تأخر المسلمين والطعن في الدين
يردد كثير من الملحدين والمشككين في الإسلام هذه الأسئلة:
لماذا يعيش العالم الإسلامي متأخرًا عن العالم الغربي وعن الدول الإلحادية في الجوانب الصناعية والتقنية والعسكرية؟
ألا يدل ذلك على عدم صحة الإسلام؟
ولماذا يكثر القتل بين المسلمين في حين يعيش المـُلحدون بسلام؟
الإشكاليات التي تنطوي عليها الشبهة
عند التأمل في هذه الأسئلة وما بُنِيَت عليه نجد أن هناك قدرا من المغالطات وسوء المعايير، كما أن هناك قدرا كبيرا من الأسئلة المضادة التي تكشف عن حرج موقف السائلين لا المسؤلين، وسأذكر ذلك على شكل نقاط:
أولًا:
إشكالية التعميم، فيقوم هؤلاء المشككون بتعميم ما يُخطئ فيه فرد مسلم أو جماعة مُسلمة ليُلصقوا كل ذلك بالإسلام حتى ولو تبرأ المسلمون في كل يوم وليلة من هذه الأفعال.
ثانيًا:
من أكبر جرائم القتل التي ارتكبت بحق الإنسانية في العصر الحديث كانت في الحرب العالمية الثانية التي بلغ ضحاياها خمسون مليون قتيلٍ أو أكثر، وأطراف الحرب فيها: ملحدون وعلمانيّون ونصارى، وهم نفس الاتجاهات التي يثير أتباعها التشكيك في الإسلام، فعلى هذا المنطق يمكننا أن نثير نفس التشكيكات عليهم، فلو أخذنا جرائم النظام الشيوعي كدليل على إجرام الملحدين لكان ذلك كافيًا في إسقاطهم بنفس الطريقة التي يحاولون التشكيك بها في الإسلام، فإن قالوا: الشيوعيون لا يُمثلون المـُلحدين. قلنا لهم: وكذلك ليس كل مسلم يُمثل الإسلام.
ثالثًا:
من أعظم ما هُضمت به حقوق الإنسان في العصر الحديث: الحملات الاستعمارية التي قامت بها فرنسا وبريطانيا على العالم العربي والإسلامي، ولم تكن هذه الحملات في زمن ما يعرف بالعصور المظلمة في أوربا، بل كانت بعد عصر التنوير والحرية وحقوق الإنسان، فلتكن تلك النماذج الاستعمارية كافية إذًا في إسقاط أفكار التنوير والحريات الغربية!
رابعًا:
نحن نعتقد بأن العصمة من الخطأ لا تكون لأحد بعد الأنبياء، ونعتقد أنّ المسلمين يتفاوتون في درجات فهمهم لدينهم ومِن ثَمَّ تَمَسُّكهم به، فأيُّ عملٍ يقوم به فردٌ مسلم أو جماعة مسلمة فإنه قابل للأخذ أو الرد بحسب موافقته للكتاب والسنّة وإجماع علماء المسلمين، فالإسلام لا يحاكم إلى تصرفات الأفراد وإنما إلى نصوصه الأصلية وإلى تصرفات مجموع المنتمين إليه.
وكذلك، فليس كل شخص منتسب للإسلام يكون حَسَنَ النية لهذا الدين، فبعض الأشخاص ينتسبون للإسلام ظاهرًا لكنهم في الحقيقة يحاربونه، وقد ذكر الله صفات المـُنافقين في كثير من آيات كتابه العزيز، وذكر أنّ ولاءهم متوجه لأعداء هذا الدين وإن كانوا في ظاهر الأمر مع المـُسلمين.
فإذا أردنا النظر في حقيقة الإسلام فلنرجع إلى أصوله: الكتاب، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم -الذي هو النموذج الكامل التطبيقي للإسلام-، كما قالت عنه عائشة صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن» والذي رأيناه من شواهد التاريخ أنه بقدر اقتراب المـُسلمين من دينهم وأَخْذِهم بسنن الله في الكون ينالون الرفعة في الدنيا وتكون لهم كلمتهم فيها.
خامسًا:
تفوق الغرب الحضاري المادي في هذا الزمن هو لأخذهم بسنن التفوق المادي والتي جعلها الله بعدله لكل من خلق، فإننا نؤمن بأنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل سننًا في الكون؛ من أخذ بها حصد نتائجها ولو كان كافرًا عاصيًا لله؛ فالله عز وجل يعطي كل إنسان على قدر ما بذل.
سادسًا:
من الخطأ الكبير إرجاع معيار النجاح والتقدم إلى الناحية المادية فقط، فإن غاية ما تحققه: الرفاه للإنسان في هذه الدنيا، وهذه الغاية ليست هي ما خلق الله الإنسان لأجلها، وإنما يعرف ذلك من تأمل في دلائل الإيمان التي ذكرناها في أول الكتاب. فهذا التقدم المادي دون تحقيق الغاية الكبرى (وهي التعبد لله تعالى واتباع أمره) لا قيمة له، بل هو من عوامل تكبر الإنسان وجبروته وطغيانه.
سابعًا:
ما يُنسَب إلى المسلمين من تخلف وتأخر وتحارب واقتتال، له عدة أسباب، منها افتقاد كثير من المسلمين للإرادة الصادقة مع العمل الواعي للنهضة بالأمة، ومنها ما يكون لغير المسلمين فيه يد ظاهرة أو خفية، وما القضية السورية عنّا ببعيد، فهي قد جمعت السببين معًا: فمن الناحية الداخلية كان التفرق والاختلاف والتمسك ببعض الآراء والمناصب سببا في تأخر الانتصار والاستقرار، ومن الناحية الخارجية كان للتدخل الروسي وغيره أشد الأثر في استدامة المصائب والكوارث، وكم رأينا وما زلنا نرى جرائمهم في قصف المخابز والأسواق والمدنيين بطريقة متوحشة.. فمن أين نبعتْ جرائمهم تلك؟ من الإسلام؟
ولولا ضيق المقام لزدت من ذكر الوجوه في الرد على هذه الشبهة، ولعل فيما مضى بعضُ كفاية.
المصدر:
أحمد يوسف السيد، كامل الصورة، ص165