ثم تأتي الرسالة من رب الكون إلى هذا الإنسان .. وكان أولى به أن ينظر -أول ما ينظر- إلى مرسلها، ويسأل -أول ما يسأل- عن مصدرها؛ حتى يتحقق منه يقينًا. ذلك أن الإنسان عندما يتوصل عادة بأي رسالة أرضية بشرية، فإنه ينظر بادئ النظر إلى اسم المرسِل من هو؟ حتى إذا استقر في ذهنه اسمه قرأ الرسالة حينئذ؛ لأنه على قدر المرسِل عند المرسَل إليه تكون قيمة الرسالة، ولقد علمنا أن الإنسان إذ تصله رسالة من محبوب أو مرهوب، يقرأ خطابه بروية وإمعان، حتى إن الأم الأمية التي تتلقى رسالة من ولدها، المسافر في أرض الغربة النائية بعيدًا، تكلف من يقرأ لها الكلمات، فتستمع لها استماعًا وتنصت إنصاتًا، وتراها -وهي المرأة الأمية- تصيخ السمع للكلمات الفصيحة، تتلقاها تخيلًا بالوجدان، وإن لم تفهم معناها الدقيق على التحقيق، فتحرك رأسها بالقبول لكل ما قال الحبيب!
وتأتي الرسالة من رب الكون، ولكن قلما نوليها ما تستحق من اهتمام، مع أنها تجيبنا عن لغز الحياة من حولنا، ولغز وجودنا فيها، فلا نحتفي بالقرآن رسالة الله إلى العالمين. عجبًا، عجبًا!
المصدر:
فريد الأنصاري، بلاغ الرسالة القرآنية