشر المريسي: اقتله حتى نستريح منه.
 
فقال: إني قد عاهد اللَّه أن لا أقتله بسيف ولا آمر بقتله بسيف.
 
فقال له ابن أبي دؤاد: اضربه بالسياط.
 
فقال: نعم، ثم قَالَ: أحضروا الجلادين فأحضروا، فقال المعتصم لواحد منهم: بكم سوط تقتله؟
 
فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين
 
فقال: خذه إليك
 
قَالَ سليمان السجزي: فأخرج أَحْمَد بن حنبل من ثيابه وائتزر بمئزر من الصوف وشد فِي يديه حبلان جديدان وأخذ السوط فِي يده وقال اضربه يا أمير المؤمنين.
 
فقال المعتصم: اضرب، فضربه سوطا
 
فقال أَحْمَد: الحمد لله، وضربه ثانيا فقال: ما شاء اللَّه كان، فضربه ثالثًا فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل ويريد أن يسقط فرفع رأسه نحو السماء وحرك شفتيه وإذا الأرض قد انشقت وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
 
فلما أن نظر المعتصم إلى ذلك قَالَ: حلوه فتقدم إليه ابن أبي دؤاد وقال له: يا أَحْمَد قل فِي أذني إن القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة.
 
فقال له أَحْمَد: يا ابن أبي دؤاد قل فِي أذني إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق حتى أخلصك من عذاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
 
فقال المعتصم: أدخلوه الحبس
 
قال سليمان: فحُمل إلى الحبس، وانصرف الناس، وانصرفت معهم.. فلما كان الغد أقبل الناس، وأقبلت معهم، فوقفت بإزاء الكرسي، فخرج المعتصم، وجلس على الكرسي، وقال: هاتوا أحمد بن حنبل.. فجيء به.
 
فلما وقف بين يديه، قال المعتصم: كيف كنت في محبسك الليلة يا ابن حنبل؟  
 
قال: كنت بخير والحمد لله
 
فقال: يا أحمد، إني رأيت البارحة رؤيا
 
قال: وما رأيت يا أمير المؤمنين؟
 
قال: رأيت في منامي كأن أسدين قد أقبلا إليّ وأرادا أن يفترساني، وإذا ملكان قد أقبلا ودفعاهما عني، ودفعا إلي كتابًا. وقالا لي: هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل في محبسه.. فما الذي رأيت يا ابن حنبل؟
 
فأقبل أحمد على المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، فالكتاب معك؟
 
قال: نعم، وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه.
 
فقال له أحمد: يا أمير المؤمنين، رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، وهو يحاسبهم، فبينما أنا قائم إذ نودي بي، فقدمت حتى وقفت بين يدي الله عز وجل، فقال لي: يا أحمد، فيم ضربت؟ فقالت: من جهة القرآن، فقال لي: وما القرآن؟ فقلت: كلامك اللهم لك. فقال لي: ومن أين قلت هذا؟ فقلت: يا رب حدثني عبد الرزاق.
 
فنودي بعبد الرزاق، فجيء به، حتى أقيم بين يدي الله عز وجل، فقال له: ما تقول في القرآن يا عبد الرزاق؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل: من أين قلت هذا؟ فقال: حدثني معمر.. فنودي بمعمر، فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز جل: ما تقول في القرآن يا معمر؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال له: من أين قلت هذا؟ فقال معمر: حدثني الزهري
 
فنودي بالزهرئ فجيء به، حتى أوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا زهري، ما تقول في القرآن؟ فقال الزهري: كلامك اللهم لك، فقال: يا زهري من أين لك هذا؟ قال: حدثني عروة. فجيء به، فقال: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال له: يا عروة من أين لك هذا؟ فقال: حدثتني عائشة بنت أبي بكر الصديق.
 
فنوديت عائشة، فجيء بها، فوقفت بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل لها: يا عائشة ما تقولين في القرآن؟ فقالت: كلامك اللهم لك، فقال الله عز وجل لها: من أين لك هذا؟ قالت: حدثني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
 
فنودي بمحمد صلى الله عليه وسلم، فجيء به، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل: يا محمد، ما تقول في القرآن؟ فقال له: كلامك اللهم لك. فقال الله له: من أين لك هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثني به جبريل.
 
فنودي جبريل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: يا جبريل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال: هكذا حدثني إسرافيل. فنودي بإسرافيل، فجيء به، حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله سبحانه: يا إسرافيل، ما تقول في القرآن؟ قال: كلامك اللهم لك، فقال له: ومن أين لك هذا؟ فقال إسرافيل: رأيت ذلك في اللوح المحفوظ.
 
فجيء باللوح المحفوظ، فوقف بين يدي الله عز وجل، فقال له: أيها اللوح، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك. فقال الله تعالى: من أين لك هذا؟ فقال اللوح: كذا جرى القلم عليّ. فأتي بالقلم حتى وقف بين يدي الله عز وجل، فقال الله عز وجل له: يا قلم، ما تقول في القرآن؟ فقال: كلامك اللهم لك، فقال الله: من أين لك هذا؟ فقال القلم: أنت نطقت وأنا جريت.
 
فقال الله عز وجل: صدق القلم، صدق اللوح، صدق إسرافيل، صدق جبريل، صدق محمد، صدقت عائشة، صدق عروة، صدق الزهري، صدق معمر، صدق عبد الرزاق، صدق أحمد بن حنبل: القرآن كلامي غير مخلوق.
 
قال سليمان السجزي: فوثب عند ذلك المعتصم، وقال: صدقت يا ابن حنبل، وتاب المعتصم، وأمر بضرب رقبة بشر المريسي وابن دؤاد، وأكرم أحمد بن حنبل، وخلع عليه، فامتنع من ذلك فأمر به فحمل إلى بيته

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الأول


السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الهم الأول الذي يسيطر على حياتنا هل هذا الهم من هموم الدنيا أم من هموم الآخرة حاول أن تكتب الهموم التي تهمك في ورقة وانظر أهمها لديك وأكثرها شغلا لبالك ثم انظر كم من هذه الهموم للدنيا وكم منها للآخرة قال علي بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
3092
أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام | مرابط
فكر مقالات

أصلح نظام لتسيير العالم الإنساني اليوم هو الإسلام


جاء الإسلام أول ما جاء بإصلاح الأسرة وبنائها على الحب والبر والطاعة: الحب المتبادل بين أفراد الأسرة والبر من الأبناء للآباء والطاعة في المعروف من الزوجة للزوج وحاط ذلك كله بأحكام واجبة وتربية تكفل تلك الأحكام وتجعل تنفيذها صادرا من نفس الإنسان والرقابة عليها من ضميره فلا تحتاج إلى وازع خارجي وجعل تقوى الله والخوف منه حارسين على النفس والضمير فكلما هم الإنسان بالزيغ تنبهاه إلى لزوم الجادة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
1004
الأدلة السمعية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الأدلة السمعية


مقتطف هام لابن القيم رحمه الله يذكر فيه نوعين للأدلة السمعية وفيه رد ضمني على من يقول أن الوحي مضاد للعقل أو أن العقل في جانب والأدلة السمعية في جانب آخر فالحقيقة أن الأدلة السمعية تدل وتشتمل على الكثير من الأدلة العقلية وهذا ما يقرره ابن القيم

بقلم: ابن قيم الجوزية
3114
القراءة الحداثية للسنة النبوية عرض ونقد | مرابط
فكر مقالات

القراءة الحداثية للسنة النبوية عرض ونقد


ثم كانت الخطورة حينما بدأ نفر من أبناء جلدتنا من أبناء هذه الأمة يتناولون القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة بقراءة عرفت ب الحداثية أو القراءة الجديدة للنص الديني وهي قراءة تأويلية تستمد آلياتها من خارج نطاق التداول الإسلامي بل تأتي وفقا للتجربة الغربية في فهم النصوص واللاهوتية منها خصوصا فلا تريد أن تحصل اعتقادا من النص بقدر ما تريد أن تمارس نقدها عليه واستخداما لنظريات لغوية حديثة مثل: البنيوية والتفكيكية والسيمائية وهي قراءات في حقيقتها اقتبست كل مكوناتها من الواقع الحداثي الغربي في صر...

بقلم: الشيخ الدكتور محمد بن عبد الفتاح الخطيب
2025
عبرة لأولي الألباب | مرابط
اقتباسات وقطوف

عبرة لأولي الألباب


تعليق ابن تيمية على ذكر الله تعالى عاقبة الذين كفروا من أهل الكتاب وعاقبة المؤمنين الذين اتبعوا النبي ثم في هذا دلالة شرعية تقوم على القياس والنظر إلى الشيء ونظيره والتسوية بينهم وهذه سنة الله كما قال لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2382
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1076