وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة، وصية بليغة حفظت منها قوله: "لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك، اليوم إن تُرضِ الناسَ يشكروك، وفي غدٍ تسخطهم يذمّوك، انقضى عمرك بين شكرهم وذمّهم ولا حقيقة لأحدهما، بل إذا عرض لك أمر فيه طاعة الله أقدم عليه ولو أن في قبالته ألفًا يذمونك؛ فإن الله تعالى يكفيك شرهم، عملًا بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها وقد روي موقوفًا ومرفوعًا إلى النبي ﷺ أنه قال: ((من أرضى الله بسخط الناس كفاه مؤونة الناس)) وإذا عرض لك أمر فيه معصية احذر ثم احذر أن تقدم عليه ولو أن في قبالته ألفًا يشكرونك، فإن الله تعالى يسلطهم عليك عملًا بقوله ﷺ: (( من أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذامًّا)) وفي لفظ: (( وكله الله إليهم ولم يُغنوا عنه من الله شيئًا)). ولقد وجدت -والله- في مدة العمر لهذه الوصية ثمرات عجيبة، فالله يجمع قلوبنا على طاعته ومحبته، إنه جواد كريم.
المصدر:
النصيحة المختصة، لابن الحبّال البعلي