هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن

هلوع جزوع منوع.. هكذا وصف الإنسان في القرآن | مرابط

الكاتب: محمد علي يوسف

242 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هلوع جزوع منوع
هكذا وُصف الإنسان في القرآن..

تلك الصفات تبدو مطلقة عامة في مفتتح ذكرها بسورة المعارج “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا” هي أيضا صفات أصيلة متجذرة في خلق الإنسان الأجوف الذي لا يتمالك كما وُصفه النبي ﷺ 

ذلك الخلق الأجوف يحوي بداخله فراغا يسعى دوما لملئه بأي سبيل لأجل ذلك الفراغ يجمع ويمنع ويسعى ويلهث وإذا استشعر ما يحول بينه وبين ما يملأ جوفه فإنه يهلع ويجزع

هكذا خُلق بعموم وشمل.. لكن ثمة استثناءات، وثمة بشر يمكن وصفهم بأنهم استثنائيون.. بشر تمكنوا بفضل الله ورحمته من مواجهة تلك الصفات المذمومة وأحسنوا التعامل معها وامتلأ فراغ نفوسهم بأشياء أخرى

أهم هذه الأشياء الصلاة: وذلك هو أصل الاستثناء "إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ" هكذا اختار الله لهم تلك الصفة لتكون علما عليهم؛ إنهم أولئك الذين اتصلوا بمعارج الطاعة وتعلقت قلوبهم بتلك العبادة التي هي منبع الراحة "أرحنا بها يا بلال" 

النبي ﷺ يلخص بتلك الجملة هذه الحالة التي لا يعرفها إلا من ذاقها.. أن يمتلىء فراغ الروح بلذة الاتصال بالمولى وأن يرتوي خواء الفؤاء بنبع الذكر وأن تخضر صحاري النفس بواحات المناجاة أثناء الصلاة.. أن يأمن الهلوع ويطمئن الجزوع ويهدأ طمع المنوع لينفق نفقة الواثق الذي لا يخشى الفقر

ببساطة لأنه اتصل وارتاح.. عندئذ تفهم لماذا كان حبيبك ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ولذلك افتتحت صفات الاستثنائيين بالصلاة وبها اختتمت. لكن لا شك أن منا مصلين ورغم ذلك لم يزل خواء النفوس ظاهرا ولم تزل علامات الهلع والجزع والمنع جلية لا تخطئها عين

كل ذلك حقيقي ملموس وإجابته يسيرة؛ الصلاة رحلة ديمومة وحفاظ وارتقاء “الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ”، “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ” هي إذا ليست مجرد حركات تؤدى وتلقى ليستراح منها ويؤدى الواجب والسلام

كلا.. 
ليست هذه هي الصلة التي تروي وتكفي، الصلاة المقصودة كمًا وكيفا = شيء آخر.. استثناء المصلين من الهلع والجزع عند وقوع الشر والمنع عند ملاقاة الخير ليس مطلقا كما يبدو

هناك شروط أخرى بعضها متعلق بالصلاة نفسها كمًا وكيفا وبعضها متعلق بما تنشئه الصلاة من سلوك ومشاعر. الاستثناء هو العنوان والمصلون هو اللقب المعلن الذي يزينهم 
لكن أي مصلين؟! إنهم المداومون ابتداءً المحافظون انتهاءً؛ أولئك الذين ارتبطوا بالصلاة حتى صارت صفتهم الملازمة وديدنهم الذي صار علما عليهم.

ليسوا إذًا أصحاب الصلوات الموسمية أو الذين ينتظرون مناسبة لينفضوا تكاسلهم ويقوموا إليها كسالى ينقرونها كنقر الديكة لا يذكرون الله إلا قليلا، ولا أولئك الذين يستريحون منها لا بها ويعاملونها  معاملة الواجب الدوري الثقيل.. وبين المداومة عليها وحفظ شروطها وأركانها تنشأ الصفات والسلوكيات والمشاعر التي تنفي عنهم الهلع والجزع والشح رويدا رويدا 

اتصالهم بالله يغرس يقينا في الرزق يجعل المال في أيديهم وليس في قلوبهم فينفقونه نفقة من لا يخشى الفقر عن طيب خاطر وسماحة نفس بل ويرونه حقا لإخوانهم سائلين كانوا أو محرومين "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" 

ثم إن اتصالهم الدائم بربهم أنبت خشية ممزوجة بمعرفة راسخة لم تجعلهم يركنوا لطاعتهم أو يأمنوا عذابه اعتمادا على تقربهم بل زادتهم خوفا ووجلا ألا يُتقبل منهم وصار هم الآخرة والإشفاق منها علامة أخرى عليهم "وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ"

هذا الهم والإشفاق أورثهم التقوى فكانت صلاتهم ناهية عن الفحشاء والمنكر فلم يستسلموا لشهوات جبلوا على أصلها وجهها الشرع إلى سبل شرعية اكتفوا بها وأعفوا أنفسهم عما دونها "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ"

أما أصحابنا هؤلاء فليسوا من العادين.. نهتهم صلاتهم وصلتهم بالله العظيم أن يكون من المعتدين المبتغين لما لا يحق لهم
وإن كان ذلك دأبهم في شأن النساء فإنه كذلك في سائر الأشياء. إنهم قوم أهل أمانة وحسن عهد لا تسيل الأموال لعاب أطماعهم ولا تسول لهم الخيرات التي يأتمنهم عليها غيرهم أن يخونوا أو يغدروا "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" 

حتى إذا نُزعت الأمانة في أزمانهم كانوا هم الرجل الذي يقال عنه: في بني فلان رجل أمين، وليست فقط أمانات مادية تلك التي يرعونها.. في أمانة القول والشهادة أيضا لهم باع فلا يشهدون الزور أبدا بل يقيمون الشهادة ولا يكتمونها كذلك الآثم قلبه ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين فهم ممن قال الله فيهم “وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ”

كل ذلك ليس مستغربا عليهم فهم الذين كانت الصلة بينهم وبين ربهم زادا يغنيهم عن كل تلك الرزايا التي ابتلي بها غيرهم.. كانت الصلاة زادهم ونبعا صافيا ارتوت منه أنفسهم فزال عنها الهلع والجزع والشح الذي حال بين كثير من الخلق وبين تلك الصفات التي وُفقوا إليها

ومن هنا جاء الاستثناء "إلا المصلين" 
ومن بعده جاء التكريم
في الجنة “أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ”

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تدبر #سورة-المعارج
اقرأ أيضا
علمنة الأحكام الشرعية | مرابط
فكر مقالات العالمانية

علمنة الأحكام الشرعية


يناقش هذا المقال ظاهرة خطيرة يشهدها واقعنا المعاصر ألا وهي علمنة الأحكام الشرعية حيث يبقى المسمى الشرعي كما هو ولكن يتم تفريغه من مضمونه وتبديله بمضامين أخرى لا تخالف الذائقة العلمانية وقد ضرب الكاتب العديد من الأمثلة بأحكام شرعية مل الردة والربا والجهاد وموضوعات الاختلاط والولاء والبراء وبين كيف تغير معناها الإسلامي إلى معنى علماني مخالف

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2209
مقصود العبادات عند الفلاسفة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود العبادات عند الفلاسفة


اهتم شيخ الإسلام بالرد على الفلاسفة من أهل الإسلام وغيرهم في تفسيرهم للدين ورؤيتهم له وفي هذا المقتطف من كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح يعرض لنا رؤية المتفلسفة للعبادات في الإسلام ومن اشترك معهم في رؤيتهم من الفلاسفة المنتمين للمسلمين

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
941
العلمانية الجزء الثاني | مرابط
العالمانية

العلمانية الجزء الثاني


مدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر

بقلم: الندوة العالمية للشباب الإسلامي
2037
فضيلة شهر شعبان | مرابط
تفريغات

فضيلة شهر شعبان


فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم بشهر شعبان ما لا يهتم بغيره ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك شهر رجب فقال: صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان وهو شهر تغفل الناس عنه وهو شهر أحب أن أصوم فيه وهو شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم

بقلم: عبد الله بن ناصر السلمي
325
هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

هل القرآن منقول من الكتاب المقدس ج1


يقول المشككون أهل الباطل أن القرآن منحول عن الكتاب المقدس في كثير من معارفه ونصوصه التي شابهت ما في الكتاب المقدس من أخبار السابقين وبين يديكم مقال تفصيلي في الرد على هذه الفرية يقف فيها الكاتب الدكتور منقذ السقار على حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس وقصص الأنبياء وأخبار الأمم السابقة في الكتابين وكذلك الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس لندرك حقيقة الأمر وندرك الباطل الذي بنيت عليه هذه الشبهة

بقلم: د منقذ السقار
1422
كيف تعرف صدق النبوة ج1 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج1


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
1058