التشكيك في الإسلام بسبب تأخر المسلمين

التشكيك في الإسلام بسبب تأخر المسلمين | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

1790 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

تأخر المسلمين والطعن في الدين

 

يردد كثير من الملحدين والمشككين في الإسلام هذه الأسئلة:
لماذا يعيش العالم الإسلامي متأخرًا عن العالم الغربي وعن الدول الإلحادية في الجوانب الصناعية والتقنية والعسكرية؟
ألا يدل ذلك على عدم صحة الإسلام؟
ولماذا يكثر القتل بين المسلمين في حين يعيش المـُلحدون بسلام؟
 

الإشكاليات التي تنطوي عليها الشبهة

عند التأمل في هذه الأسئلة وما بُنِيَت عليه نجد أن هناك قدرا من المغالطات وسوء المعايير، كما أن هناك قدرا كبيرا من الأسئلة المضادة التي تكشف عن حرج موقف السائلين لا المسؤلين، وسأذكر ذلك على شكل نقاط:

 

أولًا:

إشكالية التعميم، فيقوم هؤلاء المشككون بتعميم ما يُخطئ فيه فرد مسلم أو جماعة مُسلمة ليُلصقوا كل ذلك بالإسلام حتى ولو تبرأ المسلمون في كل يوم وليلة من هذه الأفعال.

 

ثانيًا:

من أكبر جرائم القتل التي ارتكبت بحق الإنسانية في العصر الحديث كانت في الحرب العالمية الثانية التي بلغ ضحاياها خمسون مليون قتيلٍ أو أكثر، وأطراف الحرب فيها: ملحدون وعلمانيّون ونصارى، وهم نفس الاتجاهات التي يثير أتباعها التشكيك في الإسلام، فعلى هذا المنطق يمكننا أن نثير نفس التشكيكات عليهم، فلو أخذنا جرائم النظام الشيوعي كدليل على إجرام الملحدين لكان ذلك كافيًا في إسقاطهم بنفس الطريقة التي يحاولون التشكيك بها في الإسلام، فإن قالوا: الشيوعيون لا يُمثلون المـُلحدين. قلنا لهم: وكذلك ليس كل مسلم يُمثل الإسلام.

 

ثالثًا:

من أعظم ما هُضمت به حقوق الإنسان في العصر الحديث: الحملات الاستعمارية التي قامت بها فرنسا وبريطانيا على العالم العربي والإسلامي، ولم تكن هذه الحملات في زمن ما يعرف بالعصور المظلمة في أوربا، بل كانت بعد عصر التنوير والحرية وحقوق الإنسان، فلتكن تلك النماذج الاستعمارية كافية إذًا في إسقاط أفكار التنوير والحريات الغربية!

 

رابعًا:

نحن نعتقد بأن العصمة من الخطأ لا تكون لأحد بعد الأنبياء، ونعتقد أنّ المسلمين يتفاوتون في درجات فهمهم لدينهم ومِن ثَمَّ تَمَسُّكهم به، فأيُّ عملٍ يقوم به فردٌ مسلم أو جماعة مسلمة فإنه قابل للأخذ أو الرد بحسب موافقته للكتاب والسنّة وإجماع علماء المسلمين، فالإسلام لا يحاكم إلى تصرفات الأفراد وإنما إلى نصوصه الأصلية وإلى تصرفات مجموع المنتمين إليه.

وكذلك، فليس كل شخص منتسب للإسلام يكون حَسَنَ النية لهذا الدين، فبعض الأشخاص ينتسبون للإسلام ظاهرًا لكنهم في الحقيقة يحاربونه، وقد ذكر الله صفات المـُنافقين في كثير من آيات كتابه العزيز، وذكر أنّ ولاءهم متوجه لأعداء هذا الدين وإن كانوا في ظاهر الأمر مع المـُسلمين.

فإذا أردنا النظر في حقيقة الإسلام فلنرجع إلى أصوله: الكتاب، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم -الذي هو النموذج الكامل التطبيقي للإسلام-، كما قالت عنه عائشة صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن» والذي رأيناه من شواهد التاريخ أنه بقدر اقتراب المـُسلمين من دينهم وأَخْذِهم بسنن الله في الكون ينالون الرفعة في الدنيا وتكون لهم كلمتهم فيها.

 

خامسًا:

تفوق الغرب الحضاري المادي في هذا الزمن هو لأخذهم بسنن التفوق المادي والتي جعلها الله بعدله لكل من خلق، فإننا نؤمن بأنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل سننًا في الكون؛ من أخذ بها حصد نتائجها ولو كان كافرًا عاصيًا لله؛ فالله عز وجل يعطي كل إنسان على قدر ما بذل.

 

سادسًا:

من الخطأ الكبير إرجاع معيار النجاح والتقدم إلى الناحية المادية فقط، فإن غاية ما تحققه: الرفاه للإنسان في هذه الدنيا، وهذه الغاية ليست هي ما خلق الله الإنسان لأجلها، وإنما يعرف ذلك من تأمل في دلائل الإيمان التي ذكرناها في أول الكتاب. فهذا التقدم المادي دون تحقيق الغاية الكبرى (وهي التعبد لله تعالى واتباع أمره) لا قيمة له، بل هو من عوامل تكبر الإنسان وجبروته وطغيانه.

 

سابعًا:

ما يُنسَب إلى المسلمين من تخلف وتأخر وتحارب واقتتال، له عدة أسباب، منها افتقاد كثير من المسلمين للإرادة الصادقة مع العمل الواعي للنهضة بالأمة، ومنها ما يكون لغير المسلمين فيه يد ظاهرة أو خفية، وما القضية السورية عنّا ببعيد، فهي قد جمعت السببين معًا: فمن الناحية الداخلية كان التفرق والاختلاف والتمسك ببعض الآراء والمناصب سببا في تأخر الانتصار والاستقرار، ومن الناحية الخارجية كان للتدخل الروسي وغيره أشد الأثر في استدامة المصائب والكوارث، وكم رأينا وما زلنا نرى جرائمهم في قصف المخابز والأسواق والمدنيين بطريقة متوحشة.. فمن أين نبعتْ جرائمهم تلك؟ من الإسلام؟
 
ولولا ضيق المقام لزدت من ذكر الوجوه في الرد على هذه الشبهة، ولعل فيما مضى بعضُ كفاية.

 


 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، كامل الصورة، ص165

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#كامل-الصورة #تأخر-المسلمين
اقرأ أيضا
التواصل الشبكي: إدمان أم مهرب | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

التواصل الشبكي: إدمان أم مهرب


ومن التصورات الشائعة: الظن أن العالم الجوهري في الإدمان الشبكي هو بفعل الجاذبية الاستثنائية للمحتوى على الإنترنت بحيث يخلب المرء عن المهام الأخرى وهذا التصور غير دقيق البتة فقد أكدت دراسات هذا الحقل أن الإدمان الشبكي كثيرا ما يكون آلية هروب نفسي

بقلم: إبراهيم السكران
382
أولياء الله ومزاعم ابن عربي | مرابط
اقتباسات وقطوف

أولياء الله ومزاعم ابن عربي


وأفضل أولياء الله تعالى أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به وعملا به فهو أفضل أولياء الله إذاكانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم وأفضلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أبو بكر رضي الله عنه

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
704
أفنيت عمري في علم الكلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفنيت عمري في علم الكلام


يشتمل القرآن على مختلف أنواع الأدلة التي قد يصبو إليها الإنسان وكذب من قال أنه خلو من الأدلة العقلية فراح يسعى ويلهث وراءها في ظلمات الفلسفة ومتاهات الكلام ففي كتاب الله الدواء الشافي والدليل الكافي وهذا مقتطف عن أحد المتكلمين ينقله ابن القيم رحمه الله

بقلم: ابن القيم
1885
الرأسمالية ومعاناة الإنسان | مرابط
فكر

الرأسمالية ومعاناة الإنسان


قرابة 40 في المئة من الغذاء الذي يتم إنتاجه ومعالجته ونقله في أمريكا يتم إهداره.. هل تتخيل الرقم؟ .. هذه الكمية وحدها كافية للقضاء على الجوع في العالم.. بل تزيد عن القدر المطلوب! .. فالأمريكان من أكثر الشعوب شهية وأكثرهم سمنة بسبب عاداتهم الغذائية.

بقلم: علي محمد علي
347
الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج2 | مرابط
الجندرية

الجندر المفهوم والحقيقة والغاية ج2


هذا الدين الذي نؤمن به رجالا ونساء جعل العلاقة بينهما علاقة مودة ورحمة وسكن تبنى فيه الأسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرد والمجتمع والدولة والأمة ونؤمن بأن كل ما جاء به هذا الدين هو حق وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر فإن الله - سبحانه وتعالى - له فيه حكمة قد لا ندركها كبشر في مكان ما وزمان ما قال - سبحانه وتعالى -: الرجال قوامون على النساء النساء: 34 فهم قوامون على النساء ولكن بضوابط وضعها الشرع حفاظا على هذه المرأة التي هي مخلوقة من مخلوقات رب العالمين حالها كحال الرجل فكيف يظلم الله مخل...

بقلم: حسن حسين الوالي
682
لماذا نحب الرسول الجزء الأول | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الأول


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
705