ربط المؤلف -مؤلف كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة- بين عورة المرأة -كما فهمها هو- واستشراف الشيطان، وجعل الاستشراف مبنيًّا على كشف المرأة لعورتها أو التقصير في سترها، في حين أن الحديث صريح في أن الاستشراف مربوط بخروج المرأة، من غير التعرض لقضية التبرج والتقصير في ستر العورة، وهذا ما فهمه العلماء من الحديث.
فقد قال الطيي (ت: ٧٤٣هـ) رحمه الله: (أقول: المرأة عورة، سواء كانت في خدرها أو خارجة عنه، وفي هذا المقام ينبغي أن يحمل العورة على معنى ما يخالف استشراف الشيطان إياها، يعني ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان في إغواء الناس بها، فإذا خرجت طمع وأطمع؛ لأنها حبائل الشيطان، فإذا خرجت جعلها مصيدة يزينها في قلوب الرجال، ويغريهم عليها، فيورطهم في الزنا، كالصائد الذي يضع الشبكة ليصطاد ويغري الصيد إليها بما يوقعه فيها»
وقال المباركفوري: "فإذا خرجت استشرفها الشيطان: أي زينها في نظر الرجال، وقيل: أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكفت فوق الحاجب، والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها، ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق، سماه به على التشبيه".
وقال المنذري: "قوله (فيستشرفها الشيطان) أي: ينتصب ويرفع بصره إليها، ويهمّ بها؛ لأنها قد تعاطت سببًا من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها"
وقال الألباني (ت: 1420 هـ) رحمه الله: "هذا في شيطان الجن، فما بالك في شيطان الإنس، لا سيما شياطين إنس هذا العصر الذي نحن فيه، فإنه أضر على المرأة من ألف شيطان؛ ﻷن أغلب شبان هذا الزمان لا مروءة عنده، ولا دين، ولا شرف، ولا إنسانية، يتعرضون للنساء بشكل مفجع، وهيئة تدل على خساسة ودناءة وانحطاط فعلى ولاة الأمر -إن كانوا مسلمين- أن يؤدبوا هؤلاء الفسقة الشررة، والوحوش الضارية"
فالعلماء فهموا من الحديث ارتباط استشراف الشيطان للمرأة في حال خروجها من البيت بغض النظر عن كونها خرجت مستترة، أم خرجت متبرجة، ولا شك أن خروجها متبرجة أشد، وفرح الشيطان بها أكثر، قال الألباني رحمه الله "وإن مما لا شك فيه أن الاستشراف المذكور يشمل المرأة ولو كانت ساترة لوجهها، فهي عورة على كل حال عند خروجها، فلا علاقة للحديث بكون وجه المرأة عورة بالمعنى الفقهي، فتأمل منصفًا"
المصدر:
د. عادل بن حسن الحمد، تحرير المرأة عند العصرانيين، ص165