كيف تعرف صدق النبوة ج2

كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط

الكاتب: صفحة براهين النبوة

999 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

خامسًا: وجود المخالفين

مبنى هذه الفقرة على المحاور التالية:

1- ليس كل من عرف الحق اتبعه.
2- ليس كل الناس معرضون عن الحق.
3- ثبوت الحقيقتين السابقتين يعني أن الناس منقسمون إلى طلاب حقٍ ومعرضين عنه.
4- مدّعي النبوة إن كان صادقًا لن يصدِّقه ويتّبعه إلا طالب الحق.
5- أما إن كان كاذبًا فيسعارضه صنفان هما:

  • طلاب الحق.
  • من خالف أهواءهم ورغباتهم ؛ لاستحالة أن يرضي كآفة المدعوّين.

6- وجود المعارضين يعني ظهور حاله وعدم خفائه فلا يلتبس على أحدٍ البتة.

وإليك تفصيل ما سبق:

مدّعي النبوة سواءً كان صادقًا أو كاذبًا فلا بد أن يوجد مَن يُخالفه ويناهضه؛ ومستند هذا قاعدة مهمة مفادها: ليس كل الناس معرضين عن الحق كما أنه ليس كل من عرف الحقَّ اتّبعه؛ إذ القول بأن (الكل معرضٌ عن الحق) يقتضي سقوط الدعوى نفسها؛ لأن صاحبها أحد المعرضين عن الحق! أما القول بالثاني، أي(كل من عرف الحقّ اتبعه) فلا يسنده الواقع أبدًا؛ إذ ما من قولٍ إلا وهناك من يقول بنقيضه فإما أن يُدّعى أن كافة الناس على حق

وهذا يقتضي الجمع بين النقيضين وهو مُحال، أو أنهم يطلبون ما ليس بمقدورهم الوصول له وهذه أيضًا دعوى ساقطة من عدة جهات، فمن جهة الواقع فالناس يجدون في أنفسهم شعورًا اضطراريًا بصدق كثيرٍ من القضايا وكونها حق، ومن جهة الدعوى نفسها فإن المدّعي لا يخلو من أن يعتقد أن قوله هذا حق أو ليس بحق، وفي كلا الحالين يسقط قوله؛ ففي حال اعتقاده أنها حق فقد أقرَّ بإمكان وصوله إلى الحقائق، وبهذا نقض دعواه. أما إن اعتقد عدم كونها حق فقد أغنانا عن تفنيدها!

وليس هذا موطن التفصيل في نقدها عقلًا من كل الجهات؛ لأن التدليل على الدعوى المركزية في هذه الفقرة له طريق آخر أيسر وأسهل تعلمه الآن إن شاء الله.

أقول: قد علمتَ فيما مضى أن مدّعي النبوة لا بد أن يأتي بأخبارٍ لا تدركها عقول المخبَرين؛ لأن هذا مقتضى اصطفائه بالوحي، فلو ادّعى النبوةَ مدّعٍ ولم يخبر ويأمر بأشياء وينهى عن أشياء ثم ينسبها إلى خبر الله تعالى ومراده، لكان كمن يقول أنا طبيب وهو لا يختلف عن عوامِ الناس في شيء!

وخبره وأمره ونهيه- سواءً كان صادقًا أو كاذبًا- لا بد أن يُخالف بعض معتقدات ورغبات مَن يدعوهم، وهذه المعتقدات إما استحدثها المدعوون أو ورثوها عن آبائهم، وهم- أي المدعوون- بمقتضى القسمة العقلية إما طلاب حقٍ كلهم، وإما معرضون عن الحق كلهم، وإما بعضهم طلاب حقٍ والبعض الآخر ليسوا كذلك، فعلى تقدير الاحتمال الأول فإن كان صادقًا لزم أن يصدّقوه كلهم، وإن كان كاذبًا لزِمَ تكذيبهم له، وإن خَفي على البعض أمره أظهره البعض الآخر لهم، فآل الأمر إلى تصديق كل من سَمِعَ به إن كان صادقًا أو تكذيبهم إن كاذبًا.

وأما إن كان الكل في زمانه معرضٌ عن الحق قيل فيه ما قِيلَ في السابق فآل الأمر إلى اتفاقهم على تصديقه إن كان كاذبًا، أو تكذيبه إن كان صادقًا، واللوازم المترتبة على الاحتمال الأول والثاني باطلةٌ فدل على بطلان الملزوم الذي هو (افتراض أن الكل طلاب حقٍ أو أن الكل معرض عنه لا يأبه له)، وبقي الاحتمال الثالث وهو (كون البعض طلاب حقٍ، والبعض الآخر معرضون عنه) وحينئذٍ لم يخفَ حال مدّعي النبوة على أحدٍ؛ لوجود المُعارض المكذّب له سواءً كان صادقًا في دعواه أو كاذبًا، فعلى تقدير صدقه فإن تصديقه زمن ادّعائه يقتضي تخلّي المصدّقون به عمّا يخالف ما جاء به، واتّهام أنفسهم ومَن أخذوها عنه بالجهل، والحكم على كل من أصر عليها بعد قيام الحجة بالهوى والسفه حتى وإن كان من أقرب الناس بل كل ما يقوله هذا النبي عنهم يقولونه، وأيضًا يلتزمون كل ما أتى به وإن شقّ عليهم القيام به.

وهذا لا يفعله إلا طالب حقٍ علم صدق نبوته فهان عليه كل ما سبق، ويفر منه مَن لا يهمه اتّباع الحق، ومعلومٌ أنه لا تلازم بين كون الإنسان على باطل واعترافه بأن ما عليه باطل، بل كثير من أهل الباطل يسعى لتبرير موقفه ويجادل لدفع تهم الزيغ والضلال عن نفسه كما قال الله تعالى: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾.

أما على تقدير كذب مدعي النبوة فإن المخالفين له- في زمانه- هم طلاب الحقِّ، وغيرهم ممن يخالفه لا لأنه كاذب في دعواه وإنما لمخالفته إياهم، ووجود هؤلاء ضروري لاستحالة أن يأتي بما يُوافق أهواء ورغبات الكل، وبهذا تعلم أن مدّعي النبوة لا يمكن أن يخفى حاله على أهل زمانه ومن بعدهم لوجود المعارضين له، فإن كان صادقًا غلبهم وأركسهم؛ لأن الخالق تبارك وتعالى قد أعطاه من الأدلة ما يدحض به تبريرات المعرضين عن الحق الصادّين عنه.

وإن كان كاذبًا فليس معه ما يثبت دعواه وكل ما ينصبه كدليلٍ له يقوم المخالفون له بتقويضه، ولا يتجرأ على الكذب في أعظم دعوى مع علمه بوجود المخالفين ثم إصراره على صحةِ ما ادّعاه إلا أكذب الكاذبين، فيذاع كذبه وينتشر لسعي طلاب الحق والمخالفين له في إظهار حقيقته، وذلك لأن الصنف الأول يجدون راحتهم في إذاعة ما علموه من الحق، والصنف الثاني يسعون لحفظ مكانةِ آبائهم وما نشأوا عليه وما أظهروه من علومهم وطقوسهم وغيرها.

وختامًا تبين لك أن مدّعي النبوة قد ادّعى دعوى عظيمةً تتضمن علومًا اختص بها عن غيره، لا يُسلَّم له بها حتى يقيم من الأدلة ما يُخضع طلاب الحق ويُبطل أصول المخالفين ويسحقها، وأنّى للكاذب إن سَهُلتْ عليه الدعوى أن يجوزَ حواجزَ لا يتجاوزها إلا الصادق دون مَن سواه، فإن تشبّث بدعواه فهو في الحقيقة يؤكد كذبه في كل يومٍ تسطع فيه شمسٌ لا مفر له من ضوئها!

 


 

المصدر:

صفحة براهين النبوة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إثبات-النبوة #براهين-النبوة
اقرأ أيضا
كيف تتعامل مع هذه الخائنة؟ | مرابط
فكر

كيف تتعامل مع هذه الخائنة؟


هي في الحقيقة نعمة وليست خائنة.. لكنها لغير المتيقظ خائنة.. إنها الصحة.. قد تتركك فجأة.. وقد تتركك بالتدريج.. ودون أن تشعر! ربما تفاجأ بأنك لم تعد تستطيع القفز عاليا.. ولا الركض سريعا! ما كنت تحمله بيسر أصبح صعبا.. وربما صرت طريح الفراش! وأكبر خسارة .. هي ضعك عن أداء كثير من الطاعات كالصيام.. القيام.. مساعدة الناس لله عز وجل..

بقلم: د. أيمن خليل البلوي
286
انو الخير.. وصية الإمام أحمد لولده | مرابط
مقالات

انو الخير.. وصية الإمام أحمد لولده


قال عبد الله بن الإمام أحمد لأبيه يوما أوصني يا أبت فقال يا بني انو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير. وهذه وصية عظيمة سهلة على المسئول سهلة الفهم والامتثال على السائل وفاعلها ثوابه دائم مستمر لدوامها واستمرارها وهي صادقة على جميع أعمال القلوب المطلوبة شرعا سواء تعلقت بالخالق أو بالمخلوق

بقلم: ابن مفلح
362
حقيقة التوكل على الله | مرابط
تعزيز اليقين

حقيقة التوكل على الله


فأما دعوى التوكل مع ترك الأسباب فإنما هي في الحقيقة عجز وكسل وأما الاعتماد على الأسباب دون تفويض الأمور إلى الله وحسن تدبيره أو مع ضعف تفويض الأمور إليه فإنما هو شرك ينافي توحيد الله تعالى إما في أصله وإما في كماله بحسب ما يقوم بقلب العبد من ذلك.

بقلم: عبد الله القرني
247
الثغر الأول: الأسرة | مرابط
مقالات

الثغر الأول: الأسرة


في زحام الفتن وأيام التغير الاجتماعي المريب يجدر بالأسرة أن تكون سياج الاحتواء الأول وحاضنة العقول والقلوب للأفراد صغارا وكبارا فأي صدع في جلمود هذا الحصن عبارة عن منفذ جاذب يتغلغل خلاله العدو وتنسل منه سموم الأفكار والممارسات مما يرنو بالجهد نحو الخذلان ويسر الخيبة وتجلي الهزيمة وتجد أنك في حالة دفاع وعرة وجهاد ضد الأعداء على ثغور عدة.

بقلم: سعود الشمري
279
من أكثر ما يعينك على الشكر | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أكثر ما يعينك على الشكر


من أكثر ما يعينك على الشكر تذكر سابق حالك.. يمكن أن تسمي ذلك بذكريات النعمة. هذا الشارع الذي تمشي فيه الآن بسيارتك كنت تمشي فيه في الحر الشديد أو البرد الشديد على رجليك ربما لا تجد أجرة الحافلة أو تجدها ولكن المشي أرفق بك من ركوبها.

بقلم: محمد سالم بحيري
281
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا | مرابط
اقتباسات وقطوف

ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا


ما أكثر الأوقات التي تضيع على من غفل عن ذكر الله تضيع بلا فائدة وأنت إذا رأيت من نفسك أن أوقاتك ضائعة بلا فائدة فيجب عليك أن تلاحظ قلبك فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذكر الله ولو رأيت أو لو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء ما أنتجوا من المؤلفات

بقلم: ابن عثيمين
522