سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج2

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الثاني ج2 | مرابط

الكاتب: د راغب السرجاني

618 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

إنفاق البلاد العربية على الأبحاث العلمية

الظاهرة السابعة: الإنفاق على الأبحاث العلمية، بعض الأرقام المفزعة في تقرير لمنظمة اليونسكو لعام (2004م) يقول: إن العالم العربي مجتمعًا ينفق (0.2%) من الدخل القومي على الأبحاث العلمية، المعدل العالمي للدول القوية (3%) من الإنتاج القومي، العالم العربي يصرف (2.%) يعني: اثنين في الألف، المعدل المفروض (3%)، كل الدول العربية تصرف اثنين في الألف على الأبحاث العلمية وهذا يوازي حوالي (1.7) مليار دولار، وإسرائيل وحدها تنفق (4.7%) من ناتج إسرائيل القومي على الأبحاث العلمية، هذا تقرير اليونسكو لعام (2004م) فأعلى نسبة في العالم في الإنفاق على العلم في إسرائيل، أمريكا تصرف (2.7%) وإسرائيل تصرف (4.7%)؛ لأن الدخل القومي عندها كبير عن بلاد العالم الإسلامي، أما نحن فالأموال عندنا مكدسة، لكن ليست داخلة في حساب الناتج القومي، و(4.7%) تساوي (6.1) مليار دولار، يعني: العالم العربي كله يصرف (1.7) مليار دولار وإسرائيل لوحدها تنفق (6) مليار دولار على العلم سنويًا، أظن هذا شيئًا يحتاج إلى وقفة.

أمريكا تصرف (2.7%) أو (2.9%) من ناتجها القومي على العلم، لكن الناتج القومي لأمريكا رهيب، فالمبلغ هذا يساوي (295) مليار دولار سنويًا، فأمريكا تنفق (295) مليار دولار على العلم سنويًا، يمثل هذا المبلغ (35%) من الإنفاق على العلم في العالم كله. إذًا: لابد أن يكون هناك مردود، فأمريكا لما تصرف هذه الكمية على العلم تصبح الدولة الأولى، والنتيجة أن تجوب أمريكا بأساطيلها مشارق الأرض ومغاربها، وأن تحتل أفغانستان والعراق وتساعد إسرائيل في احتلال فلسطين ولا يتكلم أحد، هذا مردود العلم.

الذي نراه في الواقع ليس مستغربًا عند النظر إلى الأرقام، ومرة أخرى أنا لا أقول هذا الكلام دعوة للإحباط، نحن نريد أن نقوم على أرجلنا، فلابد أن نعرف حقيقة المشكلة، لكن يبدو أننا ننظر في حل المشكلة من مجال آخر، وتركنا المجال الذي أمرنا برعايته وأوتينا من قبيله، وكما ذكرنا في محاضرة سابقة أن أول كلمة نزلت في القرآن الكريم الأمر بالقراءة والعلم، فنحن مأمورون بالعلم من أول أيام الرسالة. يحزنني أن أقول: إسرائيل، لكن للأسف هو واقع مفروض علينا لابد أن نغيره، فإحصائيات اليونسكو وبلاد العالم بصفة عامة بما فيها بلاد المسلمين تعترف بوجود إسرائيل، فإسرائيل عندهم (217) جهاز كمبيوتر لكل (1000) مواطن، وهؤلاء فيهم أطفال وفيهم نساء وفيهم رجال، يعني: لا يخلو بيت ولا مصلحة من جهاز كمبيوتر، أما مصر ففيها (9) أجهزة لكل (1000) مواطن، والأردن فيها (52)، ولبنان (39)، والباحثون العلميون في العالم العربي كله (136) باحثًا لكل مليون مواطن عربي.

وإسرائيل لكل مليون يهودي يعيش في إسرائيل فيهم (1395) باحثًا، نحن نتكلم على الدول العربية مجتمعة ليس على مصر، الدول العربية مجتمعة لديها (136) باحثًا لكل مليون مواطن، وإسرائيل التي هي عبارة عن (5) مليون فقط لديها (1395) باحثًا لكل مليون مواطن، وأمريكا لديها (4374) باحثًا لكل مليون مواطن، واليابان (5000) باحث، هناك فجوة، فـ (5000) في اليابان، و(1395) في إسرائيل أو (4374) في أمريكا يعملون في العلم لابد أن ينتجوا شيئًا، و(136) فقط لكل الدول العربية مجتمعة بكل إمكانياتها المالية والبشرية ولا حول ولا قوة إلا بالله، لو أخذنا الميزانية المخصصة للعلم في البلاد على عدد السكان، نجد أنه يصرف على المواطن الإسرائيلي في العلم (922) دولارًا سنويًا، والمواطن الأمريكي (1005) دولارات سنويًا، والمواطن المصري (6) دولارات سنويًا لأجل العلم، قد يقول شخص: نحن فقراء، نقول: لكن العلم هو أحد بؤر الاهتمام، ومع ذلك تصرف في وجوه أخرى فممكن يدفع لمدرب كرة قدم (30) ألف دولار و(25) ألف دولار، ولا ندفعها لعالم ولا لمؤسسة علمية، وهذا خلل في الفهم والفقه في العالم العربي كله، ينشر في السنة الواحدة في العلوم البيولوجية على سبيل المثال: علوم الأحياء (447) بحثًا، وإسرائيل لوحدها تنشر (593) بحثًا سنويًا، وأمريكا تنشر (14050) بحثًا سنويًا، وهذا فرع من فروع العلم، كذلك في الطب والهندسة وعلوم الفلك والفضاء والنووية وغير ذلك من الأمور.

هذه معلومات موثقة وإحصائيات رسمية لم نأت بها من جرائد المعارضة، لا، هذه إحصائيات رسمية حكومية سواء في مصر أو في العالم العربي أو في العالم الإسلامي أو في العالم ككل، إحصائيات اليونسكو والأمم المتحدة، وقلت لكم: ليست المشكلة مشكلة نقود، فهنا مؤسسة علمية كبرى في مصر -بدون ذكر أسماء- أنا رأيتها بنفسي تصرف (15) مليون جنيه لتجميل الصورة الخاصة بالمؤسسة، ومستحيل أن تدفع (1000) أو (2000) جنيه لبحث علمي، وقد تقوم بإنشاء مكتب بمليون جنيه ويكون تأثيث المكتب من الرخام بأنواعه المختلفة المستوردة من إيطاليا وأسبانيا وتركيا وغيرها من بلاد العالم، وممكن ينفق عليه أكثر مما ينفق على أبحاث علمية لسنة كاملة.

فئات العالم حسب الإنجاز التقني ومكان العالم الإسلامي في ذلك
الظاهرة الثامنة: ينقسم العالم إلى خمس فئات حسب الإنجاز التقني في الدولة: الأولى: مجموعة القادة، هؤلاء منهم (18) دولة في العالم بحسب الإنجاز التقني، منهم للأسف إسرائيل أرقام وإحصائيات، وهناك دول يحتمل أن تكون من القادة بفضل الله ومنهم ماليزيا وهي دولة واحدة إسلامية.

وفي الدرجة الثالثة: هناك (6) دول إسلامية وهي: مصر بفضل الله، وإندونيسيا، وتونس، وسوريا، والجزائر، وإيران، وإن كنت أعتقد أن إيران وضعت هنا لظروف سياسية، أتوقع أنها أعلى من ذلك.

ثم الدرجة الرابعة: المهمشون، وهم معظم بلاد العالم الإسلامي.

والدرجة الخامسة: ناس ليس لهم دخل في أي شيء، ما هو العلم أساسًا؟ هل العلم مجرد القراءة والكتابة؟! ماذا يعني جامعة؟! وماذا يعني مدرسة؟! فهؤلاء لا داعي أن ندخلهم في التقسيم، فأنت ترى ربط الأمم المتحدة لقضية القيادة: دول قائدة ودول يحتمل أن تكون قائدة بالإنجاز التقني، لم يربطوها بقوة السلاح ولا بكثرة المال، ولا بعدد السكان، ولا بالوضع الجغرافي، لا، بل ربطوها بالعلم، وهذا لا يتعارض مع ديننا، نحن قلنا في محاضرة سابقة: إن أساس بناء الأمم العلم، والأمم التي تتصف بالعلم تقود وتسود.

 

ترتيب جامعات العالم

الظاهرة التاسعة: أقول هذا الكلام وأنا أعلم أنني أخاطب أناسًا إذا وضعوا أيديهم على المرض عالجوه بفضل الله عز وجل، فإمكانياتنا وقدراتنا هائلة، وإذا كانت كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والهند وغيرها تستطيع أن تقود فلا شك أن المسلمين يستطيعون القيام، بل والسبق، ولا يمكن أبدًا لأي عقل أن يقبل للمسلمين حالة التخلف وهم يمسكون بكتاب الله عز وجل وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أيديهم، فالذي يقبل عقلًا القيادة في حق الآخرين فمن المؤكد أن يقبل عقلًا في حقنا، بل وأكثر، لكن المهم أن نضع القضية في اهتمامنا، نتكلم عن ترتيب الجامعات في العالم، لعلكم قرأتم تقرير جامعة جياوتونج في شنغهاي في الصين على ترتيب الخمسمائة جامعة الأوائل على العالم كان عام (2004م)، أطلعت على تقرير عام (2005م) أيضًا الذي لم ينشر بعد في الجرائد ولم يشتهر وقارنت بين التقريرين فوجدت النتائج متقاربة جدًا جدًا، مما يعطي نوعًا من الانطباع أن هناك دقة في المعايير لهذه التقارير؛ لأن بعض الناس تشكك في هذه التقارير، أقول: حتى لو كان فيها بعض الانحياز فعندما تقرأ التقرير لا تجد مخالفة كثيرة عن الواقع، فهم لم يضطهدونا، فنحن نقرأ الأرقام ونرى الواقع مطابقًا لهذه الأرقام.

فهذا الترتيب فيه عدل إلى حد كبير، قد يكون هناك ظلم في نقطة أو نقطتين، لكن من حيث العموم تجد التقارير صحيحة؛ لأن مشاهدات المسلمين لهذه الأمور مشاهدات صحيحة، فهؤلاء قاموا بعمل ترتيب للجامعات في العالم من جامعة (1-500) بحسب درجة التفوق في التدريس في هذه الجامعات، وعدد الجوائز العالمية التي أخذتها هذه الجامعة، وعدد الباحثين والأساتذة الذين نشروا بحوثًا عالمية في مجالات محترمة علميًا، وعدد التخصصات النادرة في داخل الجامعة، وعدد الطلاب المتفوقين، وعدد الطلاب المرموقين في الشركات الكبرى في العالم، وعدد المحركين للأمم الذين درسوا في هذه الجامعات، هذه معايير قوية جدًا.

فخرجوا بترتيب (500) جامعة أوائل في تقرير عام (2004م) وليس هناك جامعة إسلامية واحدة من الـ (500) جامعة الأوائل، وفي تقرير عام (2005م) الحمد لله دخلت دولة إسلامية واحدة وهي تركيا، ودخلت بجامعتين: جامعة رقم (409)، وجامعة رقم (468) على العالم.

فإذا كنت في وضع مترد وبعد الـ(500) فلا تتوقع أن تكون الأول فجأة، لا، لكن ينبغي لنا أن نحاول ونتقدم، وتركيا فيها نهضة قوية جدًا، وتجربة تركيا أيضًا تحتاج إلى دراسة.

أما أمريكا فهي الدولة الأولى في العالم في الجامعات، وهذا شيء ليس مستغربًا؛ لأن في الـ (500) الجامعة الأولى التي على مستوى العالم فيها (168) جامعة أمريكية، والتي قامت بعمل هذا التقرير الصين، يعني: لو كان هناك نوع من الاضطهاد سيضطهدون أمريكا؛ لأن علاقة الصين بأمريكا ليست جيدة.

إذًا: هذه وقائع رأيناها بأعيننا، فهذه جامعات علمية بشكل حقيقي (168) جامعة في الـ(500) الأوائل، المائة الأوائل منها (53) جامعة أمريكية، والـ (20) الأوائل منها (17) جامعة أمريكية، وجامعتان من بريطانيا رقم (3) و(10)، وجامعة واحدة من اليابان وهي رقم (20)، في تقرير عام (2005م) وفي تقرير (2004م) كانت رقم (14)، لكن (17) جامعة من الـ(20) الأوائل على العالم جامعات أمريكية: الجامعة الأولى: (هارفارد)، وتسبق التي وراءها التي هي (كمبردج) في إنجلترا تسبقها بمسافات كبيرة.

الدولة الثانية: جامعات إنجلترا، وعدد جامعات إنجلترا في التقرير (40) جامعة، انظروا حجم الفجوة، لذلك أمريكا قائد وإنجلترا تابع، مع وجود التاريخ العريق لإنجلترا فهي الإمبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس، ولها تاريخ طويل، وهي الآن تابعة لأمريكا؛ لأن العلم مع أمريكا، فهناك فجوة كبيرة بينها وبين إنجلترا.

الدولة الثالثة: اليابان (34) جامعة.

إسرائيل رقم (12) على العالم فيها (7) جامعات في هذا التقرير، أول جامعة رقم (78) في تقرير (2004م) كانت برقم (90) يعني: أنها تتقدم.

في إفريقيا كلها لا توجد سوى دولة واحدة التي هي جنوب أفريقيا فيها (4) جامعات فقط، لا يقول أحد: السبب هو الفقر، أقول: هناك نقود كثيرة في البلد.

هناك دول فقيرة كثيرة موجودة في القائمة منها: المجر، الهند، البرازيل، البرازيل لها (4) جامعات، الأرجنتين نسمع عنها في الكرة، لكن هي بلد فقير جدًا، ألم تسمعوا الأزمة الاقتصادية الرهيبة التي كانت هناك؟ ومع ذلك عندهم جامعات موجودة في التقرير، شيلي، المكسيك، الدول الصناعية الثمان الكبرى سبع منها في العشر الأوائل على العالم ليست صدفة، باستثناء روسيا فقط هي التي خرجت وصار ترتيبها الـ (17) لقد كانت في أيام الاتحاد السوفييتي قوية، لكن كما تعلمون أن الفرقة ضعف، ولما تفككت جامعاتها تدنى مستواها جدًا.

إذًا: هذه ظواهر موجودة التقرير الذي عمل عام (2004م) وعمل عام (2005م) وسيعمل عام (2006م) ومعاييره معايير علمية، وهذه المعايير تقول: إن الجامعات الإسلامية تحتاج إلى وقفة، والطلاب والأساتذة المسلمون محتاجون إلى وقفة.

 

مرتبات أساتذة الجامعات في العالم

الظاهرة العاشرة والأخيرة: مرتبات الهيئات التعليمية، أساتذة الجامعة، الأستاذ الجامعي في مصر يأخذ (1/50) على الأقل من مرتبات الأستاذ الجامعي في أمريكا، هذه كارثة؛ أنا لا أقول ذلك لأني أستاذ جامعي وأريد أن يرتفع مرتبي، لا؛ أنا أقول ذلك لأن معظم الأساتذة الجامعيين يشتغلون بعد الظهر والصبح؛ لأنه يريد يعيش، ولأنه لم يعط مبلغًا يستطيع أن يعيش به، بينما هناك في الغرب الأستاذ الجامعي يأخذ خمسين ضعفًا على الأقل، وبعض الجامعات تعطي مائة ضعف، والأسعار هناك أرخص من عندنا، فهذا الفارق يجعل الواحد هناك من الساعة الثامنة إلى الساعة الخامسة في منتهى الدقة؛ لأن معه ما يرضيه، وهذا الاتفاق ليس هكذا بلا وزن ولا حساب، بل هذا الإنفاق يأتي بمال؛ لأنه لو كان عندك علماء وتصرف عليهم فسيأتون لك بنقود، فبدل ما يكون أقصى أحلامك أنك تستورد جهاز مكينة من الدرجة الثانية أو الثالثة ستصنع عندك جهازًا من الدرجة الأولى.

وبالتالي سيجرى العالم كله إليك؛ لكي يشتري منك، وسيكون عندك الذي ليس عندهم، ويكون القرار في يدك، وتكون رافعًا رأسك بالعلم، فهم عندما ينفقون هذا الإنفاق على هؤلاء العلماء يصبحون دولًا قوية صاحبة سيادة وقرار في العالم، ولا نقول أيضًا: الفقر مرة أخرى؛ لأن الوزير عندنا يأخذ أكثر من الوزير عندهم، نعم والله، المرتب القانوني عندنا أكثر من المرتب القانوني عندهم، فعندهم مرتبات مجحفة خاصة بالوزراء وخاصة برئيس الجمهورية وعندهم تضييقات شديدة جدًا، وغير مسموح له أن يقبل هدية في أثناء فترة وزارته أو حكمه، حتى إسرائيل نفسها تحاكم زعيم الدولة، إذا أعطى بعض التسهيلات لشركة من الشركات، أو يشك أنه أعطى هذه التسهيلات، لكن الوزراء عندنا يأخذون مبالغ خيالية، فالوزير ونائب الوزير ورئيس المصلحة يأخذون مبالغ خيالية، ورئيس هيئة كذا، تصل المبالغ إلى (200) ألف و(250) ألفًا وأكثر شهريًا وليس سنويًا، وهذا المبلغ لا يحصل عليه وزير هناك سنويًا، فهذا خلل في التوزيع وخلل في الاهتمام وخلل في القضايا الماسة للأمة الإسلامية.

نحن نتكلم على أساتذة الجامعة، فلنأت إلى مدرسين وهم موجودون معنا بأعداد لا بأس بها، لكنهم بؤساء فهم يعملون في التدريس، ودور الواحد منهم أن يعلم ويربي ويبدع ويخرج جيلًا قادرًا على قيادة العالم، وفي آخر الشهر يعطى (150) جنيهًا أو (200) جنيه أو (300) جنيه، مما جعلهم يعلنون في صفحات الجرائد عن الدروس الخصوصية، ماذا يعمل إذًا؟ يسرق؟ أنا لست مع الدروس الخصوصية، لكن في نفس الوقت لست مع إعطاء المدرس (100) جنيه أو (200) جنيه ثم نقول له: لا تعط دروسًا خصوصية.

إذًا: القضية في الأساس فهم قضية العلم واهتمامي بها مع أولادي ومع مدرستي، أو مع المصلحة التي أنا فيها، أو الوزارة التي أنا فيها، أو الهيئة التي أنا فيها، أو الجامعة التي أنا فيها، أو المدرسة التي أنا فيها، فقضية العلم قضية ينبغي أن تشغل أذهاننا، أما مجرد النجاح، الحمد لله الولد نجح من سنة إلى سنة فهناك طلاب في الإعدادية ما يستطيعون أن يقرءوا ويكتبوا، بل هناك بعض الباحثين في الجامعة أنا كنت أعطي محاضرة في كلية دار علوم والتي كان أحد فروعها الرئيسية اللغة العربية، فأرسلت إلي طالبة بسؤال بعد المحاضرة، أجاركم الله من اللغة التي كتب بها الخطاب! والله لولا أنني داخل الكلية ومتأكد وفي حالة وعي كامل، لظننت أنني بين أطفال تمهيدي أو أول ابتدائي أو ثاني ابتدائي بالكثير، خط ركيك جدًا وكلمات عجيبة كل قاف طبعًا مكتوبة كاف، والهمزات كلها مضروبة، طبعًا ناهيك عن الإعراب والنحو والصرف والإملاء، فقواعد الإعراب والنحو والصرف اصرف ذهنك عن أي شيء متعلق باللغة في قراءة هذا الخطاب.

هذه كارثة، هل يا ترى هذه القضايا في رءوسنا أم الذي يهمنا أن آخذ الشهادة وأعلقها في البيت، وأكون أخذت بكالوريوس أو ليسانس كذا أو كذا وانتهت القضية والحمد لله؟ ما تريدون أكثر من ذلك؟

لا، القضية تحتاج إلى وقفة جادة، هذه الحالة التي وصفناها الآن في الأمة يتهم بها الإسلام، هذا واقع، فأعداء الإسلام يقولون: الإسلام دين تخلف ودين رجعية، ويقولون: إن وضع المسلمين كذا وكذا وكذا، وما هذا إلا لأنهم مسلمون، فلماذا الدول الأخرى التي تعبد أي شيء: من شجر أو بقر أو بشر أو لا يعبدون شيئًا تتقدم؟ لماذا؟ إذًا: الإسلام يدعو إلى التخلف، هذا كلام يقال في الغرب ويكتب في كتب وفي تحليلات، هل سنرد أيضًا بالكلام أم سنرد بأبحاث علمية وسنرد بتحرك نحو العلم منذ الطفولة وإلى الكبر؟ هؤلاء القاعدون لابد أن يرتقوا في علومهم اليوم عن الأمس وغدًا عن اليوم، الكلام ليس مزحًا، الذي يريد لأمته أن تقوم لابد أن يعلم أنه بغير ذلك لن تقوم الأمة؛ لأن من سنن الشمس أن تطلع من المشرق وتغرب من المغرب، والأرض تدور حول الشمس، هذه سنن ليس فيها تغيير إلا في آخر الزمان عندما ينهار الكون وتقوم القيامة، أما في حياتنا فنحن مطالبون بتطبيق السنن، وكل شيء واضح في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)، نحن لسنا معذورين بالجهل في هذه القضايا.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.

 

خاتمة

الذي يريد لأمته رفعة فليذهب ويذاكر الآن حتى يتفوق في علمه، أنا أعلم أن هناك معوقات كثيرة وهائلة في بلادنا وفي غيرها، لكن ليس هذا مبررًا للقعود، وإذا كانت المساحة المتاحة للتحرك دائرة قطرها كيلو فأنت مطالب بأن تتحرك في هذه الدائرة التي قطرها كيلو، وتحاول أن توسعها، لكن لو تحركت في دائرة قطرها متر فأنت مقصر.

نعم العلوم فيها بعض المشاكل في المناهج التعليمية، وهناك فساد في التدريس، لكن هل بذلت الوسع فيما هو متاح؟ أم القضية ليست في بؤرة الاهتمام، وأنت مشغول فيما تسميه الدعوة، وأنت راسب أو فاشل علميًا؟ لا تستقيم هذه الدعوة، من الذي سيسمع كلامك في بلاد المسلمين أو في غير بلاد المسلمين، العقل يحتم علينا أن نتحرك الآن في هذه القضية.

الحديث يحتاج إلى وقت، وأنا أعلم أنني قد أطلت عليكم.

إن شاء الله في المحاضرة القادمة سنتحدث عن رأي الدين في العلوم الحياتية، وعن قيمة العلوم الحياتية في الشريعة الإسلامية؛ حتى تعلم أني لا أقول لك هذا الكلام استنباطًا عقليًا فقط أو استنتاجًا فكريًا أو ترف طرف فكري نتكلم فيه مع بعض ونقوم بعدة إحصائيات، لا، ديننا يأمرنا بالتفوق في العلوم الحياتية، والذي يقصر في ذلك آثم، وسيحاسب يوم القيامة عندما يقف أمام ربه سبحانه وتعالى ليس بينه وبينه ترجمان.

والله هذه ثغرات سوف تسألون عنها، وستسألون عن الفتنة التي يقع فيها غير المسلمين برؤية حال المسلمين المتخلف، سنسأل جميعًا، والذي سينجو فقط هو الذي اجتهد وبذل الوسع، حتى وإن لم يوفق في زمانه، ما دمت عملت الذي عليك فهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن اعرف أن عليك الكثير والكثير، وإن إمكانياتك تسمح بأكثر من الذي تعمله أضعافًا مضاعفة، وأنا على يقين من ذلك، فأمة الإسلام أمة ولادة، الخير فيها إلى يوم القيامة، هذا وعد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذا لا نشك فيه مطلقًا بأي حال من الأحوال.

نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#كيف-تصبح-عالما
اقرأ أيضا
المؤمن كله طيب | مرابط
اقتباسات وقطوف

المؤمن كله طيب


مقتطفات من كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم للإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب رحمه الله وهو من أشهر وأبرز المؤلفات الجامعة لأصول وكليات الدين الحديث العاشر إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا

بقلم: ابن رجب الحنبلي
664
عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء | مرابط
اقتباسات وقطوف

عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء


مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يلخص فيه عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء والموالاة والمعاداة وكيف ينقسم الناس بالنسبة لهذه العقيدة فمن كان مؤمنا وجبت موالاته ومن كان كافرا وجبت معاداته ومن جمع بين الإيمان والفجور حاز من الموالاة والبغض بقدر ما عنده من الحسنات والسيئات

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1140
دلالة الإجماع على حجية السنة | مرابط
تعزيز اليقين

دلالة الإجماع على حجية السنة


إن المتأمل في كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وفي طريقة أصحابه ومن اتبعهم وفي مذاهب أئمة الإسلام وفقهائهم ومفسريهم ومؤرخيهم لا يشك في أن عدم اعتبار السنة حجة لمن أولى ما يدخل في قول الله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولىالنساء:١١٥ الآية

بقلم: أحمد يوسف السيد
2672
القانون والإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

القانون والإنسان


والشرع غاية ولكنه ليس الغاية الأخيرة إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان كما هو ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقيةومصارعا من أجل كمالهوبين الإنسان كما ينبغي أن يكون في قبضة الفضيلة الكاملة والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين نحن نقطة بدايته ونقطة نهايته أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء

بقلم: محمد عبد الله دراز
532
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
293
المؤامرة على المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المؤامرة على المرأة المسلمة ج2


وعندما قامت الثورة الفرنسية مطالبة بما أسموه حقوق الإنسان وحرية الإنسان حصلت المرأة على شيء مما يمكن أن نعتبره اعتراف بأنها إنسان وبأن لها روح وبأنها بشر وأخذ المفكرون والأدباء يدعون إلى ذلك وإن كانت دعوتهم تتلبس بالرذيلة والكلام عن البغايا والرأفة بهن والشفقة عليهن وتتحدث عن الراهبات وأنهن منافقات ويزنين في السر وما أشبه ذلك لكن بدأ هناك شعور في أوروبا أن للمرأة روحا وأنها إنسان وليست بشيطان

بقلم: سفر الحوالي
604